حوار : رشا حافظ
استكمالًا لما تم طرحه في الجزء الأول من المقال، فإنه لا يمكن الارتكان للظروف لكي تستقر النظم السياسية، فالآلة (أي آلة) تحتاج لمن يقوم بإدخال أو إعطاء الأمر (الطلب) لكي تعمل التروس أو تنشط الإلكترونيات أو تشتغل ماكينات المصنع (استجابة للطلب) وتقدم بعد دقائق أو ساعات أو أيام أو أسابيع أو شهور المُنتج، ويتوقف التوقيت حسب حجم الآلة وطبيعتها وإذا تعاملنا مع النظام السياسي كونه آلة، فإن الأمر لا يختلف كثيرًا لكنه أكثر تعقيدًا، لأن الآلة أكثر استجابة وتتفاعل بشكل سريع مع الطلب بينما النظام السياسي يعمل عبر مؤسسات لها دورتها المستندية الطويلة وتديرها كائنات بشرية ذات فروق على مستويات الخبرة والمهنة والذكاء والمهارة والإدارة والقيادة، فلا غرابة عندما يصدر رأس النظام أمرًا أو توجيهًا وتعجز الوحدات التحتية على تنفيذه أو لا تفي بالموعد المحدد والمطلوب أو يحدث العكس تمامًا، وإذا أخذنا مثالًا على ذلك، فيمكن الإشارة إلى توجيهات الرئيس السيسي في إحدى المناسبات لمسئول الهيئة الهندسية للقوات المسلحة التي أشرفت على تنفيذ العديد من المشروعات القومية ويقول “يا كامل عايز المشروع ينتهي في 9 شهور” ويترتب عليها استجابة سريعة حتى إن طالت المدة أو قصرت ويتحول التوجيه إلى مشروع أو مؤسسة…إلخ، قد لا نفهم هذا المثال إلا عندما نقارنه بآخر، نشرت الصحف والمواقع في أغسطس 2018 توجيه الرئيس السيسى لرئيس الحكومة وعدد من أعضائها، باتخاذ خطوات عاجلة لوضع خطة لإدارة المخلفات وتحسين الأوضاع البيئية وتوفير المعدات المطلوبة واتخاذ الإجراءات التي من شأنها إدارة المخلفات بكفاءة عالية. جاء التوجيه للاستشعار بتفاقم المشكلة وضرورة البحث عن حلول لها، وتم البدء من قبل الحكومة، وعلى الفور تم تخصيص رقم على الواتس آب لتوجيه الشكاوى بشأن تراكمات القمامة، وقامت الحكومة بإعداد خطة لإدارة المخلفات وحددت 300 منطقة خدمة بالمحافظات و300 محطة وسيطة و150 مصنع تدوير و50 “مدفن صحي”، ثم توافق لجنة الإدارة المحلية على الخطة وعلى الموازنة، وعلى إنشاء وتأسيس شركة قابضة لإدارة المخلفات. وفي المقابل ترصد الصحافة تلال القمامة في أحياء وصفتها بأنها “ودعت الزمن الجميل” ويطلب المواطنون بإزالتها ويتعاطف معهم عدد من أعضاء مجلس النواب يسعون لتوصيل صوتهم وشكواهم ومطالبهم للمحافظ، والمواطنين في حاجة لسرعة الاستجابة لمطالبهم، وهكذا. هل تم الاستجابة، هل نجحت المنظومة، ومن يتابع الخطة ومن يقيمها؟ كل ذلك ويطلعنا المتحدث الرسمي باسم الرئاسة بأن الرئيس وجَّه بمواصلة أعلى درجات التنسيق بين جميع الوزارات والجهات المعنية لضمان إنجاح المنظومة الجديدة. يبدو أنه مثال متعدد الحلقات لكن جوهره مهم، فله ما يشبهه في غالبية دول العالم بل يحدث ويتكرر في الأنظمة السياسية كافة، فالرئيس يوجه والحكومة تُنفذ والشعب يطالب والبرلمان يقوم بتوصيل هذه المطالب والصحافة بأشكالها المختلفة تتناقل المعلومات والأحداث.
نعم مثال متعدد الحلقات لكن فيه يكمن معنى النظام السياسي، فهو مجموعة من التفاعلات المتضمنة علاقات بين نخب الحكم والمواطنين، وتقوم هذه العلاقات على قواعد وإجراءات رسمها الدستور، وفي إطارها تقوم النخب الحاكمة باتخاذ القرارات والسياسات اللازمة لتنفيذ مطالب المواطنين، ولا يتم هذا في فراغ وإنما في ظل ضغوط داخلية وخارجية تفرض تحديات وقيود على السياسات المراد تنفيذها.
فما هي مكونات النظام وآليات عمله لكي يستمر، هذا ما سيتم تناوله في المقال الثالث.