بقلم / الباحثة ميادة عبدالعال
ظهرت القنوات الفضائية الدينية في العالم العربي كاستجابة مفتعلة للطلب المتزايد على التدين الذي أصبحت تتسع قاعدته في العقد الأخير من القرن العشرين. وقد ووجه هذا الطلب بقلق وتوتر كبيرين من الناحية السياسية، فبدأ التفكير داخل مراكز القرار في صيغ احتوائه وتوجيهه، بل توظيفه كذلك لمصلحة التوازنات السياسية، وهذا يفسر بعضا من العوامل التي أدت إلى انتشار القنوات الفضائية الدينية وتعدد نسخها. ولعل تعددها يفسر حجم الفوضى الدينية , من الناحية السوسيولوجية، لا تعكس هذه الفضائيات مؤشرات دالة على تحول في أنماط التدين أو في القيم الدينية، بقدر ما تمثل محاولة للتحكم بالشروط الاجتماعية للتدين والإمساك بعوامل إنتاجه وإعادة تسويقه، وترتيب القيم الدينية وفق سياسات الحفاظ على البنى الاجتماعية ومحددات الانتماء الاجتماعي، أو اللعب بالتوازنات الدينية التقليدية داخل هذه البنى، لأن هناك تصورا يؤمن بفكرة مفادها أن نمط التدين مؤشر لفهم التحولات الاجتماعية ومآلاتها، وبأهمية دور هذه القيم في بناء الروابط داخل المجتمع وتحكمها في سيرورات التحول الاجتماعي،
لذلك لا يمكننا من الناحية السوسيولوجية تحليل الخطاب الديني في هذه الفضائيات من دون فهم وتحليل السياسات الدينية الرسمية، والمرجعيات الرمزية والأخلاقية، وأنماط التدين المهيمنة، ومن دون اعتبار وظائف هذه القيم، وأدوارها في صوغ نمط جديد من التضامنات والتحالفات التي يسعى الخطاب الإعلامي الديني إلى تهشيم سيرورتها. ومن ثم، فكل مفردات هذا الخطاب يتم تكثيفها للهيمنة على التضامنات الاجتماعية والضمير الديني والروحي للمتدينين، إن لم يكن يسعى إلى تفكيكها وبعثرة توازناتها الراسخة على أساس أن السيطرة على التضامنات الدينية مدخل للسيطرة على الدينامية الاجتماعية , الفراغ التي تركها انعدام وجود مؤسسة دينية قادرة على إنتاج خطاب ديني له صدقية. ليس هناك إجماع حول المسألة الدينية وحول المشروعية الدينية.
الخطاب الديني يُفترض فيه أن يقدم بدائل روحية ومعنوية وهذا تحديدا ما عجزت المجتمعات العربية عن الحسم فيه؛ فدور العلماء أصبح غائبا وغير ذي مصداقية؛ لأن المؤسسات الرسمية استنزفت قواه، ولذلك تتعرض الطاقة الدينية لهذه المجتمعات إلى نوع من الاستغلال العشوائي الذي يلحق بها تشوهات أصبح التدين ساحة تمظهرها وتجليها. أضف إلى ذلك تخلي النخب عن القيام بأدوارها في إعادة بناء وصياغة رؤى فكرية ومعرفية تستلهم من الدين مرجعياتها لتطوير حركة الاجتهاد والإبداع .الشباب اليوم، يقعون عرضة للتضليل الفكري وتسييس الدين، من خلال الخطاب الديني المعاصر الذي يستخف بالعقل البشري، وقدرة الإنسان على قراءة معطيات الحاضر ومعالجتها، من خلال التناقض وقول الشيء وضده، حيث ترجع كل الهزائم والإخفاقات والظواهر الاجتماعية إلى عامل واحد، وهو الله، وليس إلى تكاسل الإنسان وعدم إنتاجيته، ويتم استغلال أحداث مرتبطة بظروفها التاريخية، لها أسبابها ونتائجها، لتطبيقها على واقعنا، بهدف تخدير العقل، وشيطنة الآخر.
كما أن الخطورة تكمن في مضمونه حيث يؤجّج الصراعات والصدامات بين أفراد الدين الواحد أو مع الأديان الأخرى، فبدلًا من نشر القيم الإنسانية الجميلة مثل التسامح والتعايش وتقبل الآخر ,ربما كانت منظومات التواصل الجماهيري ( تلفزيون ،أنترنت ،فيسبوك وتويتر ) الأكثر تأثيرا في صناعة الرأي العام وتغيير المزاج الجماهيري وقولبته على النحو الذي يسعى إليه مستخدمي هذه الأجهزة أو بصورة أدق المسيطرين عليها ومالكيها لقد أصبحت الشاشة أداة مركزية تتجاوز كونها وسيلة اتصال أو تواصل أو تختزل في مجرد قنوات تقدم برامج للتسلية والتثقيف لتصبح أدوات للضبط والتحكم السياسي والاجتماعي تؤثر على الأفراد والجماعات وتزيف وعيهم وسلوكهم ، لقد تحولت الصورة إلى سلطة حقيقية من يملكها يصبح السيد الحقيقي.