بقلم دكتورة هند أحمد
قاعدة ربانية عظيمة في العلاقات ، العمل بها يحافظ على العلاقة أو قد يعيدها إذا انقطعت، أو يجعل الفراق إذا كان لابد منه جميلاً شخص لأجل موقفٍ عابِر أو حدَثٍ عارِض، أن لا تُرجِّح كِفّة قياسٍ خاطئ على كِفّة مليئة بالعطاء والإكرام والتفاني، أن لا ترتدي ثوب الغلظة والتنكُّر أمام مَن أحسَن إليك يومًا وحفظ لك قَدرك ولم يُقصِّر في حقّك، وهذه المعاني لا يدركها إلا النبلاء .
أعظم قانون في نهاية العلاقات
هو قول ربنا “ولا تنسوا الفضل بينكم”
من أدب نهاية العلاقات
أن لا تشهر سيفك حيث فتحت قلبك
وإن لا تعادي أهل ودك وإن انطوى
وقد قالت العرب الحر من راعى وداد لحظة!
وكان محمد بن واسع اذا باع شاة
يوصي بها المشتري و يقول
أحسن إليها فقد كان لنا معها صحبة
أيها الزوجان
عند خلافكما
احرصا على أن لا :
تنكرا فضل
تفشيا سر
تهتكا ستر
تجرحا مشاعر
تقللا احترام
ولا تنسوا الفضل بينكم ..
(ولا تنسوا الفضل بينكم) مهما كانت قوّة الخلاف مع صديق، صاحب عمل، قريب أو حبيب، درس عظيم في الحياة في احترام العلاقة حتى بعد انقطاعها، وحفظ سرّها والسكوت عن مكارهها، منهج قرآني عظيم حتى في أدقّ التفاصيل، يُقال: من أعلى مراتب إحسان العلاقة هي حين تنتهي.”
{وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}
.
قاعدة ربانية عظيمة في العلاقات ، العمل بها يحافظ على العلاقة أو قد يعيدها إذا انقطعت، أو يجعل الفراق إذا كان لابد منه جميلاً ، كما أنها تريح من اجترار الذكريات السيئة .
ومن المروءة وحُسن العَهد أن لا تنسف فضائل شخص لأجل موقفٍ..
قال الله سبحانه :” وَلا تَنسوا الفَضل بَينكُم”
يوصي الله الأزواج عند الطلاق بأن لا ينسوا الفضل بينهما
فقد كانوا أزواجا في بيت واحد وبينهما مودة ورحمة
فلماذا تتحول هذه العلاقة الطيبة إلى عداوة وخصومة عند الطلاق
والله قال : الطَّلاق مَرَّتان فَإِمساكٌ بِمَعروف أَو تَسريح بِإِحسان
دثنا أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه جبير : أنه دخل على سعد بن أبي وقاص فعرض عليه ابنة له فتزوجها ، فلما خرج طلقها وبعث إليها بالصداق . قال : قيل له : فلم تزوجتها؟ قال : عرضها علي فكرهت ردها! قيل : فلم تبعث بالصداق؟ قال : فأين الفضل؟
زهرة التفاسير
وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم بين سبحانه في الآية السابقة ، ما يجب عند الطلاق قبل الدخول إن لم يكن قد سمي مهر وقت العقد ، وفي هذه الآية يبين المطلوب إذا سمي مهر ، وكان الطلاق قبل الدخول أيضا ، وقد قدم حكم الحال الأولى ; لأن عدم ذكر المهر مظنة ألا تعطى شيئا إذا كان الطلاق قبل الدخول ، فسيقت الآية الكريمة ببيان هذا الوجوب ليزول من الأفهام ما يسبق إليها .
وقد بينا معنى الفرض فيما سبق ، ومعنى الآية الكريمة : إن طلق أحدكم المرأة وقد قدر لها مهرا وقت العقد ، فالواجب عليه هو نصف المهر الذي تراضيا عليه وقت العقد . وقد صرحت الآية بوجوب النصف ، ولم تصرح بوجوب دفعه ، لأنه [ ص: 832 ] عسى أن يكون قد قدم لها المهر كله أو بعضه ، بل إن ظاهر الحال أنه يكون قد قدم المهر كله ، أو نصفه ، أو أكثر منه ; فكان التعبير بالوجوب ليبين حق المطلق في استرداد ما دفعه أكثر من النصف ، وليشمل وجوب الأداء ومقداره إن لم يكن قد أدى شيئا أو أدى أقل من النصف .
إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح هذا استثناء من الوجوب الذي قدره الله سبحانه وتعالى بالنصف ، وهذا الاستثناء يبين الله سبحانه وتعالى فيه أن وجوب المهر إنما هو لحق العاقدين ، وأن العفو عنه بابه متسع لمن يريد أن يصل إلى رحابه الفسيح ، والعفو معناه : الإبراء والتنزل عن المطالبة سماحا ; فإن كان الزوج أدى المهر كله فقد فتح له الشارع باب العفو بأن يترك لها حقه مبالغة في مرضاتها ، وقد أرمض نفسها بالطلاق ; وإن كان الزوج لم يقدم لها مهرا ، وحدث الطلاق برغبة منها فإنه يحسن العفو منها وترك المطالبة ، حتى لا تصيبه الخسارة في عقد لم ينل منه مأربا ; وقد يكون مظهر العفو بالعطاء بأن يقدم الرجل كل صداقها إن لم يكن قد أعطاها شيئا منه ، وفي الجملة إن العفو مستحسن من كل منهما في موضعه ، فيستحسن منها إن كانت راغبة في الطلاق غير راضية بالبقاء ، ويحسن منه إن كان الطلاق بغير طلبها .
وقوله إلا أن يعفون معناه : إلا أن يعفو النساء عن صداقهن ، أو عن حقهن ، فالنون هنا نون النسوة ، ووزن يعفون يفعلن .
ومعنى قوله تعالى : أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح أي يعفو الزوج الذي بيده عقدة النكاح ; فيستطيع فكها بالطلاق إن شاء ، وإبقاءها إن شاء . وقيل : إن المراد به الولي الذي عقد الزواج ; وذلك لأن الولي على مقتضى مذهب جمهور الفقهاء هو الذي تولى عقد الزواج ، فهو الذي بيده عقدته . وإن الذي نختاره هو أن المراد الزوج لا الولي ; وذلك لأمور ثلاثة : [ ص: 833 ] أولها : إن العقدة ليس معناها العقد ; لأن العقد هو الربط الذي يتم به الاتفاق بين الرجل والمرأة ويكون به النكاح ، وهو الزواج ; أما العقدة ، فهي الرابطة التي تكون بعد العقد أو الأثر الذي ينتجه العقد . ولا شك أن العقدة بهذا المعنى يملكها الزوج ، ولا يملكها الولي .
ثانيها : إن مقتضى الآية أن من بيده عقدة النكاح أي الزواج يستطيع أن يعفو عن مقدار من المهر ; ومن المقررات الفقهية أن الولي على النفس ليس له أن يسقط حقا ماليا ، خصوصا إذا كان في وقت الطلاق .
ثالثها : إن العفو من جانب النساء يثبت بقوله : يعفون والعفو مستحسن من الرجل ، كما هو مستحسن من المرأة ، وكل له موضع ، فإذا ذكر الله سبحانه عفوهن ، فمقتضى السياق أن يذكر عفو الرجل ، ولو فسر قوله : بيده عقدة النكاح بولي الزوجة لكان معنى هذا أن العفو هو المستحسن من النساء دائما ، مع أن الله يقول مخاطبا الجميع : وأن تعفوا أقرب للتقوى
والتعبير بقوله تعالى عن الزوج بأنه بيده عقدة النكاح يشير إلى أن الزوج هو الذي يملك فك الزواج بالطلاق ، فكان العفو من جانبه أحق وألزم .
وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم في هذه الجملة الكريمة إشارة إلى وجوب التسامح والتعاطف في وقت ذلك الافتراق القاطع ، وإلى أنه تجب الرحمة في وقت الانفصال ; ولذلك صرح سبحانه بأن العفو : أي ترك بعض الحقوق في ذلك الوقت ، أقرب لتقوى الله سبحانه ، وأدنى إلى رضاه ، لكي يكون الافتراق بمفرده ، ولا تكون مشاحة تدفع إلى المشادة ، ثم إلى الخصومات التي تورث العداوات ، وتستمر الأحقاد بين الأسرتين ، وتكون الإحن ومن ورائها المحن .
ولقد ذكر سبحانه أهل الفضل بفضلهم فقال : ولا تنسوا الفضل بينكم أي لا يذهب بكم الغضب والمكايدة إلى درجة لا تتذكرون فيها ما يكون عندكم من شمم وإباء ، وإرادة للتفضل والعطاء .
[ ص: 834 ] والفضل في أصل معناه الزيادة في كل شيء ، وأكثر ما يكون في الزيادة في الأشياء المحمودة ; ولذا صار يطلق بمعنى العلو ، فيقال : فضل هذا على ذاك كذا .
ومنه الفضيلة ; لما فيها من خير زائد ، ولما فيها من علو نفسي وكمال وسمو .
فالله سبحانه وتعالى ، حين ذكر المطلقين بالفضل الذي أنساهم إياه الغضب ، صرفهم إلى الاتجاه إلى الكمال ، والتعالي عن سفساف المشاحنات والمنازعات ; ليكونوا هم الأعلين دائما .
ولقد كان أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – يتجهون ذلك الاتجاه السامي ; فيروى أن بعض الصحابة تزوج امرأة ، وطلقها قبل أن يدخل بها ، فأعطاها الصداق كاملا ، فقيل له في ذلك ، فقال : أنا أحق بالعفو منها .
ويروى أن جبير بن مطعم تزوج ابنة سعد بن أبي وقاص ، ثم طلقها قبل الدخول وبعث لها المهر كاملا ; فقيل له : لم تزوجتها ؟ فقال : عرضها علي فكرهت رده ، قيل : فلم بعثت بالصداق ؟ فقال : وأين الفضل ؟ .
ولقد ذيل الله سبحانه وتعالى أوامره الحاسمة ، وإرشاده الحكيم بقوله عز من قائل : إن الله بما تعملون بصير للإشارة إلى أنه مطلع على حركات الجوارح ، وخلجات النفوس ، ونيات القلوب ، وما تخفي الصدور ; فليعلموا ذلك ، فإن العلم به يربي فيهم المهابة منه سبحانه وتعالى ; إذ يشعرون برقابته ، فيكفكفون من غضبهم ، وينهنهون من حدتهم وقت الطلاق ، حتى لا يذهب بهم فرط الغضب إلى نسيان المعروف ، وتجاهل الفضل ; فلا يسرحوا لإحسان بعد أن فات الإمساك بمعروف .