التونسيون يكتشفون العالم المسيحي و تحطيم قيود تونس وحلم الأمان بين سوريا والعراق تحت شعار ” أمنيات لمسيحيي الشرق 2017″

كتبت/مرثا عزيز

أتوجه إلى جميع العراقيين الأحبة بمطلع السنة الجديدة 2017، متمنيًا لهم سنة مباركة، سنة سلام واستقرار، سنة وفاق ووئام، سنة بلا إرهاب، ولا قهر ولا تهجير.كما أتمنى أن تكون لنا دولة مدنية حقيقية وقوية تضمن المواطنة الكاملة للجميع، دولة ذات سيادة ترفض أي تدخل أجنبي في شئونها الداخلية، دولة نحافظ على التعددية والتنوع، وتعيد بناء ما تهدم حتى يتمكن الناس من العودة إلى بيوتهم وبلداتهم.

وسط  قدوم عام جديد وقرب احتفال مسيحيي الشرق بعيد الميلاد المجيد قَدَّم عدد من رجال الدين المسيحي قراءةً في الواقع الحالي لهم، وذكروا أمنيًّاتهم وآمالهم في الغد، وفي هذا التقرير نرصد الواقع والأمنيات في العراق وسوريا وتونس؛ حيث قال البطريرك لويس روفائيل ساكو بطريرك الكلدان:

 

المسيحيون سكنوا هذه الأرض قبل مجيء الإسلام، وكان لهم حضور مميز، وإسهامًا في الحضارة العربية والإسلامية، وعمومًا عاشوا علاقات مودة وتآخي وسلام قوية مع إخوتهم المسلمين. نتمنى أن تعود من جديد هذه المودة والأخوة والثقة.أتمنى من الحكومة العراقية والمرجعيات الدينية الاهتمام باحتضانهم، وتحريم جميع أشكال الممارسات غير الإنسانية والوطنية، والتي تستهدفهم وتدفعهم إلى الهجرة.

نذكر على سبيل المثال: البطاقة الموحدة، وإكراه القاصرين على اعتناق الإسلام لدى إشهار أحد الوالدين إسلامه، وتهميشهم في التوظيف، وخطابات بعض أئمة الجوامع ضدهم، وحالات تهديدات وقتل، والاستخواذ على بيوتهم.هذا العام شعرنا بالتفاتة جميلة في عيد الميلاد والسنة الجديدة من خلال مبادرات نصب أشجار الميلاد، التغطية الإعلامية للمراسيم الدينية في الكنائس، وإرسال المرجعيات الدينية والحكومية والمدنية بطاقات تهنئة بالعيد.

إننا نوجه لهم جميعًا شكرنا، ونجدد التزامنا بوطننا وبأخوّتنا المشتركة واستعدادنا للمساهمة في تحقيق السلام، وتوطيد العلاقات الاجتماعية، وعمل ما فيه خير للجميع. لدى المسيحيين الكثير ليقدموه لبلدهم.كل عام والعراق والعراقيون بخير.

وفي سوريا اعتبر السفير البابوي في دمشق الكاردينال ماريو زيناري أن العام 2017 قد يشكل منعطفا في الأزمة السورية وذلك على الرغم من هشاشة الهدنة التي تم التوصل إليها في الثلاثين من ديسمبرالماضي بفضل وساطة روسية تركية حظيت بدعم إيران مع أن الاتفاق يستثني تنظيم الدولة الإسلامية. في غضون ذلك ينظر الجميع بأعين الأمل إلى المفوضات المزمع إجراؤها هذا الشهر في الأستانة، عاصمة كازاخستان، بين المعارضة والحكومة السوريتين بعد أن باءت بالفشل جولات الحوار التي عُقدت في جنيف على مدى السنوات القليلة الماضية.

وعبّر الكاردينال زيناري عن أمله بأن تؤدي الهدنة إلى تحوّل إيجابي في الصراع السوري لافتا إلى أن الاتفاق يبعث على الأمل بالمستقبل ومشددا في الوقت نفسه على ضرورة توخي الحذر خصوصا لأن الاتفاق لا يشمل جميع الفرقاء المعنيين بالصراع المسلح في سورية، وإزاء الهجوم الإرهابي الذي وقع في تركيا المجاورة ليلة رأس السنة.

مع ذلك، قال نيافته، تنفّس العديد من السوريين الصعداء بعد دخول اتفاقية وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، وأكد أن أحياء كبيرة من العاصمة دمشق تفتقر إلى المياه منذ أسبوع تقريبا بسبب الأضرار التي أُلحقت بالخزانات، كما أن جزءا كبيرا من المدينة لا يحصل على التيار الكهربائي.

أما فيما يتعلق بالوضع في حلب، التي تمكن الجيش النظامي من السيطرة عليها بدعم من الطائرات الحربية الروسية، لفت الدبلوماسي الفاتيكاني إلى أن الجماعات المسيحية هناك تمكنت من الاحتفال بعيد الميلاد في أجواء من الهدوء والطمأنينة غابت عن المدينة خلال السنوات الماضية.

وتعليقا على نداء البابا الأخير لصالح السلام في سورية، عندما دعا فرنسيس الجماعة الدولية إلى الالتزام بشكل فاعل في إحلال الأمن والاستقرار، قال السفير البابوي في دمشق إنه من الأهمية بمكان أن تسعى الجماعة الدولية للتوصل إلى اتفاق يوقف القتال في سورية.

وأشار إلى الانقسام الراهن وسط المجتمع الدولي بشأن الصراع السوري، لا سيما داخل مجلس الأمن، معتبرا أن هذه الانقسامات حالت دون التوصل إلى درب السلام، على الرغم من التصويت بالإجماع على قرارين أمميين خلال الأيام الماضية ما يبعث على التفاؤل والأمل في حصول تحوّل خلال العام 2017.

هذا وأكد الكاردينال زيناري أنه آن الأوان اليوم لتضميد الجراح العميقة أكانت جراح الجسد أو جراح النفس والروح، لافتا إلى أن كل الجماعات المسيحية في مختلف أنحاء سورية احتفلت بعيد الميلاد خلال الأيام الماضية وقد تميّز هذا العيد بالأمل والصلاة على نية تحقيق المصالحة والغفران داخل المجتمع السوري. وختم السفير البابوي حديثه لإذاعتنا مؤكدا أن الدرب المؤدية إلى السلام والاستقرار ما تزال طويلة وشاقة، مع ذلك يرى السوريون بوادر الأمل في المستقبل، وتمنى نيافته أن تنمو بذور الرجاء وتحمل ثمار المصالحة والسلام بعون الله ومساعدة المجتمع الدولي.

وقد أقامت الكنائس في سورية القداديس والصلوات احتفاء برأس السنة الميلادية الجديدة. ففي الكاتدرائية المريمية للروم الأرثوذكس بدمشق أقيم قداس الهي ترأسه بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس البطريرك يوحنا العاشر يازجي، وعاونه لفيف من الاساقفة والكهنة وجوقة الكاتدرائية.

ودعا البطريرك يازجي إلى أن “نبدأ العام الجديد بالصلاة والمحبة والتواضع ونجدد العهد مع الله بأن نكون له وحده ونتسربل أجنحة الرجاء وسط كل ضيق وشدة”، مؤكدًا “أهمية التمثل بالمعاني السامية لميلاد السيد المسيح، رسول المحبة والسلام، والتأسي بدعوته للتواضع ولخدمة الناس، ولأن يفتح كل إنسان مغارة قلبه ليدخل طفل المغارة ويضطجع في كل ثنايا كيانه”.

وأضاف: “إن المسيحيين في هذا الشرق ندفع كغيرنا ضريبة ما يجري، ونحن هنا لنسمع الصوت من جديد ونحن أخوة التاريخ والجغرافيا مع مسلمي هذا الشرق ومع كل أطيافه ومكوناته”، مشيرًا إلى قضية مطراني حلب المخطوفين منذ ما يقارب الثلاث سنوات والنصف “والتي تختصر شيئًا من معاناة المسيحيين المشرقيين”، داعيًا الجميع إلى التحرك والنظر في هذا الملف الإنساني.

قيود تونس

“تواجه الكنيسة في تونس قيودًا لا يمكن تجاهلها: يمكننا ممارسة إيماننا داخل الكنائس والمباني الدينية التابعة لها، ولكن جميع أشكال الممارسات العامة محظورة. ومع ذلك فقد طرح الدستور الجديد حرية الضمير، وهو بند مهم غير موجود في مواثيق دستور دول شمال إفريقيا الأخرى. علاوة على ذلك فإن العلاقات بين المسيحيين والمسلمين جيدة، ومرد ذلك يعود جزئيًا إلى طبيعة الشعب التونسي المضياف والودود. كنت في غاية الفرح عندما سمعت السنة الماضية أن جائرة نوبل للسلام مُنحت للجنة الرباعية للحوار الوطني: هذه الجائزة هي جائزة الأمة كُلِّها”. هكذا بدأ المطران ايلاريو انتونياتسي قصته. وقد خدم كرئيس أساقفة تونس منذ عام 2013، بعد أن أمضى أكثر من خمسين عامًا في الشرق الأوسط.

علاقاته مع المؤسسات، والتي كانت بالفعل ودية للغاية، ذهبت إلى الأفضل بعد الهجمات الإرهابية التي ضربت البلاد عام 2015. ويضيف: ”طلبت مني السلطات المسلمة مرارًا وتكرارًا توضيح رسالة الكنيسة: لقد تنامى الاهتمام بالمسيحية وما تستطيع أن تقدمه للمساهمة في تحقيق السلام وتوطيد العلاقات الاجتماعية“.

قطيع صغير

تأوي أبرشية تونس، وهي الأبرشية الوحيدة في البلاد، ما يقارب الأربعين كاهنًا من 15 جنسية مختلفة، و90 راهبة من رهبنات مختلقة. كما يوجد هنالك 9 مدارس كاثوليكية (من الحضانة إلى المتوسطة) يؤمها أكثر من 8000 طالب مسلم. ويوجد خمس كنائس تخدم 40000 كاثوليكي، معظمهم من الأجانب: طلاب من جنوب الصحراء الإفريقية، وعمال من دول أوروبية. ويتابع رئيس الأساقفة قائلاً: “كنيستنا صغيرة، ولكنها حيوية للغاية تسعى إلى توصيل محبة الله بالتواضع والمثابرة، وتعمل لما فيه خير الجميع. نحاول أن نكون مسيحيين ذوي مصداقية، ومدركين لمحدوديتنا، وننثر بذور الإيمان: أما متى وكيف تؤتي هذه البذور ثمارًا، فالأمر يعود كليًا إلى الله تعالى”.

الصحفي المسلم صديق الكاهن

حاتم بوريال صديق حميم للمطران انتونياتسي: يبلغ من العمر 58 عامًا، متزوج وله ابن ويعمل بمهنة صحفي ووسيط ثقافي. ويصف علاقته بالمسيحيين بالجيدة وترتكز على الاحترام والتقارب. درس في مدرسة ماريست المحلية، ونشأ في حي متعدد الثقافات. ويقول: “كان جيراني الذين ينحدرون من الجنسيتين الفرنسية والإيطالية في مقام عائلتي الثانية”. وواصل دراسته في الولايات المتحدة الأمريكية حيث استضافته عائلة كاثوليكية. ويقول: “لدي اليوم أصحاب مسيحيون في سائر أنحاء العالم. فمن الناحية الثقافية أنا بالتأكيد مسيحي، تمامًا كما قد يسمي المسيحي اللبناني نفسه مسلمًا بالمعنى الثقافي”.

حضور منذ قرون

ومتأملاً في المجتمع التونسي أضاف: “يبدو لي أن التعايش بين المسيحيين والمسلمين متناغم. فأنا أرى روابط قوية بين الناس. وقد سكنت هذه البلاد من قبل جماعات مسيحية كبرى، ورغم أنها صغيرة حاليًا إلا أنها ما زالت حية. إن المسيحيين الذين يعيشون في تونس اليوم هم علامة لحضور من قرون ويذكرنا بالتاريخ المسيحي الطويل لهذه الأرض. والمحافظة على الروابط الأخوية معهم، تذكرني أن أحافظ على الروابط مع الشخصيات المسيحية الكبرى في الماضي، مع الشهداء وآباء الكنيسة بدءًا بالقديس اغسطينوس. واستثمار هذه المعرفة التاريخية يعني تشييد مستقبل من التآخي والسلام”.

عمل الكاريتاس

إن جمعية الكاريتاس التونسية نشيطة على عدة محاور: إنقاذ المهاجرين العابرين، تقديم دورات محو الأمية للكبار، ومساعدة كبار السن والمرضى. كما أنها أطلقت برنامجًا لمساعدة الأسر الفقيرة: تمنح الأهالي فرصة لتعلم مهنة من خلال دورات مهنية، وتمنحهم الدعم المالي لمساعدتهم على تلبية احتياجاتهم اليومية، وأن يبدءوا أعمالاً تجارية صغيرة. ويقول المطران انتونياتسي: “تُعطى للعائلات مسئولية ويقومون بتسديد المبالغ التي استلموها، فخورين بمعرفة إن هذه الأموال تذهب لمساعدة أشخاص آخرين”.

متطوعون مسلمون

يوجد بين المتطوعين في الكاريتاس عدد غير قليل من المسلمين. ويضيف رئيس الاساقفة: “ففي مدينة تونس لوحدها، على سبيل المثال، يوجد أكثر من 50 طبيبًا مسلمًا يقدمون المساعدة. وهناك العديد من الصيادلة الذين يزودونا بالأدوية مجانًا. وقد انخرطوا في مساعدتنا في عملنا، لأنهم أدركوا أننا لا نميز بين الناس، ولكننا نعمل بروح محبة يخلو من المصالح. وهناك تعاون قوي جدًا بيننا”.

التونسيون يكتشفون العالم المسيحي

إن الهجوم على متحف الباردو الوطني في تونس في شهر آذار من عام 2015، والذي تبعه هجوم آخر بعد ثلاثة أشهر على شاطئ المنتجع السياحي في سوسة، قد تركا جروحًا عميقة في المجتمع التونسي، وتمخض عن إدانة شديدة من السلطات وسائر أفراد الشعب. وأضاف المطران انتونياتسي “بعد المجزرة التي حصلت على الشاطئ، اتصل بي وزير الشئون الدينية، وطلب مني مرافقته إلى المستشفيات لزيارة الجرحى، وفي الأشهر التي تلت ذلك، طُلب مني أن أشارك في عدد من الاجتماعات: وقد أظهر التونسيون اهتمامًا أكثر بالنظرة المسيحية على عدد من المواضيع المعينة مثل المغفرة، السلام والعدالة الاجتماعية. هناك مَنْ لم يسمع عن يسوع قطعيًا، أو حتى شاهد كاهنًا. ففي هذه المناسبات استشهدُ مقتبسًا صفحات من الإنجيل بحرية، تلك التي تتحدث عن محبة الأعداء”.

دور وسائل الإعلام

وفي عيد الميلاد لهذه السنة أيضًا، وافق رئيس الأساقفة أن يتحدث على البرنامج الإذاعي للإعلامي بوريال. ويقول بوريال في هذا الصدد: “لقد دعوت المطران إيلاريو، ليس من منطلق الواجب الصحفي، وإنما كبادرة من اهتمام جمهورنا، لكي نمنحهم الفرصة لاكتشاف مما يتكون رجل الإيمان هذا، كما وأيضًا من أجل نشر رسالة السلام في عيد الميلاد. فعندما تُترَجم الصداقة والتفاهم المشترك في مبادرة محسوسة، عندها يتم احراز تقدم ما”. لدى وسائل الإعلام المقدرة لتعزيز ونشر التفاهم بين مختلف الأديان، وأن تقدم مساهمة مهمة لتشجع العلاقات الإيجابية بين المسيحيين والمسلمين، وعليهم أن يقوموا بهذا. فعلى من يبحثون عن التفاهم والسلام أن يُسْمِعُوا أصواتهم من خلال وسائل الإعلام.

شهادة مقنعة

حسب اعتقاد المطران انتونياتسي، فإنه بإمكان رجال الدين الحقيقيين (من مختلف الأديان) والذي يعيشون بسلام مع بعضهم البعض، بإمكانهم أن يشهدوا بأن التعايش بين الأديان ممكنًا، وأن يثبتوا خطأ المفهوم الذي يفترض جوهريًا بأن الدين يحث أو يدعو إلى القتال والصراع. ويضيف بوريال: “إنهم قادة مراكب يوجهوننا إلى مستقبل أكثر سلامًا ويلتزمون بواجب الشهادة. وأنا من جهتي أشهد بالتقارب، والتفاهم المتبادل، والسير بالتعايش جنبًا إلى جنب مع المسيحيين محترمًا اختلافاتهم. هذا هو الحوار، وهذا هو المثل الذي يجب أن يحُتذى”.

دعوة

ويختتم المطران انتونياتسي كلامه قائلاً: “يعتقد الكثيرون أن تونس بلد مسلم غير مستقر، حيث لا وجود للكنيسة. لكن الوضع مختلف تمامًا: إن الكنيسة حاضرة، وكادحة، وتعطي الأمل. ونحن حريصون على إقامة اتصالات مع الأبرشيات الإيطالية أو الرعايا، وسنكون سعداء بالترحيب بأي شخص يرغب في المجيء إلى هنا في رحلة حج، يسير على خطى القديس أغوسطينوس. إن هذا البلد الذي يبني بصبر مستقبلاً ديمقراطيًا، لديه الكثير ليقدمه، وأنا أدعو الجميع لزيارت

Related posts

Leave a Comment