للإنصاف نحن العرب مؤسسو علم الاجتماع 

– للدكتور حسن عبد العال كلية التربية جامعة طنطا

متابعة _احمد عبد الحميد 
قد نختلف ويثور بيننا الجدل حول أصول الفلسفة ، فمنا من يقول إنها وليدة العقل الغربى ، فالحضارة اليونانية هى وحدها التى سارت فيها الحركة الفلسفية مع التراث العلمى جنبا إلى جنب ، ومنا من يرى أن ما وصل إليه اليونان من تفلسف إنما كان مبدأه ” حكمة الشرق ” . لكن ليس هناك منصفا حتى ولم تكن له المامة بتاريخ الفكر الاجتماعى ويطلع على الكتاب الذى قدم به العالم العربى عبد الرحمن بن خلدون ( ١٣٣٢ – ١٤٠٦ ) لمؤلفه ” كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر فى أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان الأكبر ” والمعروف ب ” المقدمة ” إلا ويقر بفضل هذا العالم فى وضع أسس هذا العلم الأولى وأركانه ، وبأن ما أسماه ب” علم العمران ” ما هو إلا صنو لما نعرفه اليوم ب ” علم الاجتماع ” وليتنا — كما يرى الدكتور محمد حسين غلوم فى تقديمه لكتاب ” النظرية الاجتماعية من بارسونز الى هابرماس ” ليتنا أبقينا على هذا الاسم العربى حينما ترجمنا المصطلح الأوروبى Sociology .


وقد عرف ابن خلدون هذا العلم تعريفا يقرب بما هو شائع ومتداول حاليا لعلم الاجتماع إذ يقول ” هذا علم مستقل بنفسه فإنه ذو موضوع هو العمران البشرى والاجتماع الانسانى ، وذو مسائل وهو بيان مايلحقه من العوارض والأحوال لذاته واحدة بعد أخرى ، وهذا شأن كل علم من العلوم وضعيا كان أو عقليا ” ومجال هذا العلم كانت واضحة غاية الوضوح فى ذهن ابن خلدون ، وتشمل المجالات التى يشملها علم الاجتماع المعاصر ، فهو يدرس أحوال العمران المختلفة ” مثل التوحش والتأنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض ، وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها ، وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع ، وجميع ما يحدث فى ذلك العمران بطبيعته من الأحوال ” .


أما منهجه فيتخد من الوقائع منطلقا ، وهذه الوقائع توصل إليها ابن خلدون من تجربته الزاخرة فى الحياة ومن مشاهداته وملاحظاته المستمرة لأحوال العمران البشرى ومن الأخبار التى سمع بها وقرأ عنها ، وهو لا يعتمد النقل وسيلة بل يلجأ إلى تمحيص الأخبار والوقائع باحثا فيها ” على أساس الواقع المادى وليس المتخيل الصورى ” وذلك بغية الوصول إلى كشف علاقاتها المحسوسة ، وهو بذلك ينأى بنفسه عن التفسير الخرافى .
إن عظمة ابن خلدون لا تكمن فيا توصل إليه من آراء أو تعميمات فهذه قابلة للأخذ والرد بتطور العلم ورقيه ، وانما تكمن عظمته فى منهجه العلمى وعقليته التى لم تكن تساير زمانه ، وربما فى هذا تكمن مأساته — فيما يذهب إليه غلوم – وهى ليست مأساة شخصية ، بل مأساة أمة كانت تمر فى طور الجمود والتقاليد ، لذلك لم نجد له طلابا ومريدين يواصلون ما اشترعه .
وجاء عصر النهضة فى أوروبا ، ليبنى العلماء فيها على أفكار ابن خلدون اهتمامهم بدراسة الظواهر الاجتماعية ويطورون علم الاجتماع .


أنها صفحة مشرقة فى تاريخ العلم والثقافة العربية الإسلامية ما زال لها وهجها فى تاريخ العلم وتطوره ، ولو بنينا على أفكار ابن خلدون وطورنا من علم العمران البشرى لكان للعلم العربى شأن آخر . ولذلك أسباب ربما اتسع مقال آخر لذكرها والله المستعان

 

 

.

Related posts

Leave a Comment