اعداد/عبدالحميدشومان
لكل بلد عاداته وتقاليده في شهر رمضان المبارك. وهناك عادات وتقاليد مشتركة بين جميع البلدان والشعوب وهناك عادات وتقاليد تميّز بلاد المشرق العربي عن بلاد المغرب أو بلاد الشام عن العراق والخليج.
أما في لبنان، فيتميز شهر رمضان بعادات وتقاليد دينية واجتماعية وثقافية تكاد تكون موحدة بين مختلف المناطق اللبنانية، الا لكل منطقة سواء في الجنوب أو الشمال أو البقاع أو بيروت أو الجبل خصوصيتها.
يعود بعض هذه العادات والتقاليد إلى مئات السنين ربما إلى بداية الفتح الإسلامي، وبعضها يرتبط بفترة الحكم العثماني لمدة 400 سنة للمنطقة العربية وبينها لبنان. كما أن هناك عادات حملها بعض المجوعات اللبنانية من سوريا والعراق أو من إيران وتركيا وحتى من من بلدان المغرب العربي.
ففي معظم قرى لبنان وبلداته كانت هناك ظاهرة المسحراتي، الذي يجوب الشوارع في أوقات السحر وهو يقرع على طبلة صغيرة بقضيب من الخيزران، لإيقاظ الناس وقت السحور، من خلال ضربه على الطبل وإنشاده بعض الأشعار والأناشيد ومنها “يا نائم وحّد الدائم”، “يا ناس قوموا على سحوركم.. جاء رمضان ليزوركم”.
لكن ظاهرة المسحراتي تراجعت اليوم بشكل كبير ولعلها تقتصر على عدد قليل من القرى والبلدات وبعض أحياء المدن القديمة في الأطراف.
ففي بعض قرى الجنوب والبقاع كان المسحراتي – ولا يزال في بعض القرى – يجوب منازل المؤمنين يقرع أبوابهم بعصاه ينادي عليهم بالإسم وقت السحر للقيام والتهيؤ للصوم، على الرغم من وجود ساعات التوقيت والمنبهات ووسائل الاتصال ومكبّرات الصوت التي تصدح بها مآذن المساجد والحسينيات، سواء بقراءة القرآن والأدعية كدعاء الافتتاح وغيرها، وخصوصاً في ليالي القدر، التي أوشكت على الانتهاء هذه الأيام.
ففي بيروت
من التقاليد الرمضانية في العاصمة بيروت، ما يعرف بـ”سيبانة رمضان”، وهي عادة قديمة لا تزال مستمرة إلى اليوم، تتمثل في القيام بنزهة على شاطىء مدينة بيروت تخصص لتناول المأكولات والمشروبات والحلويات في اليوم الأخير من شهر شعبان المعظم قبل انقطاع الصائمين عن الطعام في شهر رمضان المبارك.
يقول بعض المؤرخين إن تقليد “سيبانه رمضان” كان في الأصل عملية استهلال لشهر لهلال شهر رمضان، وكانت تسمّى “استبانة”. إلا أن أهالي بيروت حرّفوا الكلمة مع مرور الزمن إلى “سيبانة” تسهيلاً للفظها، وأصبحت اصبحت عادة للتنزه وتناول الأطعمة والاشربة في آخر يوم من شهر شعبان.
“مدفع رمضان”،
هو تقليد عرفه لبنان وعدد من الدول العربية، منذ العهد الفاطمي وقد ابتدعه الحكام وقتها لتنبيه الناس إلى حلول أوقات الإمساك والإفطار في شهر رمضان، من خلال إطلاق طلقة مدفعية عند الغروب طيلة أيام شهر رمضان، وهي مهمة يتولاها الجيش اللبناني داخل المدن الرئيسية ولا سيما في بيروت وطرابلس وبعلبك وصيدا وصور. ويقضي هذا التقليد باطلاق ثلاث قذائف من النوع الخلبي من عند ثبوت شهر رمضان، ومثلها عند ثبوت شهر شوال لإشعار الناس بحلول عيد الفطر السعيد، وإطلاق قذيفة واحدة من النوع نفسه قبيل حلول الفجر، وقذيفه واحدة عند الغروب.
صيدا والنبطية
مدينة صيدا، عاصمة الجنوب، تمتاز بـ”فوانيس رمضان”، وهي مصابيح مختلفة الألوان والأحجام تستخدم في تزيين الشوارع ومداخل المساجد في شهر رمضان المبارك كتقليد سنوي يحافظ عليه الصيداويون. هذا التقليد إنتقل إلى بيروت ومدن لبنانية أخرى، حيث تجد الجمعيات الخيرية الإسلامية التي تكفل الأيتام، كجمعية المبرات الخيرية” و”دار الأيتام الإسلامية” وجمعية إمداد الإمام الخميني”، تنشر هذه الفوانيس على الطرقات مترافقة مع يافطات ترحّب بقدوم الشهر الكريم، وتدعو المؤمنين إلى صرف مستحقات الزكاة والخمس والصدقات على الأيتام والمساكين.
ويقال إن الفانوس استخدم في صدر الإسلام في بلاد المغرب العربي للإنارة ليلاً اثناء الذهاب إلى المساجد، خلال فترات السحر، لإحياء ليالي شهر رمضان المبارك ، ومن ثم تحوّل إلى تقيلد للزينة في استقبال الشهر الكريم.
مدينة النبطية في جنوب لبنان، الشهيرة بإقامة مراسم عاشوراء وإعادة تجسيد مأساة كربلاء مسرحياً خلال يوم العاشر من محرم، شهدت هذا الشهر حدثاً سيدخلها “موسوعة غينيس للأرقام القياسية”، إذ أضيء في الساحة العامة للمدينة الفانوس الرمضاني الأكبر، في احتفال نظمته بلدية النبطية.
ومن المفترض أن يسجل هذا الفانوس، الذي يبلغ طوله 18.5 متراً وعرضه خمسة أمتار في “موسوعة غينيس”، وهو عبارة عن عمود حديدي عريض مثلث الرأس وزنه 3800 كيلوغرام، وزيّن بالعبارات الرمضانية. وركز في قاعدته ستة عشر كاشفاً كهربائياً لإنارته من الأسفل إلى الأعلى طيلة ليالي شهر رمضان بواسطة مولد كهربائي. واستهلكت صناعته 180 يوم
مدينة طرابلس
تختص مدينة طرابلس شمال لبنان بتقليد خاص في استقبال شهر رمضان حيث تقوم فرق من الصوفية قبل حلول الشهر المبارك بأيام بجولات في شوارع المدينة، يردد المشاركون فيها الأناشيد والمدائح النبوية والأشعار في استقبال شهر الله، لتحضير الناس وتهيئتهم للصوم.
كما يحرض أهالي المدينة في شهر رمضان على زيارة “الأثر النبوي” في جامع المنصوري الكبير، وهو عبارة عن شعرة واحدة من لحية الرسول(ص)، حيث يتزاحم المؤمنون لتقبيل هذا الأثر الشريف والتبرك منه. ويروى أن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني قد أهدى هذا الأثر إلى طرابلس مكافآة لأهلها على إطلاق اسمه على أحد مساجدها، والذي يعرف اليوم باسم “الجامع الحميدي”.
ومشهورة طرابلس بحلوياتها اللذيذة وخصوصاً حلاوة الجبن، والقطائف والكلاج والعثمالية، وهي حلويات الأكثر رواجاً في شهر رمضان المبارك في المدينة وجميع مناطق لبنان. ولا شك أن صيدا أيضاً مشهورة بصنع الحلويات، لكن محال الحلويات لا تقتصر على المدينتين، فجميع المناطق المسلمة في لبنان، من بيروت إلى الجنوب والبقاع والشمال والجبل، تنتشر فيها محلات الحلويات التي تتنافس في بيع “الكلاج” والقطايف” و”حلاوة الجبن” و”العثمالية” وغيرها.
الأشربة والأطعمة
تزدهر في شهر رمضان المبارك تجارة المأكولات والخضار والفواكه والحلويات والعصائر والتمر والمكسرات(اللوز والجوز والفستق).
ولا تخلو مائدة في شهر رمضان من سلطة “الفتوش” اللبنانية الشهيرة والتي تضم معظم أنواع الخضار مع الخبر المحمص، وهو ما يبدأ به الصائم إفطاره عادة بعد تناوله حساء “الشوربة”.
ومن المشروبات الخاصة بشهر رمضان الجلاب والتمر الهندي وعرق السوس والخرنوب وقمر الدين (المشمش المصفّى).
الصلاة والدعاء
يحيي المسلمون في لبنان ليالي شهر رمضان في المساجد والزوايا والتكايا بالصلاة والدعاء وتلاوة القرآن الكريم. ويحرص بعضهم على صلوات النوافل(التراويح) بعد الأفطار، فيما يحرص آخرون على قراءة دعاء الإفتتاح، فيما يواصلون إحياء ليالي القدر الثلاث حتى الفجر.
وبينما يحرص بعض المسلمين على إقامة موالد للمدائح النبوية خلال شهر رمضان المبارك، تحرص بعض الجمعيات الإسلامية على تنظيم مسابقات في قراءة القرآن، يستقدم خلالها قراء القرآن من مختلف البدان العربية والإسلامية الاخرى لإحياء أمسيات في المساجد يتخللها مباريات في حفظ القرآن وتلاوته.
إلا أن ما يعكّر صفاء شهر رمضان المبارك ابتعاد الجيل الجديد عن هذه الأجواء، بفعل انشغالهم في متابعة المسلسلات على القنوات الفضائية المختلفة والتي تخصص مسلسلات وبرامج درامية وكوميدية وفنية خاصة بشهر رمضان، بعضها أبعد ما يكون عن الدين والحشمة، وروحية وقدسية الشهر الكريم. كما أن مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت قد أصبحت ملتقى للشبان والشابات يتسامرون خلالها، بدلاً من ارتياد المساجد والتزاور وقراءة القرآن والدعاء. وترى أحدهم يضع صورة طفل أو طفلة تقرأ القرآن أو الدعاء أو يكتب خاطرة لتجد أصدقاءه يعملون “like” أي أنهم أحبوا الصورة أو الفكرة أو التعليق.
وعلى الرغم من أهمية مواقع التواصل الاجتماعي وخطورتها في الإعلام الحديث، إلا أنها لا يجب أن تكون مصدر إلهاء للمؤمنين عن روحانيات شهر رمضان وتقاليده.