على ما يبدو أن التعافي الاقتصادي العالمي من جائحة فيروس كورونا في مواجهة خطر الارتفاعات الكبيرة في أسعار الطاقة، التي من المرجح أن تكون معوقًا كبيرًا لاستمرار النمو الاقتصادي، وحتى الوقت الحالي من غير المحتمل أن يتلاشى هذا التهديد في أي وقت قريب.
ويتوقع خبراء الطاقة أن تواصل أسعار تداول النفط الصعود لتصل إلى 100 دولار للبرميل قبل نهاية هذا العام، وهو مستوى لم نشهده منذ عام 2014، وبالتالي فإن العالم على ما يبدو على شفا أزمة طاقة كبيرة، في حال استمرار هذه الأزمة ستكون لها تداعياتها السلبية على معدلات التضخم التي تتزايد بالفعل، مما يزيد من مخاطر حدوث أزمة اقتصادية عالمية أخرى.
وقد شهدت أسعار النفط ارتفاعًا قويًا إلى ما يقرب من 85 دولار للبرميل خلال شهر أكتوبر، مرتفعة من مستويات دون الصفر التي تم تسجيلها خلال شهر أبريل 2020 عندما انهارت معدلات الطلب بسبب انتشار فيروس كورونا الذي أجبر الحكومات والدول على اتخاذ اجراءات اغلاق قاسية للحد من انتشاره، لا يقتصر الارتفاع في تكاليف الطاقة على النفط فقط، بل قفزت أسعار الغاز الطبيعي إلى مستويات قياسية في أوروبا، مما أجبر العديد من المستخدمين على التحول إلى الوقود السائل.
يقول الخبراء أن هناك احتمالية قوية على زيادة معدلات الطلب على الوقود بكافة أنواعه خلال الأشهر القليلة المقبلة حيث سيبدأ فصل الشتاء، في الوقت نفسه، تعاني الأسواق بالفعل من أزمة حالية، وهذا يعني أن الأمور سوف تزداد سوءًا إذا لم اتخاذ خطوات سريعة وفعالة لتفادي سيناريوهات أسوأ.
من المرجح أن تصل أسعار النفط إلى 100 دولار خلال فصل الشتاء إذا اصطدمت التجارة القوية وانخفاض المخزونات وانتعاش السفر الجوي مع درجات الحرارة الباردة.
استمرار الاتجاه الصعودي لأسعار النفط
ذكر بنك أمريكا في تقرير له أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية ستعمل علىاستمرار الاتجاه الصعودي في أسعار النفط:
1 .الارتفاع المستمر في أسعار الغاز الطبيعي والفحم سيكون عامل رئيسي في تغير توجهات الدول نحو استخدام أنواع وقود أخرى، الأمر الذي سيخلق ارتفاع في الأسعار.
2 .تزايد الطلب على وقود الطائرات، وذلك مع اعادة فتح الأجواء الجوية بين دول العالم بعد أن تم غلقها على مدار العام الماضي.
3 .كان نمو المعروض من خارج أوبك ضعيفًا وكانت أوبك بلس ثابتة على وتيرة زيادات الحصة، إذا أصبحت درجات الحرارة أكثر برودة من المعتاد، فقد ترتفع أسعار النفط فوق 100 دولار هذا الشتاء.
يقول المحللون لدي بنك جولدمان ساكس أنه من المحتمل أن يصل سعر خام برنت إلى 90 دولار للبرميل بنهاية 2021، مما يرفع توقعاتهم السابقة البالغة 80 دولار، وفي عام 2022 يتوقعون أن يصل متوسط مستوى البرميل عند 80 دولار.
هل ستتدخل أوبك بلس للمساعدة؟
يعتقد بعض الخبراء أن منظمة أوبك بلس سوف تتدخل إذا زادت الأزمة وشكلت تهديدًا على الاقتصاد العالمي، وذلك من خلال زيادة المعروض النفطي والعمل على اعادة التوزان بين مستويات العرض والطلب،
الجدير بالذكر أن المنظمة قد أقرت في شهر أكتوبر عدم زيادة مستويات الإنتاج بأكثر من الحصص السوقية التي تم وضعها مسبقًا، مما أدى إلى زيادة المكاسب في السلع الأساسية.
يقول أحد المحللين أن أسعار النفط المرتفعة والتي تعتبر تهددًا واضحًا للتعافي الاقتصادي بالنسبةللدول المستهلكة للنفط ليست في مصلحة أوبك بلس، وأضاف أنه إذا استمرت أسعار النفط المرتفعة فإن أوبك بلس ستزيد من الحصص السوقية، وبحلول بداية عام 2021 من المتوقع أن يحدث توازن بين مستويات الطلب والعرض.
وأضاف أن أسعار النفط الخام يمكن أن ترتفع أكثر على المدى القصير في ظل استمرار الخلل في التوازن بين العرض والطلب، حيث تقوم منظمة أوبك بلس بتقييم مقدار تحركات الأسعار الأخيرة التي كانت بسبب عوامل انتقالية مثل إعصار إيدا واختناقات سوق الغاز.
أصداء عام 2008؟
في حالة حدوث تحرك فوق 100 دولار، فسوف نستحضر ذكريات الاضطرابات في سوق النفط التي شوهدت في الفترة التي سبقت الأزمة المالية العالمية لعام 2008، في ذلك العام ارتفعت أسعار النفط الخام من حوالي 88 دولار للبرميل في أواخر يناير إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق أكثر من 147 دولار في يوليو، مما زاد من التقلبات التي كانت في ارتفاع بالفعل عبر فئات الأصول، في الأشهر التي تلتها، شهد العالم تصاعد عدم استقرار الأسواق المالية على نطاق واسع إلى أزمة اقتصادية كاملة.
وعند النظر إلى البيانات نلاحظ أن الطاقة كحصة من الناتج المحلي الإجمالي قد ارتفعت إلى 5.6% حتى الآن هذا العام، لكنها لا تزال أقل من المستوى المرهق البالغ 8.8% الذي لوحظ في عام 2008.
ومع ذلك، هناك ثلاثة محفزات صعودية تكمن في جانب الطلب وهواستبدال الغاز بالنفط وزيادة الحركة الجوية واحتمال الشتاء البارد، وإذا اجتمعت كل هذه العوامل يمكن أن ترتفع أسعار النفط، مما يؤدي إلى جولة ثانية من الضغوط التضخمية العالمية وربما تأجيج الأزمة الكلية المقبلة.
أزمة الطاقة العالمية
لأسابيع حتى الآن، كانت الأسواق العالمية في قبضة مخاوف من أزمة طاقة التي قد تعرقل التعافي الاقتصادي من وباء فيروس كورونا والتضخم الجامح.
أدى التقارب المؤسف بين اختناقات سلسلة التوريد والقيود المتعلقة بالمناخ والطقس غير المواتي والخلافات السياسية إلى حدوث عجز غير متوقع في الطاقة من الصين إلى أوروبا والمملكة المتحدة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الوقود بشكل كبير وتقويض الطلب على الأصول الأكثر خطورة مثل الأسهم.
الجوانب العديدة لأزمة الطاقة:
1 .تفوق أداء سلع الطاقة على الأسهم هذا العام
كانت سلع الطاقة من بين أفضل الأصول أداءً في العالم هذا العام، متفوقةً بشكل كبير على سوق الأسهم، فقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي بنسبة 123% منذ بداية العام حتى تاريخه، بينما ارتفعت أسعار النفط الخامبنسبة 58%، وبالمقارنة، ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 للأسهم الأمريكية بنسبة 16% فقط.
2 .أسعار الفحم سجلت ارتفاعات قياسية وسط النقص في الصين
أدى نقص الفحم في ثاني أكبر اقتصاد في العالم الذي يرجع جزئيًا إلى سياسات بكين التي تركز على تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري في السنوات الأخيرة، إلى ارتفاع أسعار الفحم إلى مستويات قياسية جديدة، وبلغ العقد الأمامي للعقود الآجلة للفحم في نيوكاسل 240 دولار للطن، مسجلاً ارتفاعًا بنسبة 190 % منذ بداية العام، متجاوزًا بسهولة المستويات المرتفعة السابقة التي تم تحديدها في عام 2011.
3 .لم تكن احتياطيات الغاز في أوروبا بهذا المستوى من الانخفاض في هذا الوقت من العام
لم تكن مستويات تخزين الغاز في أوروبا منخفضة كما هي الآن قبل بداية فصل الشتاء، حيث تغطي حاليًا 75% فقط من حجم الغاز العامل، مقارنة بالمتوسط السابق البالغ 90% -95% لهذا الوقت من العام.
دفع انخفاض إنتاج الطاقة المتجددة بسبب نقص الرياح في بحر الشمال وانخفاض مستويات المياه في خزانات النرويج الدول الأوروبية إلى طلب المزيد من الغاز، لكنها تكافح مع اختناقات جانب العرض من روسيا.
4 .التضخم آخذ في الارتفاع في كل مكان
ترتفع مستويات التضخم إلى مستويات لم نشهدها منذ فترة طويلة في الاقتصادات الكبرى حيث يؤدي اتساع فجوات العرض والطلب إلى ارتفاع تكاليف المواد الخام والسلع على خلفية التعافي الاقتصادي العالمي من الوباء.
ارتفعت أسعار المستهلك في ألمانيا بنسبة 4.1% في شهر سبتمبر عن العام السابق، وهي أسرع وتيرة منذ عام 1993، بينما يبلغ معدل التضخم في الولايات المتحدة 5.3% بالقرب من أعلى مستوياته في يوليو 2008، ومن بين الأسواق الناشئة تكافح البرازيل وروسيا أيضًا من أجل احتواء ضغوط الأسعار.