[ad id=”1177″]
كتب:محمد صبري الشامي
صار الصمت يبسط سيطرته على أرجاء رواق ضيق بمحكمة الأسرة بزنانيرى، الكل يستعد للرحيل إلا سيدة تحتار فى تحديد عمرها، اتخذت من ركن بعيد ملجأ لها تختبئ فيه من أعين المتطفلين لحين انتهائها من إجراءات دعوى الخلع التى أقامتها ضد زوجها الثلاثينى بعد أشهر معدودة من الزواج لهجره لها فى الفراش.
[ad id=”1177″]
كانت السيدة توارى جسدها الممتلئ خلف عباءة سوداء لم تترك فرصة دون أن تبرز ثنياته بين الحين والآخر، وتطوق رأسها بحجاب حريرى تطل منه شعيرات تخلصت مما أصابها من شيب وأعيد لها صباها بصبغة داكنة اللون، وتتحايل على آثار الزمن العالقة بقسمات وجهها قاسى الملامح بمستحضرات تجميل رخيصة الثمن.
[ad id=”1177″]
بكلمات لا تخلو من الألم، تحدثت الزوجة لـ”صدى البلد”عن حكايتها: “لعب على أوتار وحدتى وشعورى بأننى لم يعد لى فائدة ولم يعد أحد بحاجة إلى، وعلى أن أبقى فى بيتى أنتظر الموت يطرق أبوابى ويخلصنى من حياة أفنيت معظمها فى خدمة زوجى الراحل وأولادى الذين تزوجوا وانشغلوا عنى بحياتهم الجديدة وبمشاكلهم، وجعلنى أشعر بكلماته المعسولة ووعوده الزائفة بأننى سيدة هذا الكون وأجمل نسائه وأصباهم رغم عمرى الذى قارب على الستين، حتى سقطت فى شباكه، ولا أعرف هل سقطت لأنه كان ماهرا فى إيهامى بما ليس فى، وإذابة كل العوائق التى كانت تحول بينا من فارق سن يتجاوز العشرين عاما، وكلمات الناس التى لا ترحم من تزوجت فى نفس عمرى وظروفى بشاب مثله وهمزاتهم ولمزاتهم بكلمة واحدة منه، أم أنا من كنت أحتاج إلى هذا السقوط وأرغب فيه بشدة”.
[ad id=”1177″]
تعود الزوجة برأسها إلى الوراء وتسحب الهواء حتى يعلو صدرها ثم تنفثه بهدوء، وبنبرة تتلون بالتماسك الزائف واصلت حديثها: “ورغم معارضة أولادى وتحذير المقربين من تلك الزيجة وتأكيدهم أنها لن تدوم طويلا، فالربيع والخريف لا يمكن أن يتقابلا يوما، فكل منهما له أوان، وإفصاحهم عن تخوفهم من أن يكون الشاب طامعا فى مالى ومصوغاتى، فبحسبهم لا مقومات عندى تغريه سواهما، وهو عامل بسيط يحتاج إلى مال، لكنى لم أبال بنصائح أحد وتزوجته فى بيتى، وبالفعل مرت أيامنا الأولى كالحلم، لكن سرعان ما تبدل حال زوجى الشاب وتغيرت معاملته لى وبات يتجاهلنى فى الفراش، وكلما حاولت الاقتراب منه يبتعد عنى على غير عادته ويمطرنى بسيل من الحجج، “أنا متعب”، “ماليش مزاج”، إلى أن هجر فراشى للأبد وتركنى أعانى ألم الوحدة من جديد، متخذا من كنبة قابعة بنفس الحجرة التى أمكث بها مكانا يستريح فيه بعيدا عن جسدى”.
[ad id=”1177″]
تعتدل السيدة فى جلستها وترتب حجاجها وملابسها استعداد لإنهاء روايتها والرحيل: “ظلت التساؤلات والشكوك تعصف بذهنى لشهور طويلة، وأحدث نفسى بأن ربما هناك امرأة أخرى فى حياة زوجى، ومن المؤكد أنها فى مثل عمره وأنه سيتركنى لأجلها ﻻ محالة، ولكن لما يفعل هذا بى؟!، فقد منحته كل شىء وغيرت من هيئتى إرضاءً له، وفعلت المستحيل حتى لا يشعر بخريف عمرى، وحاولت كثيرا أن أرغبه فى بعد أن هجرنى، وفى النهاية قررت أن أواجهه إلا أنه صم أذنيه وتجاهل كلماتى كما سبق وتجاهلنى فى الفراش، وعندما يئست من انصلاحه وعودته إلى سابق عهده وبت أخشى على نفسى من الفتنة، قررت أن ألجأ إلى محكمة الأسرة وأقيم ضده دعوى أطالب فيها بتطليقى منه طلقة بائنة للخلع لأرد له ما فعله بى وأعاقبه على هجره لى وحرمانى من حقوقى الشرعية”.
[ad id=”1177″]