بقلم الداعيه الاسلامي الشيخ وائل ابو جلال
ان لبرّ الوالدين أهميّةً كبيرةً في الإسلام، ويتضح ذلك من خلال ما يلي: (2)
قرن الله سبحانه وتعالى حقّ الوالدين والإحسان إليهما بعبادته، وقرن شكرهما بشكره سبحانه وتعالى، لأنّه هو وحده الخالق، وهو الذي جعل الوالدين السّبب الظاهر لوجود الولد، وهذا دليل على شدّة وتأكيد حقّهما والإحسان إليهما، وذلك من خلال القول والفعل، لأنّهما أحبّا الولد وأحسنا إليه حال ضعفه وصغره، وبالتالي يقتضي تأكّد الحقّ ووجوب البرّ بهما، وتحريم أدنى وأقلّ مراتب الأذى لهما، ومن ذلك التضجّر، أو التأفّف من خدمتهما، أو زجرهما بصوت مرتفع، أو نفض اليد عليهما.
كما أنّ حقّ الوالدين قد جاء في آيات كثيرة مقروناً بعبادة الله عزّ وجل، منها قوله سبحانه وتعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) سورة النساء، 36 ، وقوله سبحانه وتعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) سورة الأنعام، 151 ، وقوله عزّ وجلّ: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) سورة الإسراء،23 ، وقوله عزّ وجلّ: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) سورة لقمان، 14 .
برّ الوالدين أفضل عند الله من الجهاد، وهو أعلى مراتب الجهاد في سبيل الله تعالى، وذلك لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (جاء رجل إلى النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – يستأذنه في الجهاد، فقال: أحيٌّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد)، وفي لفظ لمسلم: (أقبل رجل إلى نبي الله – صلّى الله عليه وسلّم – فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله، قال: فهل من والديك أحدٌ حيٌّ؟ قال: نعم، بل كلاهما، قال: تبتغي الأجر من الله؟ قال: نعم، قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما).
وقد قال ابن حجر: أي إن كان لك أبوان فبالغ جهدك في برّهما والإحسان إليهما؛ فإنّ ذلك يقوم مقام الجهاد؛ لأنّ المراد هنا بالجهاد في الوالدين هو بذل الوسع، والطاقة، والجهد في الإحسان إليهما، ولأهميّة هذا الأمر عند العلماء فقد أقرّوا أنّه لا يجوز الخروج للجهاد إلا بعد أخذ إذن الوالدين، وذلك شريطة أن يكونا من المسلمين، والسّبب في ذلك أنّ برّهما فرض عين، بينما الجهاد فرض كفاية، فإن أمر بالجهاد وأصبح فرض عين فلا إذن حين إذن، لأنّ الجهاد أصبح حينها فرضاً على جميع المسلمين.
برّ الوالدين من الاعمال التي تقرّب إلى الجنّة، وهو من أحبّ الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى بعد الصّلاة، والتي تعدّ من أعظم دعائم الإسلام، وذلك لأنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم أخبر بذلك ورتّبه بثمّ، والتي تمنح معنى التّرتيب والمهلة، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (سألتُ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – أيُّ العَمَلِ أفضل؟ قال: الصّلاةُ لوقتها، قال: قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: ثمّ برّ الوالدين، قال: قلت: ثمّ أيٌّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله ، حدّثني بهنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – ولو استزدته لزادني) رواه مسلم .
برّ الوالدين سبب من أسباب رضى الله عزّ وجلّ، فقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – قال: (رضى الرّب في رضى الوالد، وسخط الرّب في سخط الوالد) رواه الألباني .
برّ الوالدين سبب من أسباب دخول الجنّة، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – يقول: الوالد أوسط أبواب الجنّة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه) رواه الترمذي ، وعن معاوية بن جاهمة رضي الله عنهما، أنَّ جاهِمةَ جاءَ إلى النَّبيِّ – صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ – فقالَ: (يا رسولَ اللهِ، أردتُ أن أغزوَ وقد جئتُ أستشيرُكَ؟ فقالَ: هل لَكَ مِن أمٍّ؟ قالَ: نعَم، قالَ: فالزَمها، فإنَّ الجنَّةَ تحتَ رِجلَيها) رواه الألباني .
دعوة الرّسول – صلّى الله عليه وسلّم – على من لم يبرّ والديه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (رَغِمَ أنْفُهُ، ثمّ رَغم أنفه، ثمّ رغم أنفه، قيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر: أحَدَهُما، أو كليهما، ثمّ لم يدخل الجنّة) رواه مسلم