الإدارة الاقتصادية والامن القومي المصري

بقلم – أ.د. يمن الحماقي
أستاذ الاقتصاد جامعة عين شمس
تشهد منطقة الشرق الأوسط حالياً تحديات جسيمة تلقي بظلالها على مستقبل التنمية في هذه الدول في ظل صراعات جيوسياسية غير مسبوقة، ويأتي ذلك في توقيت حرج بالنسبة للاقتصاد المصري حيث لا يزال وفي ظل حكومة جديدة ما زالت تصنع أولويات التحرك مفترض ان يتم تحديدها في سياق ازمة اقتصادية طاحنة، ومن هنا كان تركيز سيادة الرئيس في كلمته في احتفال تخريج دفعة جديدة من الشرطة على أهمية تكاتف المصريين في هذه المرحلة الحرجة، ودور ذلك في تحقيق الامن القومي المصري.
ويتطلب الامر التأكيد في هذه المرحلة الحرجة على أهمية الإدارة الاقتصادية لموارد الدولة وذلك في اتجاه تحقيق نتائج ملموسة يشعر بها المواطن المصري وتكون دعامة أساسية في تحقيق الامن القومي ونستعرض فيما يلي أولويات تأكيد دور الإدارة الاقتصادية في المحاور الاتية
اولاً: لا شك ان الفقر يمثل تهديداً للأمن القومي المصري وان مكافحة الفقر تحتل أهمية كبيرة في تحقيق هذا الامن، وهنا يتطلب الامر مراجعة الحقائق الاتية:
1. ان جهود مصر في مكافحة الفقر منذ اهداف الالفية عام 2005 لم تحقق نجاحاً ملموساً وذلك وفقاً للتقارير والمؤشرات الاقتصادية ومقارنة بتجارب كثيرة في هذا المجال على رأسها الصين، ويتطلب الامر المراجعة الشاملة لهذه الاستراتيجية خاصة ومع وجود زخم هائل حالياً من المبادرات والبرامج التي تهدف لمكافحة الفقر وتحقيق التمكين الاقتصادي للفقراء وما يرتبط بذلك من اهداف النمو الاحتوائي.
2. يتطلب الامر مراجعة شاملة لأداء كل الجهات العاملة في هذا المجال وعلى رأسها جهاز المشروعات الصغيرة وادارات ائتمان المشروعات الصغيرة في البنوك والجمعيات والمؤسسات الاهلية من خلال الاتحاد العام للجمعيات فضلاً عن أدوار الوزارات من خلال المبادرات التي تتبناها، وهنا تكون الإدارة الاقتصادية لهذه المبادرات أساسها الإجابة على التساؤلات الاتية
الي أي مدى ساهمت هذه المشروعات في دعم سلاسل الامداد على مستوي قطاعي وجغرافي؟
ما العلاقات القائمة بين هذه المبادرات والمناطق الصناعية التابعة للمحافظات؟
ما آثر هذه المبادرات على التمكين الاقتصادي للمرأة وزيادة فرصها في سوق العمل؟
هل هناك آثراً لهذه المبادرات على استمرار الدعم العيني من خلال رفع مستوي الدخل للأسرة؟
ان الإجابة على هذه التساؤلات ستحدد مدي نجاح الجهود والمبادرات التي تتم او احتياجها لأعاده الهيكلة والتوجه لتحقيق نتائج ملموسة تنعكس على امن المواطن المصري في الحصول علي دخل مستدام يحقق الأمان له ولأسرته، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار غير المسبوق مدفوعاً ليس فقط بانخفاض قيمة الجنيه المصري ولكن ايضاً بعدم كفاءة السوق المصرية وسيادة الاحتكارات وعدم وجود قواعد بيانات تتيح للدولة تطبيق سياسات سليمة لضبط أداء السوق وهنا تكون المسؤولية المؤسساتية على عاتق رئيس المجموعة الاقتصادية وهو رئيس مجلس الوزراء.
ثانياً: لم تشهد مصر الانخفاضات المتتابعة في قيمة الجنيه المصري كما شهدته في المرحلة السابقة ويمثل ذلك تحدياً مرعباً بالنسبة للأداء الاقتصادي حيث تشهد قواعد حسابات التكلفة والعائد سواء للمنتج او المستهلك تغيرات جذرية تتطلب الكثير من الوقت والجهد للعودة الي التوازن والاستقرار بعد استيعاب اثارها.
ومن هنا تأتي أهمية أولوية تحقيق الاستقرار في سعر الصرف وتجنب حدوث انخفاض اخر في قيمة الجنيه المصري، ويكون ذلك مطلباً اساسياً لتحقيق الامن القومي المصري، وتتمثل اهم أولويات تحقيق ذلك في متابعة الاداء الاقتصادي فيما يلي:
1. تحقيق هدف زيادة الصادرات المصرية والذي لم ننجح حتي الان في تحقيقه رغم انه هدف ممكن ولكن من غير الممكن الاستمرار في نفس السياسات وتوقع الوصول لنتائج مختلفة، المشكلة هنا في تنافسية الإنتاج الصناعي المصري واهمية التركيز علي عدد محدد من الصناعات ثم الانتقال الي صناعات اخري لدعمها للتصدير وذلك وفقاً لمدي القدرة علي تحقيق النتائج، مع تغيير شامل لنظام حوافز التصدير وادماج الصناعات الصغيرة سواء في القطاع الرسمي وغير الرسمي، ولعل تعظيم دور المبادرات السابق التعرض لها في اولاً اذا ما تم بكفاءة يمكن ان يسهم في تحقيق هذ الهدف
2. أهمية التنسيق بين السياستين المالية والنقدية، حيث توقعنا في اطار ارتفاع عبء الضرائب علي المنتجين المصريين مؤخراً ان يتم مراعاة ذلك في هيكل الحوافز لدعم الصادرات ولم نشهد أي تغيير، كذلك من الأهمية بمكان التفكير جدياً من قبل السياسة النقدية في خفض سعر الفائدة هذا العام خاصة بعد خفض الفيدرالي لسعر الفائدة فليس من المقبول ان توجه السياسة النقدية لتشجيع الأموال الساخنة رغم أهميتها ولكننا طالبنا كثيراً بعدم الاعتماد عليها، ومن هنا المعادلة الصعبة تكمن في تكامل السياسات لتحل الصادرات كأولوية في عوائد النقد الأجنبي بدلاً من الأموال الساخنة لتأمين استدامة الأداء الاقتصادي، مع أهمية تعضيد الجهود التي تتم حالياً لزيادة عوائد السياحة وهو ما يحتاج للعديد من السياسات من أهمها استغلال الثروة العقارية وتغيير السلوكيات المؤثرة سلباً علي السياحة.
ان المسؤولية عظيمة ولكن في سبيل إستقرار مصر وتحقيق الامن القومي لابد للجميع ان يتعاون لتحقيقها ضماناً للأمان – حفظ الله مصر.

Related posts

Leave a Comment