عبده البربري
اكد الدكتور هانى جرجس عياد… دكتور علم الاجتماع ان دراسة المشكلات الاجتماعية الى الإدراك الفعلي لظاهرة ما، وفق الأسلوب العلمي للمعرفة الصحية المدققة، والوقوف على أبعاد المشكلة. ورصد الآراء الاجتماعية الممكنة للحلول المنتظرة. وفهم المشكلات الاجتماعية لعلاجها وتجنبها.
وهناك جوانب يجب مراعاتها أثناء التصدي للمشكلة مثل الإمكانات المتاحة، وترابط المشكلات فيما بينها ترابطا عضوياً، وحل المشكلات بشمولية من أجل تغيير الحياة فالحلول المؤقتة لا تجدي، وأن المشكلات تعكس النظام القيمي، ودراسته مدخل للعلاج.
وتتمثل اتجاهات تفسير المشكلات في التفسير التاريخي ويعتمد على التاريخ ومراحل وتطور الإنسانية، والتفسير النفسي بحكم أن المجتمع يتكون من أفراد ولهم نفسياتهم، والتفسير الاجتماعي لأن الترابط بين المؤسسات والتغيير في أحدها يؤثر في الآخر.
يتفق المشتغلون بالعلوم الاجتماعية ومهن المساعدة الإنسانية عموما على أن الإنسان مدني بطبعه، بمعنى أنه بطبيعة تكوينه محتاج للحياة في جماعة أو مجتمع يتعاون فيه مع غيره على إشباع حاجاته وحاجاتهم، ولكن الحياة في جماعة تتضمن الدخول في عدد هائل من التفاعلات الاجتماعية التي لابد من تنظيمها، مما يؤدي إلى ظهور عدد من النظم الاجتماعية (كالنظام الأسري والنظام الاقتصادي والنظام التعليمي …الخ) التي يضم كل منها عددا من المؤسسات التي يتم في إطارها إشباع الحاجات الإنسانية، ثم إن التفاعلات التي تتطلبها عملية إشباع الحاجات في نطاق كل منها تحاط بمجموعة من المعايير والقيم التي تضبطها، والذي يعنينا هنا هو أن النظم الاجتماعية في النهاية تتضمن مجموعة من المكانات الاجتماعية التي يحتلها الأفراد بحسب موضعهم في ذلك النظام (مثل مكانة الأب، الابن، الزوجة في النظام الأسري، أو مكانة التلميذ، المعلم في النظام التعليمي وهكذا)، ثم إن المجتمع يرتب توقعات للأدوار التي ينبغي على شاغل كل مكانة من هذه المكانات أن يقوم بها، فإذا تصرف شاغلو المكانات واقعيا على الوجه المتوقع منهم فيما يتصل بأداء أدوارهم فيقال عندئذ أنهم متوافقون اجتماعيا، أما إذا عجز الأفراد عن القيام بمتطلبات شغلهم لمكاناتهم الاجتماعية (الأب الذي يقصر في رعاية أبنائه، التلميذ الذي يتكرر رسوبه أو يتعاطى المواد المخدرة، العامل متكرر الغياب عن العمل أو المعرض للحوادث بصورة متكررة) فهنا يقال أنهم غير متوافقين اجتماعيا، وعادة ما يصحب ذلك اضطراب في العلاقات الاجتماعية بينهم وبين من ترتبط مكاناتهم الاجتماعية بهم (النزاع بين الزوج والزوجة، مشاجرات التلميذ مع زملائه أو معلميه… الخ)، وهنا يبدأ الحديث عن وقوع الفرد في المشكلات الفردية أو الشخصية أو المشكلات النفسية/الاجتماعية أي المشكلات التي تتفاعل فيها شخصية الفرد بجوانبها البدنية والنفسية مع قوى البيئة الاجتماعية.
وبطبيعة الحال فإن حياة الأفراد لا يمكن أن تخلو من بعض المواقف الصعبة أو حتى الإشكالية التي يتمكن الفرد من التعامل معها سواء بمفرده أو مستعينا بأفراد أسرته أو أصدقائه، ولكن بعض المواقف والصعوبات و المشكلات الشخصية قد تستمر وتستعصي على تلك المحاولات والجهود الذاتية للحل، وهنا لابد من تدخل مؤسسات المجتمع والإسهام في حلها.
وإذا رجعنا إلى الكتابات النظرية الحديثة للتعرف على التفسيرات التي تقدمها لنا للمشكلات الاجتماعية نجد بعضهم يرى أن المشكلات عبارة عن سلوك يتم تعلمه من خلال مثيرات بيئية خارجية، وآخرون يركزون جهودهم على تحليل المشكلات على أنها مشكلات “اجتماعية” فيميزون بين عملية التفكك الاجتماعي وبين السلوك الانحرافي، ويرون أن هاتين الفئتين متشابكتان متفاعلتان في الواقع تؤدى كل منهما إلى الأخرى، بحيث أنك إذا تعرضت لدراسة أي مشكلة واقعية فستجد ما يشير إلى كل منهما ولكن بدرجات متفاوتة.
ويقارن بعض علماء الاجتماع بين التفكك الاجتماعي والسلوك الانحرافي بقولهم أنه إذا كانت نظرية التفكك الاجتماعي تركز على التغير الاجتماعي وما يؤدى إليه من اضطراب المعايير والنظم الاجتماعية فإن نظرية السلوك الانحرافي تركز على انحراف الفرد عن المعايير الاجتماعية، وبلغة أخرى فإن تفسير السلوك الانحرافي يقوم على الافتراض بأن المعايير الاجتماعية العامة سليمة، ولكن لسبب أو لآخر فإن الأفراد لم تتم تنشئتهم تنشئة اجتماعية صحيحة تضمن التزامهم بتلك المعايير.
وبصفة عامة فإننا نلاحظ أن التفسيرات التي تقدمها لنا تلك الأطر التصورية تتسم بالتركيز على الآليات والعمليات الاجتماعية من جهة، وبالنسبية الثقافية من جهة أخرى، فالتركيز على التغير الاجتماعي والتفكك الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية والضبط الاجتماعي يجعل المشكلات الاجتماعية الواسعة النطاق تبدو وكأنها أمر طبيعي تحتمه ميكانيكية هذه الآليات الاجتماعية التي لا ترحم، وأما التفسيرات التي تركز على دور المعايير الاجتماعية والثقافات الفرعية فإنها تبدأ وتنتهي من القيم الاجتماعية السائدة أيا كانت تلك القيم، فتحيل التفسير إلى قضية فنية بحتة تتم فيها مضاهاة توجهات الثقافات الفرعية والسلوكيات الفردية على القيم التي تبنتها الثقافة الحاضرة في المجتمع، أما نقد تلك القيم المجتمعية من منظور أرقى.
ويرجع ان أسباب المشكلات في ثلاثة، أولهما النقص أو القصور في إشباع الحاجات الإنسانية (مع تعريف الحاجات تعريفا ضيقا يكاد ينصب أساسا على الحاجات المادية ثم ما يتبعها من حاجات نفسية واجتماعية) وما يترتب على ذلك القصور في إشباع الحاجات من إحباط وعدوان. أما ثانيهما ما يترتب على استمرار القصور في إشباع الحاجات من مشكلات في العلاقات مع الآخرين وفي التوافق الاجتماعي، وهو ما يعبر بالمشكلات المتصلة بعملية ” أداء الوظائف الاجتماعية”. وثالثهما العمليات الاجتماعية الأشمل التي تحيط بهذا كله كالتغير الاجتماعي وما يؤدى إليه من تفكك اجتماعي يتصل بقصور النظم لاجتماعية عن القيام بوظائفها بكفاءة.
ويتضمن الأسلوب العلمي لعلاج المشكلات الفردية جانبين أساسيين يترابطان فيما بينهما أشد الترابط وهما تقدير الموقف أو الحاجة أو المشكلة أو السلوك في ضوء الافتراضات الأساسية حول الطبيعة الإنسانية، وفي ضوء النظريات المفسرة للسلوك الإنساني في محيطه الاجتماعي، وفي ضوء فهم الأسباب العامة لتلك المشكلات، واسترشادا بالنسق القيمي للمجتمع وأهدافه العامة. ويتضمن ذلك جمع البيانات الدقيقة حول الوضع الراهن الذي يعايشه الفرد بدءا من وصف الشخصية إلى مسح الظروف البيئية إلى توصيف طبيعة العلاقات بين الشخص والبيئة في الوقت الحاضر، ومقارنة الوضع الراهن بالوضع المثالي المطلوب، وتحديد مواضع الافتراق عن النمط المعياري.
بقلم: د. هاني جرجس عياد