بقلم: أسامة مدنى عميد كلية الآداب بجامعة المنوفية
ما نراه اليوم من اعتداء بغيض على غزة ولبنان من دولة مارقة، يقف من خلفها دول غربية كارهة لكل ما هو عربي، بل وشرق أوسطي باعتباره أيديولوجية تمثل تهديداً وجودياً لهذه الدول، هو بمثابة ذروة تشكيل الوعي الجمعي الغربي، سلسلة متصلة من بناء صورة ذهنية سلبية عن الشرق تشكلت فأضحت يقيناً أنه الأكثر رفضاً للغرب، الأكثر كرهاً وبُغضاً، الأكثر عدواناً وإرهاباً، الأكثر انغلاقاً وتوحداً، حتى صاح رئيساً أمريكياً ذات مرة: “لماذا يكرهوننا؟”، فأخرجوا الأفعي من جحرها لتعيث خراباً في جيرانها المستضعفين.
وتلك الصورة الكلية البائسة شكلتها ببطء وتأن الإمبريالية الغربية منذ قرنين؛ تنميط للشرق أوسطي على أنه عربي مسلم سواء كان من شمال إفريقيا أم من شبه الجزيرة العربية، من الخليج أم من جنوب شرق آسيا، مغربي أم مصري أم تركي أم إيراني أم هندي. لقد خَلق التنميط لديهم خلطاً بين الثقافة العربية والأسيوية، بين الإسلام والمسيحية واليهودية، بين الشرق الأدنى والأوسط والأقصى. فالمنطقة بأكملها – باستثناء معشوقتهم المدللة المارقة – يرونها نبتاً أيديولوجياً غريباً، مناهضاً للغرب: ثقافة تهادنهم نادراً وتعاديهم غالباً؛ تتصالح معهم حيناً وتتربص بهم أحياناً؛ تهدي وردة باليمين وتطعن خنجر باليسار.
لقد تفاقم هذا التنميط عن الشرق الأوسط ككتلة أيدولوجية بدائية وليس كبنيان ثقافي متطور، ككيان ثابت متخلف وليس كنظام ديناميكي متحضر، كبؤرة همجية لفظها زمن سحيق وليس كأيقونة متحضرة أفرزها عصر حديث؛ يرونه شرقاً ثرياً، شهوانياً، إرهابياً، ديكتاتورياً، في مقابل غرب متطور، متسامح، عقلاني، ديمقراطي يمثله لدينا ثعبانهم الأقرع. وهذه مركزية عنصرية، تنميط أحادي، تمييز ثقافي من نسيج خيال الغرب يهدف إلي ممارسات قمعية تجاه الشرق الأوسط؛ إلي توبيخه وضربه طفلاً حين يخطئ، وكبته وقمعه يافعاً حين يثور، ودهسه وسحقه ناضجاً حين يقاوم. فالهيمنة الإمبريالية الغربية التي تقودها الولايات المتحدة، ويمثلها هذا الكيان الآثم، تبحث عن نار تغذيها، عن ماء ترويها، بعد حقبة استعمار ذبل وتلاشى واندثر.
فكفانا الاستمرار وقوداً لسعير هذه الأيديولوجية الغربية وثقافتها، ونعود لنبعنا العربي الأصيل نبحث فيه عن الخلاص.
الغوث الغوث. فهل من يدركنا؟!