لواء د. سمير فرج
متابعة عادل شلبى
كازاخستان، هي دولة أوراسيا، أي تقع بين أوروبا وأسيا وهي أكبر دولة غير ساحلية في العالم، وتاسع أكبر دولة في العالم من حيث المساحة ومن أقوي الدول الاقتصادية في دول الاتحاد السوفيتي السابقة حيث تأتي أهميتها الاقتصادية بسبب صناعة النفط والغاز الطبيعي ووفرة مواردها المعدنية وخاصة اليورانيوم ويبلغ تعدادها 18 مليون نسمة وكانت من قبل جزءاً من الاتحاد السوفيتي حيث نالت استقلالها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، والإسلام هو دين 70% من السكان والباقي من المسيحيين.
ولقد شهدت كازاخستان منذ أوائل يناير الحالي مظاهرات حاشدة رافقتها أعمال عنف واسعة بسبب الاحتجاج على ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي وأدت أعمال العنف والاشتباكات الي مقتل عشرات الأفراد وإصابة الالاف واعتقال المئات في صفوف المحتجين وقوات الأمن وإزاء هذه التطورات أعلن رئيس كازاخستان إقالة الحكومة وفرض حالة الطوارئ وحظر التجوال ليلاً وحظر التجمعات الجماهيرية وتعهدت الحكومة برد صادم على الاحتجاجات كما وجه رسمياً دعوة الي منظمة الأمن الجماعي التي تمثل تحالفاً عسكرياً يضم دولاً سوفيتية سابقة هي روسيا وأرمينيا وكازاخستان وقيرغيرستان وطاجيسكتان وأوزبكستان لإرسال عناصر من قواتها في مهمة لحفظ السلام في البلاد.
وعلي الفور قامت روسيا بتلبية طلب رئيس كازاخستان حيث أرسلت تعزيزات عسكرية في وقت تمر فيه العلاقات الروسية الأمريكية بأحرج مرحلة منذ انتهاء الحرب الباردة قبل أكثر من 30 عاماً بسبب ما يحدث في أوكرانيا والحقيقة أن ما يحدث في كازاخستان حالياً يشبه ما حدث في بيلاروسيا قبل عامين عندما احتجت المعارضة علي نتائج الانتخابات وكان الدعم الروسي حاسماً في بقاء الرئيس لوكاشنو حيث كان بوتين يري أن الغرب يهدف الي انتزاع بيلاروسيا من المحور الروسي لكي تنضم الي أوكرانيا وتليها جورجيا ولقد اتفقت روسيا والصين علي ضرورة دعم النظام في كازاخستان وضرورة إعادة النظام الدستوري في البلاد لذلك أعلنت وزارة الخارجية الصينية أنها علي استعداد في حدود قدراتها علي تقديم المساعدة الي كازاخستان لاستعادة الهدوء والتنمية الاقتصادية وتحسين حال البلاد.. ولم توضح الصين عن نوع المساعدة الي كازاخستان وهل هي مستعدة لإرسال قوات حفظ السلام الي هناك إذا لزم الأمر؟
وخلال قمة افتراضية لمجلس منظمة معاهدة الأمن الجماعي الأسبوع الماضي بشأن أزمة كازاخستان وجه الرئيس بوتن رسالة للغرب عن وجود قوي داخلية وخارجية مدمرة استغلت تظاهرات كازاخستان الدولة السابقة في الاتحاد السوفيتي لمحاولة إيقاع البلاد في دوامة من الفوضى وأكد بوتن أن قوات حفظ السلام بقيادة موسكو والتابعة للمنظمة ستنسحب بعد انتهاء مهمتها وأن تواجدها كان بطلب القيادة الكازاخية وأضاف بوتن أن الإرهاب العالمي استهدف كازاخستان وبالطبع هذا التصريح أكد للجميع أن روسيا بتدخلها بالقوات العسكرية تريد ضمان مصالحها الاستراتيجية مع جارتها كازاخستان الدولة الحبيسة عن البحار حيث النفط والغاز اللذين تشتريهما روسيا وتعيد تصديرها للعالم وتركز روسيا علي ضرورة استمرار تبعية كازاخستان لها حيث توجد قاعدة بايكو نور الفضائية الروسية هناك حيث استأجرتها موسكو مقابل 7 مليارات روبل روسي سنوياً حتي عام 2050 وتعتبرها روسية خالصة داخل كازاخستان كذلك تهدف روسيا من ذلك التدخل في كازاخستان هو تأمين خطوط النفط والغاز كذلك تخوفها من أن تمتد مثل هذه المظاهرات والفوضى الي دول سابقة للاتحاد السوفيتي مازالت في حضن الدب الروسي مثل قيرغيرستان وطاجيكستان وأوزباكستان وتركمنستان خاصة أن تجربة ما حدث في أوكرانيا ليس بالبعيد بعد أن اندفعت الي طلب الانضمام الي حلف الناتو لتبتعد تماماً عن التحالف مع روسيا.
وعلى الصعيد الآخر قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن واشنطن تسعي للحصول على توضيح من كبار المسؤولين الكازاخستانيين بشأن تدخل روسيا في الاضطرابات الداخلية في البلاد كما أنه أدان أمر إطلاق النار بهدف القتل وأضاف بلينكن ثمة درس من التاريخ الحديث أنه ما أن يدخل الروس بلداً ما فإن اخراجهم سيكون أمراً بالغ الصعوبة بعدها انتقدت وزارة الخارجية الروسية هذه التصريحات وهكذا اشتعلت الأوضاع في المنطقة خاصة بين روسيا من جانب وبين الولايات المتحدة وحلف الناتو من جانب آخر تصاعدت هذه الأحداث مع ما يحدث في الوقت الحالي في أوكرانيا التي يسعي الجميع فيها الي خفض التصعيد عقب الحشود الروسية علي حدودها حيث تطالب روسيا من الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الاطلنطي بوقف تقدم الحلف الغربي شرقاً وطلب ضمانات بعدم نشر الولايات المتحدة والأطلسي قوات وصواريخ في الجمهوريات السوفيتية السابقة حيث يؤكد الكرملين أن تكون هذه الضمانات خطية وموثقة وايضاً أكدت موسكو علي (أنها لا تسمح لواشنطن) بقبول أوكرانيا ضمن قوات حلف الناتو وتؤكد معظم التحليلات أن الولايات المتحدة لن توافق علي هذه المطالب الروسية الا أنه من المؤكد أن الولايات المتحدة لن توافق علي ضم أوكرانيا وجورجيا الي حلف شمال الاطلنطي في الوقت الحالي حيث تؤكد روسيا أنه بوصول هذه الضمانات لن تقوم بغزو أوكرانيا.
وهذا ما أعلنه وزير الخارجية الروسية مؤخراً أنه ليس هناك أي نية لغزو روسي محتمل لأوكرانيا ورغم ذلك أعلن جو بايدن أنه في حالة غزو روسيا لأوكرانيا فإن عقوبات اقتصادية شديدة سيتم فرضها على موسكو وبالتالي ستصبح ضربة سوف تشل الاقتصاد الروسي مستقبلاً وتؤدي الي إثارة متاعب داخلية الي الرئيس بوتن داخل البلاد لذلك فإن الأحداث سوف تشتعل حالياً في المنطقة أعادت للأذهان الحرب الباردة في القرن الماضي وخاصة أن روسيا متأكدة تماماً أن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب في أي حروب في الفترة القادمة سواء في أوروبا أو حتي ضد ايران في الشرق الأوسط حيث أن السياسة الأمريكية تعتمد في الفترة القادمة علي حل المشاكل من خلال القنوات الدبلوماسية وفي حالة عدم الوصول الي حلول للمشكلة فإن الولايات المتحدة تعتمد علي فرض العقوبات الاقتصادية مثلما حدث مع روسيا عندما احتلت شبه جزيرة القرم وضد ايران عندما بدأت في تخصيب اليورانيوم كذلك تتبني دول حلف الناتو هذا المفهوم حيث لا ترغب أي من هذه الدول الدخول في حروب قادمة في المنطقة وأيضاً تدعم فكر الولايات المتحدة في فرض عقوبات اقتصادية علي الأطراف التي لا تستجيب للحلول السياسية.. وما زلنا ننتظر ما سوف تظهره لنا الأيام القادمة في ظل هذا الصراع الذي ظهر وتنامي مع بدء العام الجديد.