لواء د. سمير فرج
متابعة عادل شلبى يتابع العالم أجمع هذه الأيام ما يحدث في أوكرانيا.. هذه الأزمة التي قد تتحول في لحظة الي صراع عسكري لا يعرف حدوده وتأثيره علي كل بقاع العالم ولقد ظهرت فكرة هذه الأزمات عندما حدثت أزمة الصواريخ الكوبية عام 1963 بعد ثورة كوبا علي الحاكم باتيستا وتولي الحكم نظام شيوعي علي رأسه فيدل كاسترو الذي عقد معاهدة صداقة مع الاتحاد السوفيتي وبين ليلة وأخري ووجدت الولايات المتحدة الأمريكية علي أرض دولة مجاورة لها صواريخ سوفيتية وهدد جون كينيدي الرئيس الأمريكي باستخدام السلاح النووي واستمرت الأزمة 16 يوماً بعدها سحب الاتحاد السوفيتي صواريخه من كوبا وعرفت هذه الأزمة باسم “أزمة الصواريخ الكوبية” والتي خرج منها العالم بفكرة أن أي دولة لن تسمح بوجود تهديد من دولة مجاورة لها علي أرضها قوات وأسلحة أجنبية.
واليوم يتكرر المشهد مع اختلاف أوضاع الأطراف حيث وجدت روسيا أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو يعملون علي تمركز أسلحة تابعة لهم في أوكرانيا كذلك طلبت أوكرانيا الانضمام لحلف الناتو وهي الدولة التي كانت عضوا في الاتحاد السوفيتي السابق وكان الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية قد اتفق مع الولايات المتحدة وحلف الناتو علي عدم تهديد الدول المجاورة له وكان الاتفاق شفوياً لذلك هذه المرة طلبت روسيا من الولايات المتحدة وحلف الناتو تقديم تعهد مكتوب بعدم وضع أسلحة لهم علي أرض دول مجاورة لروسيا أو انضمام أوكرانيا إلي حلف الناتو حيث يعتبر ذلك تهديداً لروسيا لذلك قامت روسيا بحشد قواتها علي حدود أوكرانيا لتهديد الولايات المتحدة والدول الغربية بأنها سوف تحتل أوكرانيا لمنعها من الانضمام لحلف الناتو أو استقبال أسلحة علي أراضيها.
وللآن لم يتم رد الولايات المتحدة وحلف الناتو علي طلب روسيا كتابة كما طلبت وطبقاً للتقديرات العسكرية الأمريكية وحلف الناتو أن هذه الحشود هي قوات قتالية قادرة علي القيام بعمليات هجومية فوراً لاحتلال أوكرانيا وبدراسة مقارنة القوات لمعرفة هل تستطيع روسيا مهاجمة أوكرانيا نجد أن المقارنة توضح الآتي، أولاً أن روسيا هي القوة العسكرية الثانية في التصنيف العالمي طبقاً لتقرير جلوبال فاير باور ، وتعد أوكرانيا القوة العسكرية رقم 22 عالمياً، ثانياً ميزانية الدفاع للجيش الروسي تقدر ب 42 مليار دولار بينما ميزانية الدفاع الأوكرانية 9 مليار دولار ، ثالثاً القوة العسكرية للجيش الروسي مليون مقاتل مقابل 255 ألف مقاتل بالجيش الأوكراني، رابعاً من ناحية المعدات العسكرية والمركبات والطائرات يتفوق الجيش الروسي بأربعة آلاف طائرة مقابل 285 طائرة للجيش الأوكراني ، وخامساً من ناحية المقاتلات الجوية يتقدم الجيش الروسي بعدد 789 مقاتلة أمام الجيش الأوكراني 42 مقاتلة، وسادساً العربات المدرعة تقدر ب 27 ألف عربة مقابل 11 ألف عربة مدرعة للجيش الأوكراني ، ونأتي سابعاً للفرقاطات 11 للبحرية الروسية وواحدة فقط للبحرية الأوكرانية.
ونخرج من هذه المقارنة أن القوات الروسية لديها تفوق عسكري قادر علي اختراق أوكرانيا والاستيلاء عليها ويجدر الاشارة الي أن روسيا قامت عام 2014 باحتلال شبه جزيرة القرم وهي جزيرة من أوكرانيا واعلنت ضمها الي روسيا ويومها لم تتحرك الولايات المتحدة ولا حلف الناتو عسكرياً واكتفي الجميع بتوقيع عقوبات اقتصادية علي روسيا استمرت حتي الآن ولكن هذه المرة اعلنت الولايات المتحدة وحلف الناتو في حالة غزو روسيا لأوكرانيا فإنهم لن يتم تدخلهم عسكرياً وانما سيتم توقيع عقوبات اقتصادية غاية الشدة ضد روسيا لذلك قامت الولايات المتحدة ودول حلف الناتو بالعديد من الجهود والاتصالات لمنع روسيا من غزو أوكرانيا بينما اراد بوتن الحصول علي تعهد مكتوب من الولايات المتحدة والناتو الأمر الذي ترفضه حالياً الولايات المتحدة.
وفي الأيام السابقة تمت محادثة بين بوتن والرئيس الأمريكي جو بايدن لمدة ساعة كاملة وأصر الرئيس الأمريكي أن حزمة العقوبات الاقتصادية ستكون شديدة علي روسيا كما زار الرئيس الفرنسي ماكرون روسيا وقابل الرئيس بوتن وكذلك وزيرة الخارجية البريطانية وتحدثت مع وزير الخارجية الروسي الذي علق علي المقابلة أنها محادثة الطرشان حيث جاءت الوزيرة البريطانية لتلقي كلمتها دون أن تستمع للرأي الآخر، كذلك المانيا وكل الدول الأوروبية التي تحاول الضغط علي روسيا كما أرسلت الولايات المتحدة وانجلترا أسلحة دفاعية الي أوكرانيا وهي محدودة الي حد ما .. أما المانيا فلقد ارسلت خوذ للقتال والتي اثارت استغراب المسؤولين نظرا لأن المانيا ستكون أكثر الدول تضرراً في حالة قيام أي عمليات عسكرية ونتيجة لهذه الاحداث المتلاحقة قامت روسيا بتوطيد علاقاتها بالصين تحسباً لما قد يحدث في الفترة القادمة.
أما دول أوروبا فإنها أصبحت أكثر قلقاً من تطور الأوضاع حيث أن دول شمال أوروبا تستورد 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي من روسيا لذلك فإنه في حالة حدوث نزاع عسكري سوف يتأثر الاقتصاد الاوروبي من هنا قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالتأكيد أنها سوف تفتح احتياطاتها من الغاز الطبيعي لتعويض نقص الغاز الروسي الي أوروبا.
كذلك قام الرئيس الأمريكي جو بايدن باستدعاء أمير قطر بهدف تحويل جميع عقود الغاز القطري الي اليابان والصين الي شمال أوروبا لتعويض النقض الروسي.. ولقد هدد بايدن بايقاف عمل خط الغاز الروسي نوردم استريم 2 وبالتالي سوف تتحمل الشركات الالمانية والأوروبية خسائر كبيرة وهي التي ساهمت في تكاليف 50% من إنشاء هذ الخط كذلك في حالة نشوب أي عمليات عسكرية سوف تتاثر دول العالم التي تستورد القمح من روسيا وأوكرانيا من خسائر كبيرة ونقص في التوريد وارتفاع الاسعار خاصة أن هاتين الدولتين لهم حصة كبيرة في إنتاج القمح في العالم واعتقد أن مصر التي تعد من أكبر الدول استيراداً للقمح في العالم سوف تتاثر في حالة نشوب أي قتال في المنطقة علاوة علي أن العقوبات الاقتصادية علي روسيا في حالة قيامها بغزو أوكرانيا سوف يكون لها أيضاً تأثير علي الاقتصاد العالمي كما أن بعض المحللين يري أنه في حالة نشوب القتال العسكري سوق يؤثر ذلك علي مفاوضات السلاح النووي الايراني في فيينا حيث ستنضم روسيا الي ايران ومساعدتها في حالة توقيع عقوبات اقتصادية عليها وبالتالي قد يقوي ذلك من موقف ايران في هذه المفاوضات.
من ذلك كله نري أنه في حالة غزو روسيا لأوكرانيا سوف تحدث مشاكل كبيرة أهمها اقتصادياً علي مستوي دول العالم بأجمعه وإن كان العديد من المفكرين يرون أن كلا من روسيا وأمريكا تتبع حاليا سياسة حافة الهاوية الكل يزيد من مطالبه في التفاوض بهدف عدم الوصول الي نزاع عسكري وقد تقدم الولايات المتحدة ضمانات الي روسيا بعدم انضمام اوكرانيا الي حلف الناتو علمأ بأنها سبق أن اعلنت ذلك قبل الأزمة مقابل أن تسحب روسيا حشودها العسكريةمن أمام الحدود الأوكرانية ولكن يبقي حل الموضوع بدون اراقة ماء الوجه لكلا الطرفين روسيا من جهة والولايات المتحدة ودول حلف الناتو من جهة أخري أمام دول العالم حيث من الممكن أن يكون القرار صادر من الأمم المتحدة بأن تلزم الطرفين بذلك الأمر وبذلك يمكن أن تنتهي أكبر أزمة نشهدها مع بداية القرن الواحد والعشرين لكن في حالة حدوث اصرار كلا الطرفين علي موقفه وقيام روسيا بالهجوم علي أوكرانيا غير عابئه بالعقوبات الاقتصادية فسوف يكون ذلك ضربة كبيرة للاقتصاد العالمي… علي أية حال فإن الجميع ينتظر اللحظة الأخيرة لانتهاء هذه الازمة ووجود الحل الدبلوماسي الذي يرضي جميع الاطراف ويحقق السلام لجميع دول العالم.