بقلم الأستاذ : فراج محمد فتحي.المحامى
آلاف القضايا تكتظ بها ساحات المحاكم للنظر في مواريث مغتصبة وتقسيم تركة مضي علي وفاة صاحبها سنوات وسنوات.
أسباب عديدة وراء ما يحدث من ظلم بالمواريث علي رأسها: الجهل والجشع والطمع والحياء، جهل بفقه المواريث ومقصدها التشريعي، وجشع وطمع بعض الورثة في أنصبة غيرهم، وحياء أصحاب الحقوق ، لاسيما الإناث من المطالبة بحقوقهم، فتمر السنوات دون تقسيم للتركة، ولا ينتفع بها إلا من وضع يده عليها، ويبقي الآخرون “ورثة مع إيقاف التنفيذ”
فكم بسببه أرحام قطعت، وصلات مُزقت، وجرائم ارتكبت بين أشقاء حملتهم رحم واحدة! إنه الميراث.. ما بين أب يميز بعض أبنائه، وآخر يحرم أحدهم وثالث يمنع الإناث من الميراث.. أو أخ ساقه الطمع وحب الذات للاستحواذ علي حق أخواته، أو بنات أخيه المتوفى، وإجبارهن علي الرضا بـموات الممتلكات أو البيع بأبخس الأثمان!
قسمة الميراث قسمة إلهية لا دخل للعباد فيها، فتولاها سبحانه بكل رحمة وعدالة وحكمة ، وتدخل العباد في هذه القسمة سيدخل فيه الظلم والتخبط، وعدم إيصال الحقوق لأصحابها على الصورة التي تحقق العدالة والتوازن بين الورثة
ولقد حرم الله – عز وجل – الظلم على نفسه، وحرمه على عباده، كما في الحديث القدسي (يا عبادي انى حرمت الظلم على نفسي نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا) رواه مسلم.
والله –عز وجل – توعد الظالمين بالعذاب فقال تعالى: ﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ﴾ (سورة إبراهيم، 42). وقال: ﴿ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ (سورة هود، 18)
وقد حذرنا النبي صلي الله عليه وسلم من أكل المواريث ومن أكل الحقوق ظلماً فقال: «من حرم وارثا من إرثه لم يرح رائحة الجنة»، وقال: ((لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، إِلَّا طَوَّقَهُ اللَّهُ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))؛ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ، ويكفي أيضا أن آيات المواريث اختتمها الله بقوله تعالي: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)، فاستخدم القرآن لفظ «حدود الله» ولم يقل «أحكام أو تشريع الله»، لما يترسخ في الأذهان من أن كلمة «الحد» لا يصح أن نتجاوزها بأي حال من الأحوال.
فآكل المواريث والمتعدى علي ميراث غيره لابد من أن ينال عقابه في الدنيا ومنها عدم البركة في المال والولد وفي الحياة عموما، ثم قد يبتلي هذا الشخص المعتدي علي حق غيره بولد فاسد يكون سببا في تضييع كل ثروة أبيه: ما اكتسبه بحقه ومن غير حقه، والأب في النهاية محاسب علي هذا الظلم أمام الله عز وجل.
فكثير من أكلة المواريث أصابهم الجشع و الطمع فجحدوا حق الورثة ظنا منهم أن ذلك سينقص المال و الطمع جمرة لا تحرق إلا صاحبها في الدنيا و الآخرة. فمن يأخذ ميراث غيره ظلما وطمعا وجشعاً يحرم نفسه من رائحة الجنة ونعيمها وينال عقابه في الدنيا وعذابه في الآخرة ، ومما يزيد من الألم ويفجع الفؤاد أن يكون الظلم من الإخوة للأخوات ولله در الشاعر إذ يقول: (وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند)
ومن أبرز المخالفات التي ترتكب في الميراث تتمثل في الآتي
الذين يكتبون كل ممتلكاتهم لأولادهم الذكور ويحرمون الإناث ، وكذلك من يحرم أحد أبنائه من الميراث بسبب عقوق من الابن أو خروجه عن طاعة أبيه أو زواجه علي غير رغبة أبيه، فهذا لا يجوز، لأن العقوق، وإن كان من الكبائر، إلا أنه ليس مبررا للحرمان من الميراث، فالعقوق لا يمنع الحقوق.
ظلم الورثة بعضهم لبعض، بطمع الكبار في حق الصغار، وطمع الرجال في حق النساء، والاستحواذ علي ميراث الغير والانتفاع به وحرمان صاحب الحق الأصلي من ذلك، كأن يستحوذ الابن الذي تحت يده الأرض أو الشقة أو التجارة ، علي أنصبة غيره حياء أو إجبارا سنوات وسنوات، دون إعطائهم مقابل هذا الانتفاع.
الإجحاف في القسمة ، بأن يتم إعطاء نصيب البنت الجزء المهمل أو القليل القيمة من التركة ، كأن تأخذ ما يسمي بالأرض الميتة أو الدور الأخير من المسكن ، أو إشراكها في أرض أو مسكن بشكل لا يمكنها من الانتفاع بهذا الميراث ، فتضطر صاغرة إلي البيع بأبخس الأثمان ويضيق عليها أشقاؤها حتي لا تتمكن من البيع إلا لهم وبالسعر الذي يحددونه هم ، وربما أخذ الثمن علي دفعات متناثرة.
موقف القانون المصري من حرمان الورثة من نصيبهم الشرعي في الميراث
تناول القانون رقم (219) لسنة 2017، بتعديل بعض أحكام القانون رقم (77) لسنة 1943، بشأن المواريث، والذي وافق عليه مجلس النواب ونشر في الجريدة الرسمية، الامتناع عن تسليم الورثة نصيبهم الشرعي في الميراث.
فنصت المادة 49 من القانون سالف الذكر على انه : «مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها أي قانون آخر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه، ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من امتنع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث، أو حجب سندًا يؤكد نصيبًا لوارث، أو امتنع عن تسليم ذلك السند حال طلبه من أي من الورثة الشرعيين، وتكون العقوبة في حالة العود الحبس الذي لا تقل مدته عن سنة».
وأضافت: «ويجوز الصلح في الجرائم المنصوص عليها في هذه المادة في أي حالة تكون عليها الدعوى ولو بعد صيرورة الحكم باتًا، ولكل من المجني عليه أو وكيله الخاص، ولورثته أو وكيلهم الخاص، وكذلك للمتهم أو المحكوم عليه أو وكيلهما الخاص، إثبات الصلح في هذه الجرائم أمام النيابة أو المحكمة بحسب الأحوال».
وتابعت: «ويترتب على الصلح انقضاء الدعوى الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريق الادعاء المباشر، وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا تم الصلح أثناء تنفيذها، ولا يكون للصلح أثر على حقوق المضرور من الجريمة».
ويتضح من استقراء نص المادة أنه هناك شرطان لقيام جنحة عدم تسليم الميراث :
أولهما: القصد الجنائي المتمثل في الامتناع العمد عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث .
ثانياً: أن يطالب مستحق الميراث بالمستندات التي تثبت حقه في الميراث ممن تحت يده تلك المستندات وامتنع الأخير عن تسليمها، ويتحقق الطلب إما بتوجيه إنذار رسمي على يد محضر أو محضر إثبات حالة أو بخطاب مسجل بعلم الوصول.
فقد عاقبت المادة سالفة الذكر كل من يحجب السندات التي تؤكد نصيب الورثة كاحتجاز عقود ملكية المورث وخلافه بذات العقوبة المقررة للامتناع عن تسليم الإرث، وحفاظاً على الروابط الأسرية حيث إن تلك الجرائم تقع بين الأقارب وبين الأصول والفروع، فقد أجاز المشرع التصالح في تلك الجريمة في أي وقت تكون علية الدعوى.