كتبت.. نسرين يسري
حين تتوه الكلمات في أعماقنا ولا نقوى على البوح عمَّا بداخلنا فنحن بحاجة إلى إيقاظ الروح..
وتبقى الكتابة هي السبيل لإيقاظ الروح فهي مخرج آمن لكل مشاعرنا ولكل أحلامنا ولكل أوجاعنا أيضا كونها لغة الروح والقلب معا التي منها نهرب وإليها نلجأ..
فالكتابة تبقينا على قيد الحياة وقيد الأمل..!
ومن هنا وهناك وبين حنين علي دفتر الأحلام تروي لنا ورد الياسمين علي ما يمر بها من الوجع الأليم فمن منا يمر بوجع لا يتحمله…
فبعثرت منها تلك الكلمات بينما كانت ورد الياسمين كانت دائما بطله الوجع الانيق ولكنها الان أصبحت بين الوجع الانيق والوجع الأليم وتلك تضاد بينهم
فقالت ورد الياسمين والكلمات تخنقها ويبدو علي ملامحها الحزن والدموع اسكنت عيونها
ها انا الان…!
موهومة بقدرتي على قول ما أريد، كنت أقول لحالي في كل مرة يثقلني فيها الوجع: “اكتبي كلما ضاق صدركِ،
فرغي.. فرغي خوفكِ وأنينكِ وشهقاتكِ ونوبات أحزانكِ، اكتبي ثم مزقي الورقة وارتاحي، داوي نفسكِ بالكتابة وتعافي من أي شعور ثقيل يضغط على قلبكِ، لملمي بعثرة روحكِ التي نثرتيها نزفا على الأوراق ثم امضي كأن شىء لم يكن”!
كلما خلوت إلى نفسي لأكتب كنت أشعر بقلبي دافىء، مطمئنة مادمت قادرة على التخلص من هذا الشعور الضاغط على أعصابي، مطمئنة مادمت أمتلك القدرة على الكتابة، لكن هذه المرة خانتني قدراتي وخانتني مفرداتي وسلبت الأمن الرابض في أعماقي، تعثرت بي الجمل وارتبك مني الكلام،
ولا سبيل لدي لوصف ولا لبوح ولا تعبير،
كلما شرعت في الكتابة احتياجًا ورغبةً أحسست الكلمات باردة كأكفان الموتى، رأسي فارغ،
وأنا مثلجة ببرد لم أعتده في كفي، المعاني تكدست وأيقظت ارتجافة جسدي، والثلج تراكم بيمناي والشتاء انتشر في قلبي، ولا شىء مما أشعر به قُدر له أن يخرج عن رأسي.
منهكة إلى حد أن الأحرف تذوب قبل أن أدرك ما أود قوله، مشوشة والتعبير ما عاد يشبهني، تائهة ليس معي لغتي، متعبة كالذي خرج لتوه من معركة، كجندي أعزل بساحة حرب بسلاح فارغ لا يجدي، وسواء أخرجت من معاركي منهزمة أو منتصرة، حرفي مستنزف وممتلئ بالجراح، وأنا ممتلئة بشىء عميق لا يشبهني، عالقة بشعور لا يمكن وصفه ومنحبسة في فراغ!
أفكاري لم تكن أكثر رحمة بي من مفرداتي، خذلتني هي الأخرى فما عدت أجد شىء ليُقال، ربما لأن الوجع صار أضخم من لغتي والأيام ثقيلة على روحي، مشحونة داخليًا بشىء يقتلني، أهو الصمت؟ أهو الفراغ؟
أهو شىء يشبه العدمية؟ يشبه الإضراب عن الحياة، والإضراب عن الكتابة؟ شىء أعمق من سُدة الكاتب الذي تنتابه بين الحين والآخر فتمنعه من الإفصاح عن نفسه، شىء أفدح من الشغف الذي يفقده المرء في لحظة ضيق وانهزام؟!
أعرف بأن ما أود قوله إلا بصمتي، الصمت لغة أولئك الذين خذلهم السامعون، وقد جئت غير مسموعة ولا مرئية، جئت لا أملك إلا لغتي، ولغتي معطوبة ومصابة حتى الأعماق، محاولة التعبير عن نفسي بآذان من لا يسمعني أورثتني بُكما لا يشفى، وأنا لا أملك إلا إيماني بأقدار الله، فقد آمنت بأن الوجع قدر، وبأن الصمت قدر، وبأن البكم قدر، وبأن الخرس الذي نبت عميقًا في حلقي واتسعت رقعته على لساني واستولى على روحي، جميعهم أقداري ولا مهرب من قدري.
أعرف تلك النوبة الحادة من الخرس التي تشبه الصدمة، وأعرف بأني مهما ضغطت بكل قواى لأخرجها ستظل ملتصقة بي ولا تغادرني، ربما إن اهتديت لنفسي لاهتديت لصوتي، لكني لا أعرف كيف أهتدي لصوتي في عالم يشنق الكلام ، ولا أعرف كيف اهتدي لنفسي في عالم من الزيف يسمح بأي شىء وكل شىء إلا أن أكون نفسي!!
وبينما انهت الحديث ورد الياسمين بينما انا الان اتعمق بكل كلمه بلا كل حرف وما وراء الكلمات فتلك الكلمات شعور داخلي يترجمه الكاتب من الآخرين بينما ذكرت سابقا ان الكاتب شريان متصل بالآخرين بشعورهم واحاسيهم بينما ايضا الكاتب له رؤية قوية…
فكل وجع أليم لا يتحمله الانسان يوجد شخص وروح تشعر بيك تكون بجانبك
فلا داعي للانهزام والانهيار لان هناك من ينتظرك تكون بجوراه