كتبت/مرثا عزيز
على أبواب الأعياد تقف أرض المسيح بكامل زينتها مستقطبة مسيحيي العالم القادمين للاحتفاء بميلاد المسيح، ومودعة أبناء الأرض من المسيحيين الذين هجروها تباعا؛ ليبقى منهم ما لا يتجاوز 1% من مجموع سكان الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، وفقا للهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، ولكن لماذا يهاجر مسيحيو فلسطين؟
الصحفية آيرين كيله أجابت على سؤال الحدث قائلة: “الأسباب كثيرة، فمن قلة فرص العمل وندرتها، إلى قلة الرواتب، إضافة للأوضاع السياسية التي لا تخفى على أحد، وأهمها الاحتلال”.
ولأن فلسطين لا تعيش بمعزل الأقطار المجاورة، فترى تغريد كشك عضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني أن هناك تخوفا لدى المسيحيين من المد الديني الأصولي، وحركاته التي تهدد التعايش بين المسلمين والمسيحين في فلسطين، الأمر الذي انعكس على الأرض في تشجيع بعض المسيحيين على الهجرة.
الهجرة التي تنتشر في أوساط الشباب الفلسطيني ليست حكرا على الشباب المسيحي، فهم كما ترى كيله جزء من الشباب الفلسطيني الذي يرى في الهجرة سبيلا للخلاص، تقول: “لا تختلف الأوضاع التي يعيشها الشباب المسيحيون عن تلك التي يعيشها المسلمون، فنحن نحيا ضمن منظومة اجتماعية اقتصادية سياسية واحدة، ونتعرض لذات الضغوط، وكلها تدفع بالشاب الفلسطيني للهجرة بحثا عن العيش الكريم الذي لا يجده هنا”.
ويرى طارق دعيبس من بلدة الزبابدة أن نسبة الهجرة تختلف بين منطقة وأخرى، ففي قرى جنين تنخفض نسبة هجرة المسيحيين لدرجة كبيرة، قياسا برام الله وبيت لحم، ويقول: “في بلدنا من المهم جدا أن نتزوج، ونؤسس عائلة، حتى صار بناء الأسرة هو مقياس النجاح، لذلك قد يصل عدد حفلات الزواج لدينا كل عام لثلاثين حفل زفاف، في حين أن عددها في جفنا والطيبة على سبيل المثال لا يتجاوز الثمانية؛ لذلك فلا يوجد توجه للهجرة إلا لدى فئة قليلة من أبناء منطقتنا الذين لم ينجحوا في إيجاد عمل أو فشلوا في الدراسة”.
انخفاض عدد المسيحيين، وهجرة الشباب إلى الخارج، جعل من فرص الزواج لدى أبناء الديانة المسيحية أمرا صعبا، وهو ماخلق دافعا آخر للهجرة لدى بعض المسيحيين، تقول كيله: “هذا أحد الأسباب، لكن من المهم ان نذكر بأن الكثير من الشباب المسيحيين المقيمين في الخارج يفضلون الزواج من فتيات مقيمات هنا، وهذا من شأنه أن يرفع نسبة الهجرة لدى الفتيات أيضا”.
وردا على سؤال “الحدث” حول أعداد المهاجرين من طائفة السريان قال الأب بطرس نعمة من كنيسة دير السريان إن الطائفة السريانية كغيرها من الطوائف المسيحية تشهد هجرة أبنائها عن الأرض المقدسة، وقال إن سبع عائلات هاجرت خلال الفترة الماضية.
وأنكر الأب بطرس تعرض المسيحيين لاضهاد ديني أو اجتماعي في الضفة الغربية، وقال إن المسيحيين هم جزء من المجتمع الفلسطيني، ويتعايشون بمحبة مع إخوانهم المسلمين، وأكد على أنهم يشاركونهم الانتماء للأرض والقضية، وقال: “أسباب هجرة المسيحيين والمسلمبن عن فلسطين واحدة، ولعل أهمها الاحتلال، وما يعانيه شبابنا من ضائقة اقتصادية، وغلاء للمعيشة، ولا وجود لأسباب خاصة بأبناء الدين المسيحي”.
أما في قطاع غزة فقد ارتفعت هجرة المسيحيين، حيث تشير الإحصائية إلى أن 40% من مسيحيي القطاع هجروا القطاع ، ليصل عدد المسيحيين في القطاع لما يتراوح بين 900 – 1000 مسيحي فقط، وحول تأثير حكومة حماس على ارتفاع نسبة الهجرة يقول الصحفي سامي عجرمي: “هناك حالة من الشعور بعدم الانتماء لدى الشباب المسيحيين، وأنا أقصد طبعا بعد تسلم حماس للسلطة، فقد فرضت إسرائيل عقوبات على غزة، واعتبرت القطاع منطقة معادية، وبالتالي جاءت الإجراءات التعسفية للعقاب الجماعي، من حصار ومعابر وتدهور حالة الأمن الشخصي لدى المواطنين عامة، وانعدام حرية الحركة من وإلى غزة”.
وأكمل: “وجود حماس كتنظيم ديني يكره المسيحيين ويعاديهم في السلوك اليومي وليس في الشعارات، أفقد الجمهور المسيحي حالة الأمن الشخصي، وحرية العبادة، وانعكس الأمر على عمق الانتماء الوطني لدى هذه الفئة، التي تعاني من حالة اقتصادية سيئة، وفرص العمل تكاد تكون معدومة”.
وتشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن عدد المسيحيين يبلغ 40.000 شخص في الضفة الغربية، وأقل من 5000 في القدس، و1000 في قطاع غزة. ويشكل المسيحيون اليوم نحو 20% من حجم تعداد الفلسطينيين حول العالم، الذي يبلغ ما يقارب 12,100,000 فلسطيني.
من جهتها ترى تغريد كشك عضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني غيابا واضحا لدور السلطة الفلسطينية في الحد من هجرة المسيحيين، وتقول: “للأسف لا تلعب السلطة أي دور سوى محاولة حماية الأماكن المقدسة داخل الأراضي التي تسيطر عليها من خلال دائرة الشؤون الدينية في منظمة التحرير، أو من خلال الهيئة الإسلامية المسيحية، فلا يوجد تصد بشكل جدي على سبيل المثال لتسريب أراضي الوقف المسيحي، وبيعها لجهات خارجية، رغم مناشدة المسيحيين المتواصلة”.
وعن دور الكنيسة في الحد من هذه الهجرات فتقول آيرين كيله: ” الكنيسة لا تلعب دورا مباشرا، لكن لها دور في خلق برامج معينة تشجع على الزواج، أو خلق فرص عمل، وبرامج توعوية، عبر الشبيبات التي تنظم داخل الكنيسة، ولكن هذا الدور يبقى دورا محدودا، وبحاجه لتكثيف من عدة جهات، وأظن أن هذا الدعم من شأنه أن يحد من نسبة الهجرة”.
وترى كيله أن على السلطة إيجاد استراتيجية معينة في هذا الجانب؛ لأن من غير المنطقي أن تكون فلسطين بلا مسيحية.
من جهتها فقد أشارت الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات، إلى أن الأسباب المباشرة لانخفاض نسبة المسيحيين في فلسطين تعود إلى انخفاض معدل المواليد بين المسيحيين؛ بسبب ارتفاع مستواهم الاقتصادي والاجتماعي، وفشل مشاريع التنمية والنهضة في معظم دول المنطقة.
وبحسب الهيئة فإن الأسر التي تسكن في المدن، وذات انتماء للطبقة الوسطى أكثر عرضة للهجرة من الأسر في المناطق الريفية أو في مخيمات اللاجئين، وأشارت الأغلبية من الأسر أن السبب المباشر الذي دفعهم للهجرة هو الوضع الاقتصادي السيئ والظروف السياسية غير المستقرة.
وترى الهيئة أن السبيل لتخفيف الهجرة يأتي من خلال تحسين الظروف السياسية والاقتصادية وإيجاد فرص العمل للحد من البطالة، وإقناع المواطن بالثقافة الوطنية.
وشدد الدكتور حنا عيسى الأمين العام للهيئة على أن تحديات البقاء للفلسطينين تتمثل في العمل على توفير القيم المجتمعية التي توثق العلاقات في هذه الأيام الصعبة بين مختلف أبناء الوطن ولاسيما في المجال الديني، ومواجهة الأوضاع الاقتصادية الخانقة بدعم اقتصادي جاد، الأمر الذي يولد الثقة في قلوب من يرون في الهجرة نجاة وخلاصاً.
وأشار حنا إلى أن على أصحاب الخطاب الديني أن ينتبهوا إلى المشروع الوطني المشترك والذي يشملنا جميعا دون فرق دين أو ملة، مذكرا بأن إرادة الصمود والبقاء ما زالت قوية لدى غالبية المواطنين لدينا، إلا أن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية قد تنعكس على العلاقات بين مختلف طبقات وفئات الشعب.
وحول المهام الملقاة على عاتق مؤسسات المجتمع الرسمي والأهلي في فلسطين في هذا السياق فيرى أن مهمتها الأولى هي منع هذه الهجرة، وترسيخ بقاء هذه الفئة، والتطلع من خلال إيجاد الوسائل الفاعلة، والتطلع إلى هجرة معاكسة ان أمكن.