البروفيسور الدكتـور الشـريف علـي مهـران هشـام
ليلة القدر المباركة هي ليلة وترية أي فردية من ليالي شهر رمضان المبارك ، فيها يتضرع المسلمون إلى الله بالعبادة والدعاء لتحقيق أمانيهم والفوز بالخيرات والرحمات في الدنيا والاخرة , ليلة القدر هي من نفحات شهر رمضان المعظم لفعل صالح الأعمال والتقرب إلي الله بالاحسان والصدقات وفعل الخيرو يعادل العمل فيها عمل الف شهر فيمن سواها من الأيام والشهور . ليلة القدر في حال الإخلاص فيها تعني المغفرة وقبول الأعمال والعتق من النار ، وفيها تنزل الملائكة إلى الأرض يسلمون على المؤمنين الصائمين، ويستغفرون لهم.
إن فضل وعظمة ليلة القدر كبير وقد أخفاها الله لحكمة منه تبارك في علاه ويري العلماء انها ليلة وترية في العشر الأواخر من شهر رمضان؛ وحكمة إخفائها من أجل أن يَجِدَّ المسلم ويستبق الخير ويضاعف الجهد والعمل في طلبها، حتي يحصل على خيرها في الدارين ، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ۞ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر ﴾ .
أشار الشرع والعلماء إلي بعض العلامات التي تميز تلك الليلة رغبة في نيل الخير فيها والتزود للآخرة. وحددوا بعض العلامات في أثنائها، وعلامة بعد انقضائها، فالأولى بمثابة المرغب المنشط على إحيائها، والأخرى بمثابة المبشر لمن عمل الصالحات فيها، والمحسَّر والندم لمن ضيع وفرط فيها.
من العلامات التي في أثناء ليلة القدر ماروي من حديث عبادة بن الصامت عن النبي الحبيب الكريم صلي الله علي وسلم أنه قال : ” إن إمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة كأن فيها قمراً ساطعاً، ساكنة ساجية، لا برد فيها ولا حر، ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى تصبح ” , أما العلامة التي تأتي بعد انقضائها فهي: أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها , أي تطلع الشمس غير ناشرة أشعتها في نظر عيون البشر – والله أعلي وأعلم.
الدعاء المأثور إذا أكرم الله المسلم بهذه الليلة العظيمة ما ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، بِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: صلي الله عليه وسلم « قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي » أخرجه الترمذي والنسائي .
في ليلة القدر ِ يُقَدِّرُ اللهُ سبحانه مقاديرَ الخلائِقِ على مدارِ العامِ، ويُكتَبُ فيها الأحياءُ والأمواتُ، والنَّاجون والهالكونَ، والسُّعداءُ والأشقياءُ، والعزيزُ والذَّليلُ، وكلُّ ما أراده اللهُ سبحانه وتعالى في السَّنةِ المُقبلةِ، يُكتَبُ في ليلةِ القَد رِ , هي ليلةٌ خاليةٌ مِنَ الشَّرِّ والأذى، وتكثُرُ فيها الطَّاعةُ وأعمالُ الخَيرِ والبِرِّ، وتكثُرُ فيها السَّلامةُ مِنَ العذابِ؛ فهي سلامٌ كُلُّها حتي مطلع الفجر . عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ” من قامَ ليلةَ القَدرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقَدَّمَ مِن ذَنبِه ” ,إنها ليلة رفيعة الشأن ، من حاز شرفها فاز وغَنِم ، ومن خسرها خاب وحُرِم ، فالاجتهاد الاجتهاد في ما بقي من أيام وليالي هذه العشر الأواخر من شهر رمضان، علنا نوافق ليلة القدر ، وننال ما فيها من عظيم الثواب والأجر.
وقد سميت ليلة القدر، لعظم قدرها وفضلها عند الله، ولأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الأجل والأرزاق والمقادير القدرية.
إنها ليلة رحم الله بها العباد والبلاد رحمة عامة، لا يقدر العباد لها شكرًا.
إوصدق الله العظيم : ” إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ.. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ.. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.. تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ.. سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ” ,( سورة القدر ).
وخلاصة القول, إن ليلةُ القدْرِ فرصة للإنسان المسلم للأجتهاد في الطاعات وتجديد العهد مع الله تعالي , ليلة القدر موجودةٌ لم تُرفَعْ، وباقيةٌ إلى يومِ القِيامة, عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال “: تَحرَّوا لَيلةَ القدْرِ في الوِتْر من العَشرِ الأواخِرِ مِن رَمضانَ “, وأمارَتُها أن ليلها صافية ومعتدلة المناخ لا حارة ولا باردة ولا أمطار ولا غبار وتطلُعَ الشَّمسُ في صبيحةِ يَومِها بيضاءَ لا شُعاعَ لها. ويفضل فيها الابتعاد عن اللهو والمعاصي والمحرمات والشبهات والإكثار من الأذكار وقراءة القران وسورة الاخلاص والمعوذتين والاكثار من الصدقات وجبر خواطر الناس وفعل الخيرات والصلاة علي الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم وعلي أصحابه الصادقين وال بيته الطاهرين الأخيار.
من الدعاء المستحب في هذه الليلة ( يَا مُولِجَ اللَّيْلِ فِي النَّهارِ، وَمُولِجَ النَّهارِ فِي اللَّيْلِ، وَمُخْرِجَ الْحَيِّ مِنَ الْمَيِّتِ، وَمُخْرِجَ الْمَيِّتِ مِنْ الْحَيِّ، يَا رازِقَ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِساب، يَا اَللهُ يَا رَحْمـنُ، يَا اَللهُ يَا رَحيمُ، يَا اَللهُ يَا اَللهُ يَا اَللهُ لَكَ الاَسْماءُ الْحُسْنى، وَالاَمْثالُ الْعُلْيَا، وَالْكِبْرِيَاءُ وَالالاءُ، اَسْاَلُكَ اَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَاَنْ تَجْعَلَ اسْمي في هذِهِ اللَّيْلَةِ فِي السُّعَداءِ، وَرُوحي مَعَ الشُّهَداءِ، وَاِحْساني في عِلِّيّينَ، وَاِساءَتي مَغْفُورَةً، وَاَنْ تَهَبَ لي يَقينَاً تُباشِرُ بِهِ قَلْبي، وَاِيماناً يُذْهِبُ الشَّكَّ عَنّي، وَتُرْضِيَني بِما قَسَمْتَ لي، وَآتِنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الاخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنا عَذابَ النّارِ الْحَريقِ، وَارْزُقْني فيها ذِكْرَكَ وَشُكْرَكَ، وَالرَّغْبَةَ اِلَيْكَ وَالاِنابَهَ وَالتَّوْفيقَ لِما وَفَّقْتَ لَهُ مُحَمَّداً وآلَ مُحَمَّداً عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ السَّلامُ.
جعل الله هذا الاجتهاد من العمل الطيب والعلم النافع والخالص لله و أن يتقبله الله بقبول حسن في ميزان حسناتنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم وأن يكون صدقة جارية لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين .
والله المستعان.