الفنان التشكيلي الكبير ماهر جرجس افكار متجددة وإبداعات هادفة

 

عبر التاريخ الفنى تركيزاً واضحاً على العيون، فهي أكثر مفردات الوجه قدرة على التعبير عن حالات الإنسان النفسية المختلفة وعلى سبيل المثال لا الحصر انظر لوحة «الطفل الباكي» للفنان المبدع الإيطالي جيوفاني برجولين، فتتجه الأنظار نحو تلك العينين الدامعتين، وقد انسكبت إحدى الدموع على خد الطفل الذي تحمل عيناه ملامح البراءة والأسى والحزن، أيضا في لوحة إدوارد مونك «الصرخة» حيث نرى تلك العيون الواسعة والفم المفتوح تعبيراً عن فاجعه ما ،كذلك كانت العيون إحدى العلامات الفارقة في أعمال الفنانة الأمريكية مارجريت كين، والتي اشتهرت برسومات أطفال ذوي عيون واسعة تختزن حزنا كبيرا،إن دلالات العين عند ماهر جرجس تتفرع بين ما هو حسي بالمعنى الوظيفي حاسة البصر والرؤية ودلالات أخرى تقطع صلتها بالحسي المباشر نحو معانٍ مجردة فلسفية.

بثوب معاصر.بعين ثاقبة وكاشفة للكثير من الأسرار والدواخل بعين مشرقية موحيه وملهمة وبريشة مفعمة بالمقدرة على الغوص في أعماق الشخصية الإنسانية ( المصرية )، بمكاشفاتها وانطباعاتها وتعبيرياتها وتجريدياتها ,انسياب داخلي يضجّ ولا يهدأ يستمر أبعد في عمق اللوحات التي يقدّمها.يستدرجها ويستنطقها
بتوازن حسي وبصري وبموقف عميق يبلور مواقفه ومنطلقاته الجمالية والفنية والاندفاع بها نحو الإنسانية التي تبدو في علاماته ورموزه وملامح شخوصه وحركة فرشاته وألوانه وصياغة اللون وتركيبه مع الضوء والظلال.

الإبداع الفنى عند ماهر جرجس يكمن في تطويع الظل والنور والإضاءة والاشتغال على عنصر الفراغ والتعامل المدروس مع المساحة والفضاء كمفهوم عميق برز في اختيار الألوان المبهجة والتوفيق بينها في درجات الحرارة المُفعمة بالدفء الداخلي والألوان الباردة التي عكست ذلك الفضاء وعلاقته بالشخوص والأشكال لتتراءى اللوحة بكامل حكايتها التي تربط الشخوص بالأمكنة وبالأزمنة الموظّفة فى تكاملية وانسابيه،حاملة لمعان عميقة ودلالات فنية راقية وخلقت فلسفتة البصرية المتجددة على مستوى التفرّد والانجاز والتطبيق لرؤيته الفكريه والمعالجه الفنية للوحاته.

لاشك أن تربية خياله الطفولى فى الاسكندرية أثرت فى الحفاظ على إبداعاته الفنيه المتجددة من مفردات البيئه الثريه والغنيه بالافكار والموضوعات المستلهمه منه فما نراه ليس إلا إسقاطًا لعالم الفنانة الداخلي، وهو عالم شديد الانتماء للبيئة والواقع وللدراما الإنسانية أيضًا
وملامح العادات التقاليد المصرية القبطية الدينية الاعياد والشخصيات والأجواء الدينية الإسلامية الرمضانيه والمناسبات الاجتماعيه والسياسية طبقاً لما تمتلكه من موهبة التلاعب بالعلاقات التشكيلية لظواهر الطبيعية والمخلوقات والأشياء ، إلى جانب استعاراته من الحضارة المصريه التى درج على تأملها والتعمق فى دراستها فالروح المصرية حاضرة المعانى والرموز وعبق التاريخ التراثي المسيحي والإسلامية والمعاصر برؤية فكرية وثقافية معاصرة و بحس فنى اكاديمي تكشف تلك الخصوصية التى جعلته مختلفاً عن باقى التشكيليين لذلك لم يتنازل عن عشقه البحر والمراكب. فأعطى لوحاته عمقاً إنسانيا.فى محاولة للدمج بين القديم والجديد. ولاشك أن رؤيته الفكريه والمعالجه الفنية الابتكاري التى تسربلت بالرموز والعلامات دلالات بصرية تعبر عن أشياء وأمور عديدة مثل البيئة التى يعيش فيها الفنان – وثقافة الفنان ودراسته – رؤيته الفنية لكل ما يحيط به وما يدور فى مخيلته من أفكاره وطروحاته وأحلامه مستفيداً من الموروث الشعبي والفلكلور والتراث ويحاول الربط بين الماضي والحاضر هو أن يشحن روحه وطاقاته الإبداعية بفيض من معطيات وطنه برؤية جديدة فنلمس توظيفه الألوان ببهجة ورشاقة و بجرأة ودقة في مسار تفاصيل الجزئيات المصغرة من خطوط ناعمة كي تمنح التكوينات حيوية وعمق في التأمل البصرى لها تلعب العيون ونظراتها في الرسم عند الفنان” ماهر جرجس “دورا ً كبيرا ً ومهما ً، لإنها تشكل الثيمة الرئيسية والأساسية للأحياء الباصرة وغير الباصرة،ارتكز على وهجِ النور،في مهارة ورقة ورشاقة.. شخوصه تلمسها تبحث عن الإنسان بساطة وَعفوِية. يسَطَعَ جمالِها من خلال التركيز على تلك العيون بعيدا عن قبح وفَظَاظَة وَقَساوَة الزمن نراها العيون مُرِيحة ومرِحة..مُزدهِرة وَنَضْرة ومغتربه ومتالمه،يطل بفرشَاتُه على ظلام الإنسان لأخيه الانسان ، تبحث تلك العيون عن الحق والخير والجمال والضمير الإنساني فهى نافذة الضِياء،في عتمة الضَوضَاء والصراعات الداخلية والخارجية ،نلمس الحنين والذاكرة والاستشراف المليء بالأمل ففي ثنايا كل لوحة.

لقد جسد الفنان الراقى ذو الشخصية المتميزة في لوحاته الجانب الانسانى ملتحم بالجانب الفنى الثائر على الطرق التقليدية فى الطرح والألوان الزاهية والزوايا والأبعاد فجاءت تحمل نقاوة نَقَاء المشاعر كما أهتم بإبراز العمق النفسي للشخصية من خلالها التركيز على منظور العين، يجد نفسه منغمسا ً في هموم ذاتية وعامة إنسانية الفرح والضيق الانتصار والانكسار الإرادة والعزيمة، والنفس الحائرة التى يتألم لها وبها، المعاناة النفسية هي الوقود الذي يدفعه لأن يقدم صورا ً غير مسبوقة من الإبداع الفنى المتجدد نلمس التَّزاوج المنظَّم المُتَنغِم بين ألوانه وَأعماله. فى انسابيه ورشاقة ومهارة في تكثيف الألوان الزاهية واستنباط الاعماق الساكنة فى الأماكن والأزمنة والشخوص، لقد استطاع الفنان المبدع ان يعزف لنا أروع وأجمل المعزوفات والألحان تكمن براعة مبدعنا في قدرته الفائقة علي التلخيص والتجريد الممتزجه بالبهجة والأمل والحياة والحنين والشجن متسربله بالقصائد الشعرية حيث النقاء والجمال والعمق التراثية والتاريخية والشعبية والدينية وبإحساسه المرهف والصادق وانطلاقاً من ثقافته البصرية العميقة، اتسمت خطوطه بالانسيابية وتكويناته بالإحكام والدقة العالية،الالوان الصارخة والصاخبه والجريئة والجراة في هدم تلك العلاقات وإعادة بناءها وتشكيلها بعقلية تحليلة تركبية، وخلق أشكال وعلاقات جديد لواقعه المبتكر المبهجه
،بعشقه لتراث المصري بكل مراحله بدون تميز، لقد حاور الفنان القدير “ماهر جرجس”الحضارة المصرية بلغتها البصرية العميقة المتجددة برؤية فلسفية ، اتخذ من الرمزية والخيال والموروث الشعبي والدينى والواقع مسار لتعبير عن معطيات وابداع وتحليلات تلك الحضارة النابضه فنرى.

لوحات جماليه او قوالب بصرية تُمثل معاني إنسانية يشترك البشر فيها بنسب ودرجات متفاوتة، وهو بذلك يحقق المعادلة الصعبة بين الشكل والمضمون بقوة الفكر وعمق المعني في زمن التحولات البصرية في الفن التشكيلي المعاصر. بالفعل فنانا رائدا مُجدّدا وشغوفا بوطنه وهويته.وهذا هو التناغم الأساسي الحاصل بين الأدب والفن التشكيلي في كل انسياقاته وتوافقاته التعبيرية الكثيفة فكلاهما استفاد من التجديد الحاصل بين اللغة والبصريات والمشاهد والصور والتماس المتداخل بين تطويع اللغة والخامة والتوليفة التي تشكّلت من عناصر اندماجها حتى الوصول إلى لغة الفنون المعاصرة فى لوحاته الفنية المتناغمه
الباحث عن التأمل والحياة والانتصار للإنسانية،
قلب موازين الواقع والتصرف فيه وفق الإحساس والحساسية التي تختلط فيها الفكرة مع المشاعر
لتصل أعماله الى مرحلة النضج المتقنة والتنفيذ الفنى المُحكم.
د. وجيه جرجس
كاتب وناقد فنى وعضو إتحاد كتاب مصر

Related posts

Leave a Comment