للدكتور حسن عبد العال كلية التربية جامعة طنطا
متابعة احمد عبد الحميد
إذا كان السؤال الذى يشغل الجميع بعدما زلزلت أزمة كرونا كثيرا من قواعد الاجتماع الانسانى ، هو كيف سيكون العالم بعد كرونا ؟ فإن التربويين ككل أصحاب المهن يسألون كيف سيكون التعليم بعد جائحة كرونا ؟ ، هذا السؤال وإن كان ملحا على مستوى العالم ، فإنه خيار الضرورة الذى لا بديل عنه فى مصر الآن .
يقولون من المنطق أن يكون الوعى بالأزمة هو أول الطريق لارتياد حلول لها ، وتلك حقيقة لا يمارى فيها أحد .
التعليم فى أزمة . . نعم ويعانى من مشكلات . . نعم ، بل هو كما يقول فيلسوفنا العظيم الدكتور زكى نجيب محمود هو أم المشكلات فى مصر ، وهو فى نفس الوقت سبيل حلها . ولك أن تقف أيها القارىء على خطورة الأمر إذا علمت أن أكثر من ٢٠ مليون من التلاميذ أى نحو خمس سكان مصر يضمهم التعليم قبل الجامعى .
ولن أستطرد فى عرض مظاهر الأزمة البالغة التعقيد ولا فى طرح اسبابها ، فكم سودت صفحات وعقدت مؤتمرات كانت أزمة التعليم موضوعها الرئيس . ولكنى سأبدأ بمشروع السيد وزير التعليم لتطوير التعليم بإدخال التكنولوجيا عنصرا أساسيا من عناصر التعليم ، وسبيلا لتحديثه وكان عنوانه ( التابلت ) تحديدا ، ودخول التكنولوجيا مجال التعليم ضرورة تفرضها التحولات الهائلة فى العالم ، كما أثبتت أزمة كرونا ضرورتها بعد غلق المدارس .
وقد استطاعت الأستاذة إيمان رسلان أن تلخص مجموع الآراء التى قومت استخدام التابلت ، وما نتج عن سوء التطبيق والعقبات التى حالت دون تحقيق الأهداف المنشودة منه فى مقالها ” التعليم ما بعد كرونا ” وهى :
اكتشفنا بعد الأزمة وربما قبلها تعثر فكرة استخدام التابلت ، وتبين أن الهدف من استيراده كان شكلا للتحديث ، ولم يرتبط به تغير المضمون فى أحوال المعلمين والمتعلمين وفى بنية التعليم ، فقد غابت دراسة الجدوى والهدف من فائدة الجهاز ، الذى تحول لبديل شكلى للكتاب المقرر ، وتم نسخ المقررات نفسها على الجهاز ، أى أننا استبدلنا الكتاب بشاشة ، ولم يتغير شىء من المناهج التى هى عصب كل تغيير حقيقى على الاطلاق ، هذا وقد حمل التابلت خزانة الدولة مليارات ثم تحول إلى جهاز من أجل أن يمتحن عليه التلاميذ لمدة ساعتين يوميا لمدة أسبوع مرتين فى السنة ، ثم يعاد تخزينه بعد ذلك .
لقد كانت نقطة التعارف والعلاقة مع التكنولوجيا فى التعليم خاطئة ، نتج عنها محدودية أفق وأخطاء جمة فى التطبيق .
صاحب تلك الخطوة وجود حالة لكلمة التابلت التى من أجلها يتم وضع التعليمات الوزارية وتغييرها باستمرار ، وكان أخطرها تحويل امتحانات صفوف نقل كالصف الأول والثانى الثانوى التى تعقده كل مدرسة إلى امتحان قومى عام مثل الثانوية العامة .
وحدث شىء غريب ملازم لذلك ، هو أن السيد الوزير اعتمد على شركة إنجليزية من أجل الامتحانات ووضع الأسئلة ، مع أنه لدينا منذ عام ١٩٩٠ مركز قومى للامتحانات من أجل نفس الفكرة ، وهى انشاء ودعم فكرة بنوك الأسئلة . ونتيجة لهذا التطبيق على أرض الواقع العملى ، أن انفض التلاميذ من المدارس الثانوية الحكومية ، وفرغت فصول الأول والثانى الثانوى فى المدارس أسوة بالثانوية العامة ، وهكذا تم إعداد التلاميذ للحفظ والامتحان حتى فى المنزل .
والمفارقة أنه أيضا نتيجة لذلك أن زادت الدروس الخصوصية وانتشرت السناتر ، وانتقلت إلى سنوات النقل وبقوة أكثر من مرحلة ما قبل التابلت ، ذلك لأننا حولنا سنوات النقل الى شهادة عامة .
وكان الحل الأفضل الذى يلائم الواقع المصرى. بنفس المضمون والأجدر والاكثر فاعلية ، هو القنوات التعليمية التلفزيونية والتى كانت موجودة لكل مرحلة دراسية وأهملتها الوزارة منذ سنوات طوال واهملت تطويرها تماما حتى ماتت اكلينيكيا . والجدير بالذكر أن القنوات التعليمية أثبتت الأزمة الحالية أنها ضرورة قومية ، فهى تصل للجميع بدون تكلفة تذكر ، عكس التابلت ، وهى تدخل كل منزل به جهاز تلفزيون .
و أضافت رسلان أنه يضاف إلى ذلك فى ملف التعليم ما كشفت عنه أرقام الوزارة من عجز فى المعلمين يصل إلى ٣٢٠ الف مدرس ، وهى ارقام تهدد مسار التعليم المصرى كله بالخطر ، لأنه حتى استخدام التكنولوجيا يحتاج إلى المعلمين ، وحينما أرادت الوزارة سد العجز فى المعلمين فتحت باب ‘ التبرع بالتدريس ” وكذلك طلب مدرسين بالقطاعى بمرتب ١٠٠٠ جنيه ولمدة شهرين فقط ، مخالفة بذلك اساسيات العملية التربوية وأهمية التواصل بين المعلم والتلاميذ فى مراحل التكوين المختلفة . أن إهمال أوضاع المعلمين ، والغاء تعيين خريجى كليات التربية أنتج العجز الحالى فى المعلمين ، إضافة إلى ضعف الشديدفى رواتبهم ، فانتشر فيروس السناتر والدروس الخصوصية حتى تمكن من جسد التعليم المصرى ، وأصبح علاجه صعبا . وعلاج مشكلات التعليم يكون بعلاج الأسباب التى أدت إليها وليس بالتابلت فقط .
لقد كشفت أزمة كرونا أن أمر التعليم يحتاج إلى تضافر الجهود لتصحيح المسار لمصلحة مصر وستظل عبارة التعليم قاطرة التنمية حقيقة يجب أن تجد تطبيقا على أرض الواقع وليس شعارا تردده بلا مضمون .