تعرف على روايتى “قصر الشوق” و”السكرية” بعد تطاول نائب على نجيب محفوظ

كتبت:محمد صبري الشامي

شهد اجتماع لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بالنواب، اليوم مشادات كلامية خلال مناقشة مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر رقم 58 لسنة 37 الخاص بقضايا النشر، والمواد المتعلقة بخدش الحياء العام، وبدأت المشادة بين عدد من النواب فى مواجهة النائب أبو المعاطى زكى، حيث اتهم الأخير الروائى العالمى نجيب محفوظ بخدش الحياء، قائلاً: “السكرية وقصر الشوق -جزئى ثلاثية محفوظ- فيهما خدش حياء، ونجيب محفوظ يستحق العقاب بس محدش وقتها حرك الدعوى الجنائية”، ما أثار غضب الوسط الثقافى فى مصر، وفيما يلى قراءة مبسطة للروايتين “الجزء الثانى والثالث من الثلاثية”، التى يعتبرها أغلب النقاد من أهم الروايات العربية.

فثلاثية نجيب محفوظ تحكى قصة عائلة عبد الجواد والتى يقودها رجل تاجر صارم يدعى أحمد عبد الجواد، حيث يبقى زوجته وبناته فى عزلة عن المجتمع ليعيش هو بالمتعة الكاملة فى شوارع القاهرة، ولديه 5 أولاد وبطريقة أو بأخرى يشاركون فى النضال من أجل العثور على هويتهم الخاصة فى ظل حكم نظامين صارمين “سلطة الوالد ونظام الاحتلال البريطاني”، فالثلاثية عبارة عن ملحمة أسرية تستحق القراءة بشكل كبير ورواية عن صحوة الشباب والصحوة السياسية، فالأجزاء الثلاثة تعج بالشخصيات والمشاهد والأصوات والروائح وصخب المدينة، وتكشف أيضًا عن خلفية التظاهرات ضد الاحتلال البريطاني، ونضال الشاب الوطنى ضد الاحتلال ودو المجتمع المصرى فى ثورة 1919، وقد حققت الملحمة بأجزائها الثلاث هذا الإنجاز النادر من كونها مرضية للغاية على الصعيدين السياسى والعاطفى والقيمة الأدبية.

قصر الشوق

رواية “قصر الشوق” هى الجزء الثانى من ثلاثية نجيب محفوظ، بعد “بين القصرين”، وتظهر الرواية ليبرالية نجيب محفوظ بشكل واضح بهجومه على شخصية السيد أحمد عبد الجواد “بطل الملحمة”، وتعرض الرواية حياة أسرة السيد أحمد عبد الجواد فى منطقة الحسين بعد وفاة نجله فهمى فى أحداث ثورة 1919، حيث يكبر الابن الأصغر “كمال” ويرفض أن يدخل كلية الحقوق مفضلاً المعلمين لشغفه بالآداب والعلوم والفلسفة وحبه وأصدقائه.

ويستعرض “محفوظ” تطور الأسرة والشخوص المضافة إليها، راصدًا حياة نجلتى السيد أحمد عبد الجواد وأزواجهن وعلاقتهن، وكذلك حياة ابنه البكر “ياسين”- وغير الشقيق لباقى الأبناء، كاشفًا ما وصل إليه هذا الابن بشكل بديع وإنساني، خاصة فى لحظات اكتشافه الوجه الآخر من والده الوقور دائماً والذى ترتعد له جدران البيت عند نهنهته وسعاله حال عودته للمنزل، الوجه المرح اللعوب الذى يغازل ويرق للغانيات، كما يستكمل تطور ياسين بزواجه وانتقاله إلى بيته الذى ورثه من أمه فى “قصر الشوق”، وتنتهى أحداث القصة بوفاة الزعيم الشعبى سعد زغلول.

السكرية

رواية “السكرية” هى الجزء الثالث من ثلاثية نجيب محفوظ، وتبدأ أحداث هذا الجزء بعد نهاية أحداث الجزء السابق بثمانية أعوام كاملة، أى فى عام 1934، وتنتهى فى عام 1943.

ويبدأها نجيب بمشهد بديع يرصد خلاله كيف مرت السنون، حيث تلتف العائلة حول الطعام -فى أولى صفحات الرواية- ويبدأ وصف يد عائشة التى ظهرت عروقها وغابت نضارتها مواصلا الوصف بشكل تصاعدى حتى يصل إلى الشيب الذى دب فى شعر رأسها، وذلك نتيجة وفاة زوجها وابنيها متأثرين بمرض التيفوئيد.

ففى هذا الجزء يتبدل الأبطال، حيث يتبوأ أطفال الجزء الماضى مكان الصدارة فى هذا الجزء كشبان نضجوا وأصبحت لكل منهم أهواؤه ومشاربه، فـ “عبد المنعم”: هو الابن الأكبر لخديجة ابنة السيد أحمد عبد الجواد الحاصل على شهادة البكالوريا من القسم الأدبي، ويدخل كلية الحقوق، ومنذ بداية الجزء، نرى أن عبد المنعم اختار لنفسه طريق الإيمان الصادق، فهو ملتزم بالصلاة، حريص على قراءة الكتب الدينية، حتى أنه قد انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين وأطلق لحيته. وبالرغم من ذلك، فقد وقع عبد المنعم فى حب جارته، وهى فتاة لم تتجاوز الرابعة عشرة، حيث كانا يلتقيان فى الظلام فيتذكر انسانيته ورغباته، وينسى كل دروس الدين التى سمعها، وبمتابعة الأحداث يتواصل نشاط عبد المنعم مع جماعة الإخوان المسلمين، فيؤمن من كل قلبه بمبادئها، ويُعيّن مستشارا قانونيا لشعبة (الجمالية)، ويبدأ بعقد اجتماعات للجماعة فى الطابق الخاص بسكناه، ولكن سرعان ما ينكشف أمره، فيداهم البوليس بيته ويعتقله رغم كل توسلات خديجة للمأمور بترك ابنها وشأنه.

ويأتى شقيقه “أحمد” على النقيض من عبد المنعم، حيث يعتنق أحمد الفكر الشيوعى فى نهاية المرحلة المدرسية، ورغم أن أمه قد ربّته على الصلاة منذ الصغر، إلا أنه يقرر التوقف عن أدائها عند بلوغه الخامسة عشرة. وأثناء دراسته فى كلية الآداب، يبدأ بنشر مقالات فى مجلة “الإنسان الجديد”، وهى مجلة اشتراكية بامتياز. ويتعرف على (علوية صبري)، الطالبة بنفس كليته، ويتصادقان زمنا، التى تفاجئه بتصريحها أنها ترغب فى الزواج من رجل غني، يضمن لها الحفاظ على مستواها المعيشي، وبذلك تطوى صفحة (علوية صبري) من حياته، وبعد تخرجه يقرر أحمد العمل فى الصحافة، على الرغم من معارضة والديه، ويعده رئيس تحرير مجلة (الإنسان الجديد) بتعيينه مترجما أولا على سبيل التدريب ثم محررا. وفى عمله الجديد يتعرف على “سوسن حمّاد” المحررة فى المجلة، ورغم جمالها المحدود وجديتها المفرطة وإغراقها فى السياسة، ورغم كونها أدنى منه اجتماعيا بالإضافة إلى أنها تكبره بسنوات فإنها تنجح فى الفوز بحبه ويتزوجان، على الرغم من أن أمه تثير عاصفة من الاحتجاج، ويسكنان فى الدور الأول فى نفس بيت والده، وبتطور الأحداث يزج بـ”أحمد” إلى السجن بسبب أفكاره وآرائه، يكتشف أمراً خطيراً لم يكن قد تنبه إليه من قبل. فهو قد قضى حياته مدافعا عن الشعب ومطالبا بحقوق الطبقة الكادحة، ولكنه ما إن اجتمع مع الشعب فى زنزانة حتى وجد نفسه ينفر من مخالطتهم ويتقزز من ملامستهم!! ويجد نفسه فى السجن قد بدأ يراجع حساباته ويفكر فى كلام المأمور الذى نصحه بالاهتمام بعائلته.

أما “رضوان” فهو ابن ياسين من زوجته السابقة زينب، تربى فترة فى حضن جده محمد عفت، ثم ما إن تزوج ياسين من زنوبة حتى استرجع ابنه ليعيش معه. لكن زنوبة –رغم أنها لم تسئ يوما معاملة رضوان- فإنها كذلك لم تحبه، ولا هو أحبها. ويدخل رضوان كلية الحقوق مع ابن عمته عبد المنعم، لكنه لم يتشجع يوما أن يتخذ من عمته أو أبنائها أصدقاء له، ويجره صديقه حلمى إلى طريق الشذوذ، فيعرفه على عجوز شاذ ذو منصب مهم يدعى عبد الرحيم عيسى، فيهتم به الأخير ويوظفه بعد تخرجه سكرتيرا للوزير.

فيما تظل شخصية “كمال” باقية كما هى تعيش فى ماضيها وتصدم بالواقع وما آل إليه الوطن وأحوال المجتمع.

حقيقة، فنحن نبحث عن الشذوذ الذى ادعاه النائب البرلمانى تحت القبة المقدسة، فمن أين أتى بتلك القراءة السطحية للروايات من عيون الأدب العربى بل والعالمى أيضًا، فنجيب محفوظ ظل وسيظل ملكا على قمة كتاب الواقعية السحرية فى الوطن العربى بأكمله.
كتبه/المستشار محمد صبري الشامي

Related posts

Leave a Comment