متابعة/ اشرف محمد المهندس…
ويتجدد بينا اللقاء الايمانى مع فضيلة الدكتور / اسماعيل المرشدى من علماء الاوقاف بالاسكندرية
* قوله تعالى من سورة محمد صلى الله عليه وسلم : ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) آية رقم ( ٧ ) ..
_ هذا نص فريد في نسجه اللغوي وسياقه الدلالي وإطلاقاته الجمالية .. إذ يحمل هذا النص الكريم إلينا هدية ربانية تتمثل في بنود استراتيجية النصر والتغلب والسيادة … يحمل إلينا هذه البنود في سياق لغوي ودلالي عجيب … ولنقف مع النص :
أولا: _ ( يا أيها الذين آمنوا ) … إنه النداء المباشر لعموم أهل الإيمان …النداء المتحقق بتوظيف الأداة ( يا ) دلالة على الود والقرب والمنزلة … ثم تجد هذا الاسم الموصول الجمعي ( الذين ) الذي يفتح آفاق البنية الدلالية لتتسع شاملة كل ( أهل الإيمان ) في مختلف الزمان والمكان … ( الذين آمنوا ) من تحقق بالإيمان هو وحده أهل لهذا النداء الرباني … من وقر الإيمان في قلبه يسمع هذا النداء يتردد مرة بعد مرة في نفسه وروحه وعقله … لأنه نداء رب العالمين لكل من كان له قلب … لكل من تحقق بالإيمان واهتدى…
ثانياً : _ ( إن تنصروا الله ينصركم ) … هنا بداية سرد بنود الاستراتيجية الربانية للنصر والتمكين والسيادة … وهي تتضمن :
١_ البند الأول ( إن تنصروا الله ) … وهذا يمثل ( الطرف الأول من المعادلة ) ..وصياغة هذا البند جاءت شرطية بتوظيف ( إن) لتجعل من تحقق جواب الشرط ( ينصركم ) متوقفا على تحقق فعل الشرط ( إن تنصروا ) … إذ يتحقق النصر الإلهي لكم يا أهل الإيمان عند تحقق شرط ( نصركم لله ) … وهنا السؤال : ( كيف ننصر الله ؟!)
_ إن ( نصركم لله ) يكون بانتصاركم على مستوى جبهات عدة تريد غوايتكم وإضلالكم وتنكيبكم عن سبيل الهدى والصراط المستقيم…هذه الجبهات تتمثل في ( النفس / الهوى / الشيطان / الدنيا ) …وجهادكم المستمر لتحقيق النصر على هذه الجبهات هو عين ( نصركم لله ) ..
_ ومن كرم المولى عز وجل أن جعل نصركم وتغلبكم على هذه الشهوات ( نصرا له سبحانه وتعالى ) … هو سبحانه لم يقل : ( إن تنتصروا لله ) أو ( إن تغضبوا لله ) … بل جعل سبحانه وتعالى كل الجهاد الشخصي من قبل أهل الإيمان من باب ( النصر لله ) … والحق أن هذا كرم إلهي فياض لأننا بحق لا نملك هذا ( النصر لله ) .. فمن نحن كي نقوم بهذا ؟!!! لكن هذا التعبير ( إن تنصروا الله ) من باب الحث والتحفيز منه سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين الذين اختصهم بهذا النداء المبارك ..
_ وتأمل لفظة ( تنصروا ) تجدها صيغة مضارعة البنية لتشمل في فيضها الدلالي كل زمان ومكان … تخترق كل المقامات الزمنية لتصبح نداء عاما لكل المؤمنين … لتصبح ( إن تنصروا الله ) شعارا لكل أمة مؤمنة بالله سبحانه وتعالى …لتصبح دستورا مقدسا من مقتضيات الإيمان بالله …( إن تنصروا الله ) صيغة مرتبطة بالمجموع ( واو الجماعة ) لأن الأمة الإسلامية وحدة واحدة … وليست أفرادا متنافرة متباعدة منفردة … هم جمع على الخير والتعاون والتقوى …
_ كما أن توظيف حرف الشرط ( إن ) في سرد النص يدل على شمول الزمان والمكان في دلالته .. فليس ( متى تنصروا الله ) في زمنيتها … وليس ( أين تنصروا الله ) في مكانيتها … بل توظيف ( إن ) لتشمل كل زمانية ومكانية مرتبطة بأهل الإيمان عند شروعهم في تحقيق هذا الشرط …
٢_ البند الثاني ( ينصركم ) .. وهذا وعد رباني غالب وثابت لأهل الإيمان .. هذا هو النصر الإلهي يتحقق مباشرة عند انفعال أهل الإيمان بموعود الله … وقيامهم بنصرة الحق والخير والقيم … عند قيامهم بنصرة الإسلام… إذ النصر يجلب النصر …
_ ثم تأمل هذا التكريم المتوالي ( ينصركم ) بتوظيف ( كاف الخطاب ) كرامة وتكريما لأهل الإيمان … يستحقون ذلك إذ قاموا بواجبهم نحو نصرة دينهم وقيمهم وأخلاقهم .. كرامة المخاطبة تأتي مزيدة على كرامة ( النداء ) أولا …فسبحان الكريم …
_ ولعلك تعجب من البناء اللغوي للنص هنا ..( تأمل بقلبك ) :
* ( إن تنصروا الله / ينصركم )
* ثم مرة أخرى اقرأ ( إن تنصروا الله / …..
( إن تنصروا ……….. / الله ينصركم ) ..
٣_ البند الثالث .. المكافأة بالتمكين ( ويثبت أقدامكم ) .. نعم هذا فضل إلهي مزيد … عطاء رباني لأهل الإيمان إذا ما حققوا ( النصر لله ) في كل صوره وأشكاله …فإنهم عندئذ يستحقون مقام ( ينصركم ) … لكن هناك زيادة وفضل … هي زيادة ( ويثبت أقدامكم ) ..
_ ( ويثبت أقدامكم ) تدلك على أن الانتصار لله لم يكن مؤقتا بزمن … بل صار طبعا أصيلاً لأهل الإيمان … ولذا استحقوا الترقي في المقامات … من مقام ( النصر الإلهي ) إلى مقام ( التثبيت الرباني ) …
_ نعم هذا البند هو بشارة لأمة الإسلام يتحقق موعودا لهم إذا ما استقاموا والتزموا الصراط المستقيم…
_ ( ويثبت أقدامكم ) .. هي مضمون قوله تعالى : ( ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) …
_ ( ويثبت أقدامكم ) هي مضمون قوله تعالى : ( ليستخلفنهم في الأرض وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ) ..
_ ( ويثبت أقدامكم ) هي مضمون قوله تعالى : ( ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) …
* إن النص البديع يبعث شوقا في النفوس المؤمنة أن يشرعوا في استجلاب نصر الله بجهادهم لكل سبيل يريد بهم غواية عن الصراط المستقيم … استجلاب يحقق لهم النصر ثم التثبيت … وهي موعودات ربانية ثابتة لمن يريد القيام بمضمونها …
اللهم امنن علينا بنعمة الإيمان بك قولا وعملا … واجعلنا ممن جعلتهم مفاتيح الخير مغاليق الشر يا رب العالمين…