كتب _ اشرف المهندس ..
ويتجدداللقاء الايمانى وحلقة اليوم من سلسلة الإيمان والأخلاق للشيخ الدكتور / اسماعيل احمد اسماعيل مرشدى من علماء وزارة الأوقاف
التواضع
التواضع صفة من صفات عباد الرحمن، فبه يسمو المرء عند الله تعالى، ويعظم في أعين الخلق، فينبغي للمسلم أن يتحلى بهذه الصفة العظيمة؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم.
إن عباد الرحمن لهم ثلاث صفات: أول صفة فيهم هي صفة التواضع، قال ربنا: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:63].
وسئل صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً، ونعله حسنة؟ فقال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس).(بطر الحق) يعني: إنكاره، ولذلك عندما تذهب لخطبة ابنة فلان من الناس أو أخته لشاب صاحب خلق ودين، وقلت: جئنا لنخطب ابنتك لهذا الشاب، فنريد أن تخفف المهر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أكثرهن بركة أيسرهن مهراً)، فإنه يقول لك: لا، هذا الكلام في المسجد.فهذا نوع من الكبر جعله يرد حديث النبي صلى الله عليه وسلم.(وغمط الناس) أن تعتبر نفسك أهم شخص والناس أمامك لا يساوون شيئاً، وكما قيل: أنت أمير وأنا أمير فمن الذي يسوق الحمير؟ كان سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم مثالاً للتواضع، فقد كان الصحابة يريدون أن يمشوا أمام الرسول صلى الله عليه وسلم ووراءه وعن جنبه هكذا، فكان يقول لهم: سيروا أمامي ودعوا ظهري لملائكة ربي؛ تواضعاً منه صلى الله عليه وسلم.
وصورة من صور التواضع الجم للنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني آكل كما يأكل العبد، وأنام كما ينام العبد، وأجلس كما يجلس العبد، ما أنا إلا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة).
وهذا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث لـ سعد بن معاذ ثوب حرير هدية، فسيدنا سعد باع الثوب الحرير واشترى به ستة عبيد وأعتقهم، فسيدنا عمر بلغه الأمر، فأخذ ثوباً ثمنه أقل من الثوب الأول قليلاً وأرسل به إلى سعد، فـ سعد جاء مغتاظاً وقال: يا أمير المؤمنين! ما الذي صنعت؟ قال: أرسلت لك بديلاً لتعطيه لامرأتك أو لابنتك أو للجارية التي عندك، قال: ولكني أقسمت مغتاظاً أن أضرب رأسك بهذا الثوب، فقام سيدنا عمر وقال له: وهذا رأسي فافعل به ما تشاء.
ونظر سيدنا عبد الله بن عمر إلى أبيه وهو آخذ قربة ماء على ظهره أيام خلافته، فقال: ما هذا يا أمير المؤمنين؟! قال: رأيت الناس يأتوني من كل حدب وصوب ويقولون: يا أمير المؤمنين! يا أمير المؤمنين! فأرادت نفسي أن تستشرف، فأردت أن أضعها مكانها.
ولذلك روي: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً في جماعة من أصحابه فذكروا رجلاً وأكثروا الثناء عليه، فبيناهم كذلك إذ طلع عليهم الرجل ووجهه يقطر ماء من أثر الوضوء، وقد علق نعله بيده، وبين عينيه أثر السجود، فقالوا: يا رسول الله! هو هذا الرجل الذي وصفناه، فقال صلى الله عليه وسلم: أرى على وجهه سفعة من الشيطان، فجاء الرجل حتى سلم وجلس مع القوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نشدتك الله هل حدثت نفسك حين أشرفت على القوم أنه ليس فيهم خير منك؟ فقال: اللهم نعم).
هذا هو التكبر والعجب، فأين التواضع الذي وصف به عباد الرحمن في قوله: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:63].
ويقول سيدنا علي: يا بن آدم علام الكبر وأنت الذي تنتنك عرقة، وتميتك شرقة، وتقلقك بقة!! أخي المسلم لقد أكرمك الله بدين عظيم فكن متواضعاً مع عباد الله، والتواضع هذا يجعل نفسيتك طيبة، ويجعلك لا تنافق أحداً؛ لأنك متواضع لله، وجاء في الحديث: (أقربكم مني مجالساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، والموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون).من تواضع نور الدين ومن تواضعه رحمه الله أن أحد القواد أو المقربين إليه قال له في إحدى المعارك: بالله لا تخاطر بنفسك، فإن أصبت في معركة لا يبقى للمسلمين أحد إلا أخذه السيف! فقال: ومن أنا حتى يقال لي هذا؟ حفظ الله البلاد قبلي لا إله إلا هو! يقول: من أنا حتى إذا مت ضاع المسلمون؛ قد حفظ الله البلاد قبلي وبعدي.انظروا إلى كيفية معرفة عظمة الله سبحانه وتعالى، وهيبة الله وجلاله.ولهذا نجد شيئاً عجيباً عندما نستعرض شيئاً من موقفه من هذه القضية.قضية التواضع، أعجب المسلمون إعجاباً شديداً بـ نور الدين محمود، وأخذوا يضجون في الدعاء له لما نصره الله، ولما أبطل المكوس والضرائب والعشور التي كانت تؤخذ من المسلمين، ولما رأوا عدله وجهاده وتمسكه بالسنة كانوا يلهجون له بالدعاء في رمضان وغيره.
قال: وكانوا إذا دعوا له يطيلون في الدعاء، فيمدحونه بما ليس فيه؛ فغضب، وقال: إن خطباء المساجد يبالغون في الدعاء لي؛ فجمع المقربين له وقال لهم: لا بد أن تعدلوا هذا، فكتبوا له صيغة، وكلما وضعوا صيغة يخففها؛ حتى اتفقوا على صيغة واحدة فقط يدعى له بها في المساجد وهي: (اللهم أصلح عبدك الفقير إلى رحمتك، الخاضع لهيبتك، المعتصم بقوتك، المجاهد في سبيلك، المرابط لأعداء دينك، أبا القاسم محمود بن زنكي بن آغ سنقر ناصر أمير المؤمنين)؛ لأنه يدافع نيابة عن الخليفة.فقط لا يزاد في الدعاء على هذه الصيغة، ولا داعي للمديح والاستطراد فيما لا خير فيه.ولما قيل له في ذلك وعوتب قال: مقصودي ألا يكذب على المنبر، فأنا بخلاف كل ما يقال، أفرح بما لا أعمل.يقول: لا أحب أن أحمد بما لم أفعل؛ لأن من قلة العقل أن يقولوا: فتح وجاهد وفعل، وأنا ما فعلت، يقول: تكفي هذه الصيغة.
اكتب بها نسخاً حتى نصيرها إلى جميع البلاد.ثم قال: ثم يبدءون بالدعاء: اللهم أره الحق حقاً، اللهم أسعده، اللهم انصره، اللهم وفقه يقول: دع الناس يدعون فقط من جنس هذا الدعاء، أما المدح والثناء فأنا لا أريده، ومن قلة العقل أن أدعهم يثنون علي بما ليس فيّ أو بما يغرني ويفتنني.ولهذا يقول الحافظ الذهبي رحمه الله: (كان ديناً تقياً، لا يرى بذل الأموال إلا في نفع، وما للشعراء عنده نفاق).
لا ينفق عنده سوق الشعراء الذين كانوا يمدحون من قبله ومن عاصره من الملوك والسلاطين، فيحشو فم الشاعر باللآلئ والتي يبلغ ثمن اللؤلؤة الواحدة عشرة آلاف دينار.لا سوق لهم كما كان عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه.ولهذا قال فيه أسامة بن منقذ:
سلطاننا زاهدٌ والناس قد زهدوا له فكل على الخيرات منكمش
أيامه مثل شهر الصوم طاهرة من المعاصي وفيها الجوع والعطش
نسأل الله العفو والعافية.