بقلم / د. رشا عبد العزيز
إعادة تدوير الزيت المستعمل بيزنس مربح و لكنه كارثة صحية خطيرة تهدد المواطنين .
إعادة تدوير الزيت المستهلك من الطعام مشروع اقتصادي ناجح :
كان من الطبيعي أن تدرك معظم الدول القيمة الاقتصادية الكبري لإعادة تدوير زيت الطعام، وذلك بعد حساب كميات زيوت الطعام المستهلكة من المنازل، والتي لو تركت في النفايات كانت سوف تتسبب حتما في كوارث بيئية. اليوم وبعد اكتشاف طرق إعادة تدوير زيت الطعام، وتحديد المنتجات العديدة التي يمكن استخراجها منه وخصوصا تحويله لوقود بيوديزل ، حيث ثبت أن كل كيلو واحد من راجع زيت الطعام ينتج 9 ليتر من الوقود.
وإعادة تدوير المخلفات عمومًا، من أهم بدائل التعامل مع المخلفات بأنواعها، نظرا لما تتيحه من استرجاع جزء من القيمة الكامنة في تلك المخلفات بعكس بديل “التخلص من المخلفات”، الذي يعد إهدار لتلك القيمة، بالإضافة لما يتضمنه من تكلفة إضافية للتخلص والدفن وتطبيق المعايير البيئية السليمة لعملية “التخلص الآمن ” .
بدأت فكرة إعادة تدوير الزيت المستعمل في الطعام، والذي وصفها المتخصصين وقتها بإنها مشروع إقتصادي في غاية الأهمية ، بعدما اتضح لمعظم الناس مقدار الخطر الذي تتعرض له صحتهم من جراء استخدام الزيت في قلي الطعام أكثر من مرة، وأن ذلك قد يعرضهم للإصابة بالعديد من الأمراض الخطيرة لأنه يحتوي على مركبات هيدروكربونية، وهي مركبات كميائية خطيرة للغاية تؤذي الجسم والجهاز المناعي والكبد وترفع نسب الكوليسترول الضار في الدم وخلل في الجهاز المناعي كما تؤدي للإصابة ببعض الأمراض السرطانية .
ومن هنا تم تخيل كم الزيوت المستهلكة، والراجعة من البيوت، وكيف يمكن لربة البيت التخلص منها بطريقة آمنة لا تضر البيئة، وما يحدث من انسداد للمواسير و المجاري وانفجارها بسبب التخلص من الزيوت المستهلكة في الأحواض والمراحيض وما يتبع ذلك من أضرار للمباني والشوارع ، ذلك بالإضافة إلي الكميات الهائلة من الزيوت المستخدمة الراجعة من المطاعم ومصانع تجهيز وبيع الطعام. وإستطعنا أن ندرك آنذاك أننا أمام مشكلة بيئية خطيرة ، وأيضا أمام ثروة كبيرة مهدرة لو لم يحسن استغلالها إقتصاديا .
ومن هنا بدأت الكارثة الأكبر ..
فعندما نفكر بالإقتصاد والمال نجد إنتشارا للفساد وغياب للضمير وخصوصا مع عدم وجود منظومة واضحة ومحكمة وغياب الوعي بالمخاطر البيئية والصحية .
فبالتوازي مع الكيانات الصناعية التي تأسست للعمل في مجال تجميع الزيوت المستعملة، وإعادة تدويرها في استخدامات مختلفة، وتقوم بشراء زيوت الطعام المستهلكة بأنواعها من المنازل والمصانع والشركات والمطاعم، وتحولها إلى منتجات يتم استخدامها ظاهريًا مثل “الصابون والجلسرين”، أو الشحم والوقود الحيوي، ظهرت مصانع مجهولة ( تحت السلم ) لتستغل الفرصة وتحقق مكاسب طائلة وتتسبب في قتل المواطنين وينتشر سماسرة الزيوت المستخدمة الذين يزعمون عند سؤالهم أن الهدف الرئيسي من حملاتهم خدمة الاقتصاد الوطني بإعادة استخدامها بعد التنقية في صناعة الصابون والجلسرين أو بيعها لمصانع الوقود الحيوي للحفاظ على البيئة.
و تزايدت حملات الترويج لشراء الزيوت المستعملة من المنازل والمطاعم عبر إعلانات التواصل الإجتماعي في العديد من الجروبات الخاصة بكل منطقة وخصوصا المناطق الشعبية والتي يغيب عنها الرقابة لتصبح منبع لتجار وسماسرة الزيوت القاتلة ومصانع تحت السلم وعندما تم التضييق علي هذه الجروبات والصفحات ..
بدأ هؤلاء المرتزقة بالتجول بالميكروفونات في الشوارع متحدين جميع الوسائل الرقابية المختصة
ليعلنوا سعر اللتر من الزيت المستعمل مقابل ٨ جنيهات للتر الواحد وتصل ل ١٢ جنيها مع الكميات الكبيرة المجمعة لتثير المخاوف من زيادة إمكانية وصوله لمصانع بير السلم لتعيد تدويره وبيعه للمواطنين ..
فيما يمكن إعادة تدوير زيت الطعام؟
هناك العديد من الصناعات الهامة تستخرج من تدوير زيت الطعام كما ذكر المتخصصين والتي كانت مطمع للعديد من المرتزقة اصحاب الورش والمصانع الغير متخصصة والذين قاموا بصناعتها غير مطابقة للاشتراطات والمعايير الصحية والبيئية فأدت إلي كوارث تدمر صحة الانسان
نذكر منها الآتي:
١- يصنع منه الصابون السائل الخاص بغسيل الأواني والأغراض المنزلية الأخرى.
٢- يستخلص منه زيت الجلسرين، وهو بدوره يدخل في العديد من الصناعات مثل الكريمات المرطبة للبشرة، وأيضا بعض المركبات الدوائية مثل المراهم.
٣- يتم استخدامه أيضا كوقود حيوي (البيوديزل)
أضرار الصابون السائل الناتج من تدوير الزيوت المستخدمة :
بسؤال استشاري الأمراض الجلدية ورئيس المجلس القومي للبحوث الأسبق، الدكتور هاني الناظر، أكد أن هناك آثارا جانبية لإستخدام السيدات للصابون السائل ، منها الإصابة بالحساسية الموضعية في الجلد، وظهور التهابات جلدية مؤلمة جدًّا، وكذلك حدوث تشققات دامية في الجلد وتجلطات ، ما ينتج عنها كثرة البكتيريا والفطريات التي تسبب الصديد واحيانا سرطان الجلد .
وحذر من مرض يُدعى “ست البيت”، موضحًا أن هذا المرض يصيب السيدات التي تستخدم الصابون السائل في غسيل الصحون أو الملابس، منوهًا بأن عليهن ارتداء الجوانتي لحماية أيديهن بسبب ما يحتويه من مواد سامة ومسرطنة .
والكارثة هنا لا تنتهي بإمكانية إصابة ملايين السيدات اللائي يستخدمن الصابون السائل في غسل المواعين فقط ، ولكن حين يتم استخدام الصابون السائل في غسل المواعين، فإن الماء لا ينقي الأدوات بشكل نهائي، ولكن يظل الصابون السائل عالقًا بها لفترات طويلة، ويتناوله مستخدمو تلك الأداة ، مما ينتج عنه إصابات بسرطان القولون والمعدة ايضا .
– اما بالنسبة للجلسرين والصناعات المترتبة عليه فلم نجد فيه مخالفات ملحوظة نظرا لانه يدخل ضمن ادوات التجميل والتي يصعب تصنيعها في مثل هذه الورش ولكننا لا نفضل إستخدام تلك الزيوت القاتلة في اي منتج له علاقة بالإنسان .
هل تتوقف الكارثة عند صناعة الصابون في الورش ومصانع تحت السلم والتي تخالف كل المعايير الصحية والبيئية ؟
بالطبع لا .. ولكن هناك كارثة أكبر والتي توصلنا إليها مؤخرا ، فالهدف الاكبر من بيزنس الزيوت المستخدمة هو إعادة استخدام زيت القلية المستعمل، وأن هناك شركات زيوت تحمل كميات كبيرة من الزيت المستعمل مقابل مبالغ كبيرة لإعادة إنتاجه مرة أخرى.
والزيت يتم تجميعه عن طريق ربات البيوت حيث أثبتت بعض قوائم الحصر ان ٨ من كل 10 سيدات يجمعن زيت الطعام المستعمل داخل زجاجات في انتظار التواصل مع أحد السماسرة للحصول على الكيلو بسعر يبدأ من ٧جنيهات وصولا إلى ١٢ جنيها ، والذين يقومون بجمع هذه الزيوت المستعملة من البيوت لبيعها إلى مصانع إنتاج زيوت طعام ومطاعم شهيرة أيضا لتعيد استخدامها مرة أخرى وتقديمها للمواطنين، دون الاكتراث بالمواد الخطرة المسرطنة التي تشوب العملية بأكملها، وتحقيق ربح كبير .
هل يمكن معالجة زيت الطعام المستخدم وإعادة إستخدامه كما يحاول هؤلاء المرتزقة بإقناع الغلابة ليشتروا هذه الزيوت المعادة التدوير علي إنها عبوات جديدة ولكن بسعر اقل ؟!
بالطبع لا .. بل مستحيل فالذين يعملون على تنقية الزيت المستعمل يستطيعون تنقيته من الشوائب أو إعادة لونه مرة أخرى، بواسطة مواد التبييض التي تفتح لونه وتعيده إلي اللون الطبيعي وتحسن خصائصه والتي يعلن عنها جهرا علي مواقع التواصل إلا أنهم لن يستطيعوا إزالة المواد الكيميائية التي تسبب السرطان .
كما أن إعادة تدوير زيت القلية بعد تبريده مضر جدا بسبب التغيرات الكيميائية التي تحدث به نتيجة تكسر روابطه أثناء الغليان ثم تحلل المادة الغذائية فيه والتي ينتج عنها عملية تأكسد ، فهذه الأكسدة تكون مجموعة من الشوائب المضرة، كما أن تكرار استخدامه يسبب تلفه نتيجة تعرضه للضوء والأكسجين في الوقت نفسه أثناء القلي، وبالتالي تتغير خصائصه من حيث اللون والطعم والرائحة، وبالتالي يصبح غير صالح للاستخدام.
ورغم ذلك هناك بعض المصانع والمطاعم تعيد تدوير الزيوت أكثر من مرة رغم تعرضه لدرجة حرارة أكثر من 200 درجة، مما يتسبب في تأكسده وكسر الجزيئات وتكون مواد نتجت عن ارتفاع درجة الحرارة، تؤدي هذه المواد لمشاكل كبيرة في الكلى والكبد أيضا بجانب الأمراض السرطانية.
ولذلك ينبغي اقتصار استخدام هذا الزيت على أغراض صناعية غير آدمية.
ما هي أهمية إعادة تدوير زيت الطعام في إنتاج الوقود الحيوي (البيوديزل)؟!
يعد استخدام زيت الطعام المستخدم مصدرا رئيسيا للوقود الحيوي (البيوديزل)، وترجع أهمية هذا الأمر إلى الاحتياج الكبير لتوفير الطاقة، وأن توفير الطاقة في الوقت الحالي يعتبر تحديا كبيرا يواجه العالم كله، خصوصا وقد أصبح زيت البترول المصدر الرئيسي للطاقة في العالم على وشك النفاذ، كما أن الاحتياج إلى الطاقة النظيفة يعد تحديا آخر، وبذلك يعتبر توفير الطاقة وبكميات كبيرة متوقعة من الوقود الحيوي مكسب كبير خصوصا لو عرفنا أن ناتج احتراق هذا الوقود هو الماء، بما يعني خلوه تماما من أي أضرار بيئية محتملة.
ما هي شروط زيت الطعام الصحي؟
– يجب شراء الزيت من أماكن معروفة والتأكد من صحة تاريخ الصلاحية، وعدم تكون شوائب داخل الزجاجة، حيث أن وجود بعض الشوائب تؤكد أنه فاسد.
– يجب التأكد من أن رائحة الزيت بعد فتح الزجاجة أنها طبيعية.
– ينصح المختصين بزيت التموين بغض النظر عن لونه أو شكله ولكنه يخضع لرقابة الدولة، وهو ما يجب تعميمه على كل الزيوت التي تباع في المحلات للحفاظ على صحة المواطنين.
– يمكن استخدام زيت الطعام في المنزل مرة أخرى، إذا تعرض لدرجة حرارة أقل من 100 درجة، وتم تصفيته جيدا، أما في المصانع فمن المستحيل إعادة إستخدامه مرة أخرى، بسبب تعرضه لدرجة حرارة مرتفعة جدا .
من المسئول الأول عن هذه الكارثة ؟
المسئول الأول من وجهة نظري هي الجهات المختصة والرقابية .
فإعادة بيع الزيت المستعمل مسؤولية وزارات عدة : مثل الصحة والتموين و التي يتمثل دورها في ضبط المواد الغذائية المغشوشة.
ما دور الدولة في القضاء علي هذه الكارثة ؟
١- يجب علي الدولة تفعيل الدور الرقابي للجهات المختصة بشكل حازم وتضييق الخناق علي هؤلاء المرتزقة معدومي الضمير واعتبار الامن الصحي للمواطن من امن الدولة لان هذه الكارثة ستكلف الدولة إقتصاديا تكلفة إقتصادية كبيرة في المعالجة الصحية للمتضررين .
ونحن لا ننكر العديد من الضبطيات التي قامت بها وزارة البيئة ومباحث التموين ولكن مازال هناك انتشار واسع لهذه الظاهرة الكارثية والتي أصبحت أكثر علانية وبجاحة من المتسكعين الذين يتجولون في الشوارع بالميكروفونات ليعلنوا تحديهم للدولة والاجهزة الرقابية المعنية .
٢- يجب علي الدولة الاهتمام باستخدام الزيت المستعمل، وإنشاء منظومة كاملة و كيانات قانونية ، تعمل على إنتاج الوقود الحيوي (وهو أحد مصادر الطاقة المتجددة) وذلك لتضييق الخناق على المتاجرين بصحة المواطنين والاهم هو الإعلان عن هذه المنظومة وكيفية إستفادة المواطن منها حتي لا يلجأ للإستفادة من المصادر غير القانونية ويساعد في إنتشار وإستمرار الكارثة.
٣- توفير التوعية اللازمة لربات البيوت سواء بمخاطر التخلص من الزيوت المستهلكة ، و أثر ذلك على البيئة والصحة العامة او بالكوارث التي تسببها بجمع الزيت المستخدم وتسليمه لسماسرة الزيوت من إتجاه
ومقدار الأموال التي ممكن الحصول عليها حال شاركت في الأنشطة التي تدعم تجميع الزيوت المستهلكة من المنازل لصالح الدولة والشركات القانونية المختصة بذلك مع الإعلان الدائم عن هذه الشركات من خلال الإعلام والتواصل الإجتماعي والحملات التوعوية الميدانية .
هل هناك حلول حالية لحل الازمة ؟
نعم .. فقد أطلقت وزارة البيئة، مبادرة لحث المواطنين على عدم التخلص من زيت الطعام المستعمل بعد القلي، من خلال خدمة «جرين بان» المقدمة برعاية شركة «تجدد» للطاقة المتجددة، وبتصريح من وزارتي الصحة والبيئة، للتخلص من الزيت المستعمل بطريقة صحية وتعمل هذه الشركة على إعاد تدوير الزيت لإنتاج منتجات مثل الوقود الحيوي كبديل للطاقة، والجليسرين والصابون».
ما هي خطوات استبدال الزيت المستعمل بالزيت الجديد؟
– ترك الزيت الساخن حتى يبرد بعد الاستخدام.
– تصفية الزيت من أي شوائب ونقله إلى زجاجة بلاستيكية باستخدام «قمع».
– يتم استبدال الزيت من خلال حجز موعد لخدمة التجميع المنزلي من «جرين بان» عند تجميع 5 لترات عن طريق الاتصال على رقم (19481)، أو التسجيل على الموقع الإلكتروني، أو التطبيق الخاص بـ«جرين بان».
حيث يتم الحصول على زجاجة زيت جديدة بحجم 1.75 لتر من إحدى شركات صناعة الزيوت المشهورة مقابل كل 5 لترات زيت مستعمل، أو التبرع بها، كما يمكن الحصول على 100 جنيه لكل 25 لترا.