بقلم د _هانى جرجس عياد
انطلاقا من أن العولمة كظاهرة لم تكتمل بعد ملامحها وقسماتها ، بل هي عملية مستمرة تكشف كل يوم عن وجه جديد من وجوها المتعددة ، لذلك تتعدد المحاولات الجادة من جانب علماء السياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة والإعلام ، سعيا لصياغة تعريف شامل للعولمة ، وبناء تصور نظري متكامل لتفسير كثير من التحولات والظواهر الاقتصادية والسياسية والثقافية ، التي تزخر بها المجتمعات الصناعية في الشمال ، وسواها من مجتمعات الجنوب مهد الحضارات القديمة .
وصياغة تعريف دقيق للعولمة تبدو مساْلة شاقة نظرا لتعدد وجهات النظر ، حول نشأتها ومصادرها وأصولها ومبادئها ، والتي تتأثر أساسا وضرورة حتمية بانحيازات الباحثين الإيديولوجية واتجاهاتهم إزاء هذه العولمة رفضا أو قبولا ، فالخلاف في وجهات النظر في العولمة بين اليسار واليمين ، بين الاشتراكية والرأسمالية ، بين النظم الوطنية والتابعة ، بين الخصوصية والعولمة ، وأيضا وهو مهم للغاية ، بين وجهة نظر إسلامية و وجهة نظر غير إسلامية .
وإذا كان علماء الاقتصاد قد نجحوا في توصيف ظاهرة العولمة و ارتباطها بنشوء الرأسمالية الصناعية ، وتطور أشكالها وأنماطها طبقا لدرجة تطور الرأسمالية الصناعية العالمية ، كما قدموا تحليلات متعمقة حول إيديولوجية السوق ودور الشركات المتعددة الجنسية كآليات فعالة لتعميق وتسويد آثار العولمة على مستوى الكرة الأرضية ، ولم يغفلوا الآثار والتحولات الحاسمة التي أحدثتها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، ودورها في استكمال معالم العولمة كظاهرة وكعملية تاريخية مستمرة ، غير إن هذه المحاولات لم تقترب إلا قليلا من الوجه الثقافي للعولمة ، وهذا ينقلنا إلى الضفة الأخرى ، حيث يطرح علماء الانثروبولوجيا والسياسة والاجتماع رؤاهم للعولمة ، التي تتجاوز دائرة الاقتصاد والتسويق والمبادلات ، وتركز على الثقافة والسياسة والايدولوجيا ، دون إغفال لأهمية الجوانب الاقتصادية والمالية .
وعندما نتفحص اْبرز التعريفات التي قدمها الباحثون في مجال العلم الاجتماعي والثقافة عن العولمة ، نلاحظ إنها تنطلق من منظور فكرى متقارب ، يرى أن العولمة تمثل لحظة التتويج الكبرى للنظام الراْسمالى على المستوى الكوني ، وإنها تجسد الدرجات العليا في علاقة الهيمنة \ التبعية الامبريالية . ويفرق البعض بينها وبين العالمية مؤكدا باْن العولمة احتواء للعالم ، وفعل ارادى يستهدف اختراق الآخر ، ولذلك تعد العولمة إرادة لاختراق الآخر وسلبه خصوصيته الثقافية ، بينما تعد العالمية تفتحا على ما هو كوني وعالمي ، تستهدف اغناء الهوية الثقافية. والاختراق الثقافي الذي تمارسه العولمة ، يريد إلغاء الصراع الايديولوجى ، والحلول محله من خلال محاولة السيطرة على الإدراك عبر الصورة السمعبصرية ، التي تسعى إلى تسطيح الوعي ، وجعله يرتبط بما يجرى على السطح من صور و مشاهد ذات طابع اعلامى مثير للإدراك ، ومستفز للعواطف وحاجب للعقل .
وتستهدف ثقافة الاختراق تنميط الذوق ، وقولبه السلوك ، وتكريس نوع معين من الاستهلاك لأنواع معينة من السلع والمعرفة والثقافة ، تتسم جميعها بالضحالة والسطحية والإثارة .
وينظر بعض علماء الاجتماع السياسي إلى العولمة باعتبارها تطورا كيفيا في تاريخ النظم السياسية \ الاقتصادية \ الاجتماعية \ الثقافية ، وإنها تستعين بوسائل جديدة للسيطرة ، تتصدرها الشركات العابرة القوميات ، والتي تشكل خط الاختراق الأول للحدود الاقتصادية والسياسية ، اْى لحدود الدولة القومية المرتبطة بالسوق العالمية . أما وسائل الإعلام وشبكات المعلومات ، فهي تشكل خط الاختراق الثاني للحدود الاجتماعية والثقافية .
ويستكمل علماء الثقافة هذا التعريف للعولمة بالتأكيد على أن الثقافة بوصفها منتجا اجتماعيا قد أصبحت جزءا من العملية الاقتصادية \ التجارية الجديدة ، أسوة بغيرها من السلع والمنتجات المادية ، إذ تحررت من القيود الجمركية ، وأصبحت قابلة للتداول على أوسع نطاق في السوق العالمية . وتخضع لنفس الإجراءات والأحكام المفروضة على سواها من السلع المادية ، غير أن مجال المنافسة في تسويق هذه السلع أصبح محدودا للغاية ، وغير متاح إلا للقوى الرئيسية المسيطرة على تكنولوجيا الاتصال وتكنولوجيا صناعة المعلومات ، وتشكل العقول وأنماط التقاليد والسلوك ، الأمر الذي يشير إلى أن التبادل الثقافي العالمي الجاري حاليا في ركاب التجارة الحرة هو تبادل غير متكافئ ، يتغذى من التفاوت والخلل الرهيب في توازن القوى الثقافي على الصعيد العالمي ، بين ثقافات مسلحة بالتكنولوجيا الاتصالية والمعلوماتية ، وبين ثقافات أخرى مجردة من اْى حماية تكنولوجية أو تشريعية ، مما يحول دون إمكانية خلق التفاعل المتوازن بين الثقافات والشعوب والمجتمعات ، و هنا يبرز الوجه الحقيقي لما يسمى بثقافة العولمة ، التي لا تعنى في جوهرها سوى السيطرة الثقافية الغربية على سائر الثقافات .
وان كانت هذه السيطرة تحمل في داخلها علاقة أخرى من السيطرة ، تجعل ثقافات غربية عديدة في موقع تابع لهذه الثقافة المركزية ، التي يشار إليها بعبارة ” الأمركة ” التي تعبر عن نفسها على نحو متزامن باعتبارها مصدرا للسلع التجارية المقننة، وبوصفها سلسلة من القيم والمصالح البشرية العامة ، و بوصفها خطابا علميا تكنولوجيا ، وأخيرا كنظام متداخل و متكامل للاتصالات التي تشكل البنية المادية لكل المكونات والرموز الثقافية الأخرى .
وعند مقارنة ثقافة العولمة بالثقافات الوطنية في دول الجنوب أو سواها ، نلاحظ إن هذه الثقافات تتميز بالخصوصية والانتظام داخل اْطر تاريخية معينة ، كما تتميز بالقدرة على ربط أهلها بسمات وجدانية وذهنية مشتركة ، تتمثل في القيم والذاكرة الجماعية ، والإحساس المشترك بهوية تاريخية ومصير واحد . هذا فيما نرى إن ثقافة العولمة ليس لديها القدرة على أن تولد لدى الأفراد إحساسا مشتركا بهوية تاريخية أو مصير مشترك ، وينظر إليها على إنها ثقافة لا تحمل ذاكرة جماعية ، كما إنها تتسم بنزعة توسعية ، وإنها منقطعة عن اْى ماضي ، وان كانت تستغل الماضي ليوفر لها عناصر مستمدة من الأنماط الشعبية والوطنية في الموضة والأثاث والموسيقى والفنون ، التي تنتزع من سياقاتها الأصلية ، وتوضع في توليفات كوزموبوليتانية ، إذن فهي في أساسها ثقافة لا تاريخية .
اْنه إذا كانت العولمة تعنى في جوهرها رفع الحواجز والحدود أمام الشركات والمؤسسات والشبكات الدولية الاقتصادية و الإعلامية والثقافية ، كي تمارس أنشطتها بوسائلها الخاصة ، و كي تحل محل الدولة في ميادين المال والاقتصاد والثقافة و الإعلام ، مما يعنى تقلص السيادة القومية للدولة في هذه المجالات بالتحديد ، وإذا كان التفوق التكنولوجي قد أتاح للغرب إمكانية التحكم في صناعة المعلومات والاتصال ، من خلال الشركات العملاقة والمهيمنة على السوق العالمية بواسطة الثلاثي المعروف (البنك الدولي ، صندوق النقد الدولي ، ومنظمة التجارة العالمية ) ، فان المجال الثقافي وسائر مكونات المنظومة الحضارية لا يزال يمثل الساحة الرئيسية للصراع ، حيث تواصل القوى الرئيسية المتحكمة في العولمة محاولاتها الدءوبة من اْجل عولمة الثقافة والتعليم والدين وسائر مكونات المنظومة الحضارية ، التي كانت تحتفظ باستقلال نسبى خارج دوائر وقيم السوق العالمية .
إذن فالعولمة هي نظرية اقتصادية في المنطلق ، سياسية – اجتماعية ثقافية في النتائج ، تستهدف فتح الأسواق الاقتصادية وتطبيق سياسة السوق فيها بإلغاء الرسوم الجمركية وإقرار حركة تنقل رأس المال والبضائع والخدمات بين الدول دون اْى قيود، وفتح الحدود الوطنية في المجال السياسي ، والترويج لثقافة نمطية عالمية واحدة هي ثقافة القوى المهيمنة على العالم .
وصياغة تعريف دقيق للعولمة تبدو مساْلة شاقة نظرا لتعدد وجهات النظر ، حول نشأتها ومصادرها وأصولها ومبادئها ، والتي تتأثر أساسا وضرورة حتمية بانحيازات الباحثين الإيديولوجية واتجاهاتهم إزاء هذه العولمة رفضا أو قبولا ، فالخلاف في وجهات النظر في العولمة بين اليسار واليمين ، بين الاشتراكية والرأسمالية ، بين النظم الوطنية والتابعة ، بين الخصوصية والعولمة ، وأيضا وهو مهم للغاية ، بين وجهة نظر إسلامية و وجهة نظر غير إسلامية .
وإذا كان علماء الاقتصاد قد نجحوا في توصيف ظاهرة العولمة و ارتباطها بنشوء الرأسمالية الصناعية ، وتطور أشكالها وأنماطها طبقا لدرجة تطور الرأسمالية الصناعية العالمية ، كما قدموا تحليلات متعمقة حول إيديولوجية السوق ودور الشركات المتعددة الجنسية كآليات فعالة لتعميق وتسويد آثار العولمة على مستوى الكرة الأرضية ، ولم يغفلوا الآثار والتحولات الحاسمة التي أحدثتها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ، ودورها في استكمال معالم العولمة كظاهرة وكعملية تاريخية مستمرة ، غير إن هذه المحاولات لم تقترب إلا قليلا من الوجه الثقافي للعولمة ، وهذا ينقلنا إلى الضفة الأخرى ، حيث يطرح علماء الانثروبولوجيا والسياسة والاجتماع رؤاهم للعولمة ، التي تتجاوز دائرة الاقتصاد والتسويق والمبادلات ، وتركز على الثقافة والسياسة والايدولوجيا ، دون إغفال لأهمية الجوانب الاقتصادية والمالية .
وعندما نتفحص اْبرز التعريفات التي قدمها الباحثون في مجال العلم الاجتماعي والثقافة عن العولمة ، نلاحظ إنها تنطلق من منظور فكرى متقارب ، يرى أن العولمة تمثل لحظة التتويج الكبرى للنظام الراْسمالى على المستوى الكوني ، وإنها تجسد الدرجات العليا في علاقة الهيمنة \ التبعية الامبريالية . ويفرق البعض بينها وبين العالمية مؤكدا باْن العولمة احتواء للعالم ، وفعل ارادى يستهدف اختراق الآخر ، ولذلك تعد العولمة إرادة لاختراق الآخر وسلبه خصوصيته الثقافية ، بينما تعد العالمية تفتحا على ما هو كوني وعالمي ، تستهدف اغناء الهوية الثقافية. والاختراق الثقافي الذي تمارسه العولمة ، يريد إلغاء الصراع الايديولوجى ، والحلول محله من خلال محاولة السيطرة على الإدراك عبر الصورة السمعبصرية ، التي تسعى إلى تسطيح الوعي ، وجعله يرتبط بما يجرى على السطح من صور و مشاهد ذات طابع اعلامى مثير للإدراك ، ومستفز للعواطف وحاجب للعقل .
وتستهدف ثقافة الاختراق تنميط الذوق ، وقولبه السلوك ، وتكريس نوع معين من الاستهلاك لأنواع معينة من السلع والمعرفة والثقافة ، تتسم جميعها بالضحالة والسطحية والإثارة .
وينظر بعض علماء الاجتماع السياسي إلى العولمة باعتبارها تطورا كيفيا في تاريخ النظم السياسية \ الاقتصادية \ الاجتماعية \ الثقافية ، وإنها تستعين بوسائل جديدة للسيطرة ، تتصدرها الشركات العابرة القوميات ، والتي تشكل خط الاختراق الأول للحدود الاقتصادية والسياسية ، اْى لحدود الدولة القومية المرتبطة بالسوق العالمية . أما وسائل الإعلام وشبكات المعلومات ، فهي تشكل خط الاختراق الثاني للحدود الاجتماعية والثقافية .
ويستكمل علماء الثقافة هذا التعريف للعولمة بالتأكيد على أن الثقافة بوصفها منتجا اجتماعيا قد أصبحت جزءا من العملية الاقتصادية \ التجارية الجديدة ، أسوة بغيرها من السلع والمنتجات المادية ، إذ تحررت من القيود الجمركية ، وأصبحت قابلة للتداول على أوسع نطاق في السوق العالمية . وتخضع لنفس الإجراءات والأحكام المفروضة على سواها من السلع المادية ، غير أن مجال المنافسة في تسويق هذه السلع أصبح محدودا للغاية ، وغير متاح إلا للقوى الرئيسية المسيطرة على تكنولوجيا الاتصال وتكنولوجيا صناعة المعلومات ، وتشكل العقول وأنماط التقاليد والسلوك ، الأمر الذي يشير إلى أن التبادل الثقافي العالمي الجاري حاليا في ركاب التجارة الحرة هو تبادل غير متكافئ ، يتغذى من التفاوت والخلل الرهيب في توازن القوى الثقافي على الصعيد العالمي ، بين ثقافات مسلحة بالتكنولوجيا الاتصالية والمعلوماتية ، وبين ثقافات أخرى مجردة من اْى حماية تكنولوجية أو تشريعية ، مما يحول دون إمكانية خلق التفاعل المتوازن بين الثقافات والشعوب والمجتمعات ، و هنا يبرز الوجه الحقيقي لما يسمى بثقافة العولمة ، التي لا تعنى في جوهرها سوى السيطرة الثقافية الغربية على سائر الثقافات .
وان كانت هذه السيطرة تحمل في داخلها علاقة أخرى من السيطرة ، تجعل ثقافات غربية عديدة في موقع تابع لهذه الثقافة المركزية ، التي يشار إليها بعبارة ” الأمركة ” التي تعبر عن نفسها على نحو متزامن باعتبارها مصدرا للسلع التجارية المقننة، وبوصفها سلسلة من القيم والمصالح البشرية العامة ، و بوصفها خطابا علميا تكنولوجيا ، وأخيرا كنظام متداخل و متكامل للاتصالات التي تشكل البنية المادية لكل المكونات والرموز الثقافية الأخرى .
وعند مقارنة ثقافة العولمة بالثقافات الوطنية في دول الجنوب أو سواها ، نلاحظ إن هذه الثقافات تتميز بالخصوصية والانتظام داخل اْطر تاريخية معينة ، كما تتميز بالقدرة على ربط أهلها بسمات وجدانية وذهنية مشتركة ، تتمثل في القيم والذاكرة الجماعية ، والإحساس المشترك بهوية تاريخية ومصير واحد . هذا فيما نرى إن ثقافة العولمة ليس لديها القدرة على أن تولد لدى الأفراد إحساسا مشتركا بهوية تاريخية أو مصير مشترك ، وينظر إليها على إنها ثقافة لا تحمل ذاكرة جماعية ، كما إنها تتسم بنزعة توسعية ، وإنها منقطعة عن اْى ماضي ، وان كانت تستغل الماضي ليوفر لها عناصر مستمدة من الأنماط الشعبية والوطنية في الموضة والأثاث والموسيقى والفنون ، التي تنتزع من سياقاتها الأصلية ، وتوضع في توليفات كوزموبوليتانية ، إذن فهي في أساسها ثقافة لا تاريخية .
اْنه إذا كانت العولمة تعنى في جوهرها رفع الحواجز والحدود أمام الشركات والمؤسسات والشبكات الدولية الاقتصادية و الإعلامية والثقافية ، كي تمارس أنشطتها بوسائلها الخاصة ، و كي تحل محل الدولة في ميادين المال والاقتصاد والثقافة و الإعلام ، مما يعنى تقلص السيادة القومية للدولة في هذه المجالات بالتحديد ، وإذا كان التفوق التكنولوجي قد أتاح للغرب إمكانية التحكم في صناعة المعلومات والاتصال ، من خلال الشركات العملاقة والمهيمنة على السوق العالمية بواسطة الثلاثي المعروف (البنك الدولي ، صندوق النقد الدولي ، ومنظمة التجارة العالمية ) ، فان المجال الثقافي وسائر مكونات المنظومة الحضارية لا يزال يمثل الساحة الرئيسية للصراع ، حيث تواصل القوى الرئيسية المتحكمة في العولمة محاولاتها الدءوبة من اْجل عولمة الثقافة والتعليم والدين وسائر مكونات المنظومة الحضارية ، التي كانت تحتفظ باستقلال نسبى خارج دوائر وقيم السوق العالمية .
إذن فالعولمة هي نظرية اقتصادية في المنطلق ، سياسية – اجتماعية ثقافية في النتائج ، تستهدف فتح الأسواق الاقتصادية وتطبيق سياسة السوق فيها بإلغاء الرسوم الجمركية وإقرار حركة تنقل رأس المال والبضائع والخدمات بين الدول دون اْى قيود، وفتح الحدود الوطنية في المجال السياسي ، والترويج لثقافة نمطية عالمية واحدة هي ثقافة القوى المهيمنة على العالم .