بين الماضي والحاضر…

بقلم / وليد صبري

الإحساس المتزايد بأن الماضى كان أفضل لا شك في أنه إحدى أكبر وأخطر علامات إنتشار الإحباط واليأس . فالتركيز فقط بأن « الماضى » كان الأفضل في كل شيء وأن « الحاضر » لا رجاء منه مسألة في غاية الخطورة والدقة في منطقة يشكل الشباب فيها أكثر من 60 في المائة من تعداد السكان. الدول التي « لا ماضي لها » تعتز به وتفتخر به تعتبر من الدول « الجديدة » لم يكن لديها إلا خيار وحيد، وهو التركيز وبقوة على الانطلاق بالحاضر والوصول إلى أعظم الأهداف، ومن ثم صناعة المستقبل. دول مثل سنغافورة وأميركا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا والبرازيل، ما يطلق عليها دول العالم الجديد، ليس لديها ماض يعتد به؛ ولذلك لم يكن لديها إلا خيار واحد وهو صناعة المستقبل . على العكس تماماً من الدول التي انغمست في التركيز على أمجاد الماضي وأطلاله حتى فقدت البوصلة، وأضاعت اتجاه الطريق، وأصبحت دولاً « أرشيفية » خارج الحاضر والمستقبل.وهي دول كلها كان لها من المجد والإنجازات الشيء الكثير جداً . لكنها اليوم أصبحت دولاً أقل ما يقال عنها في وصفها إنها دول « كمالة عدد ». الانغماس المبالغ فيه على الماضي هو حالة مرضية، بل هي أشبه بالحالة التي يمكن أن يطلق عليها « الهلوسة » التي تؤذي ولا تفيد، وهذا مع الأسف بات الحال في توجهات دول وحكومات لا هم لها سوى التعلق بجمال الوهم والخيال والاستخفاف بعقول شعوبهم وتهميش والاستهزاء من طموحات وإماكنيات شبابها . وهو في الواقع ليس إلا « نسيج عنكبوتى » من الخوف والقلق وانعدام الثقة في النفس ومن مواجهة المستقبل . الأن لم يعد هناك من خيار إلا الخروج من عباءة الإدمان بالماضي، وإعادة النظر في العلاقة مع الحاضر والمستقبل. وهذا لن يأتي إلا بحسن ظن غير عادي في الشباب وجيل الغد، وإعطائهم الفرصة الحقيقية، وذلك بالمشاركة الفعلية في صناعة الأهداف والمشاركة في تحمل مسؤوليات القرار. لن تستقيم الأمور بالاستمرار على النهج القديم والإصرار عليه ومواصلة تكرار الأخطاء نفسها مراراً وتكراراً. الدول الأرشيفية تخرج بالتدريج من دائرة التأثير ومن دائرة الاهتمام حتى تتحول إلى عالة على العالم بإرث ثقيل يصبح عبئاً لا يتحمله أحد ولا يطيقه أي نظام .

Related posts

Leave a Comment