بقلم : خالد مهدي الشمري
علاقة ادريس ووالده ابراهيم بطل الرواية مع ثنائية الزمان والمكان اللذان يجتمعان تحت خيمة الحب والسلام ..
ينتقل بنا ونبحر معه بكل جوارحنا من بداية العنوان وصولا الى الخاتمة مستخدما الزمن حيث يتقدم ويعود الى زمن اخر وايضا مكان كما تنقل من امباسيرا عاصمة ارتيريا الى بريطانيا ومزج جميل بين علاقتي الحب التي جمعت الاب من الماضي والابن من الحاضر.
الفجر : (الفجر برد وسلام .. والنور من هنا يسطع ).
مدخل للرواية ونقطة انطلاق الروائي حيث وصف الفجر ممزوجا بالبرد ليكون موضع وبداية للانطلاق .. ايلول والفجر والبرد علاقة حسية ينتج نها ايلول مختلف ..
ليتناغم عنوان الرواية مع مدخلها وهي فلسفة تمهيدية وتدرج للوصول للهدف ولكل رواية هدف ورسالة .
ثم ينتقل الى الليل ( ولليل في عرق المحموم بالخوف نار تستعر ) ص19
علاقة الليل بالخوف ( ليل ابراهيم لم يعرف الخوف ابدا وذلك لانه يراه ليلا وحيدا ذانسخ متكرر ولا شمس واحدة تصلح لكل الليل ) ص20
يخبرنا الروائي بان ابراهيم لا يخاف وهذا دليل هناك خيوط نتابعها داخل الرواية توصلنا الى المعشوق الاول بل الاعلى الذي لم يفارق البطل ولا الروائي كون ارتيريا هي الحب الاول والهدف الاول والذي يعلن عنه في هذه الرواية وفي اعماله السابقة .
كما عبر ايضا ( المتحررون من الخوف هم اول الناجين من النار ) ص19
قدم الروائي ثلاث صور للحب تحتاج للتحرر والصبر والذي كان اولها ابراهيم وترحاس والتي انتهت بأنجاب بطلنا ادريس والثانية بين ادريس وليزا والتي كان مفاجئة ان يكون عيد ميلاده هو يوم زفافة .
وايضا ( لا حرية بلا فجر ) ص 22
هناك تشابه كبير بين الاب والولد فكلاهما عاش صعوبة ومرارة الحب الذي جمع الرجل المسلم والمرأة المسيحية .
تبدأ الرواية، فيما عدا الوصف الرومانسي لإمباسيرا وبعض طقوس الحياة فيها، بالحديث عن علاقة الحب الطاهر الذي جمع بين ” إبراهيم” و” ترحاس”، وسوف يبدوان في أول الأمر أنهما بطلا الرواية الأساسيين، وكيف أنهما قاوما الأهل والمجتمع، وتحملا الأذى والعذابَ، وحاربا العادات والتقاليد؛ حتى يثبتا للجميع أن زواج مسلمٍ بمسيحية أمرٌ لا تنكره الشرائع، ولا تبطله العقائد، ولا يحرِّمه الله. وليس صحيحاً أبداً ما قيل من أن حب المسيحية لرجل لا يدين بدينها خطيئة لا تغتفر.
ومن هذين الأبوين اللذين ألَّف الحبُّ بين قلبيهما، وعاشا طوال حياتيهما يقاومان الاستعمار الإثيوبي الغاشم، ويرويان جرائمه البشعة لأبنائهما، جاء “إدريس” بطل الرواية الأول، والذي سمع من أبويه ما ارتكبه الإثيوبيون الأوغاد من مجازر وحشية في ” عونا” و “أغردات” و “باسيك ديرا” وغيرها من القرى والبلدات الإريترية؛ حيث كانوا يقتلون كل من يمشي على قدمين، ويبقرون بطون الحوامل ويمثلون بجثثهن ويرقصون على أشلائهن. وحيث كان الإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي يصدر أوامره بذبح المسلمين وإبادتهم، وهو ما كان يحدث بالفعل في أكثر من قرية؛ اعتقلوا جميع من فيها وأغلقوا مساجدها وأحرقوا بيوتها وتركوها خراباً بلقعاً وأثراً بعد عين.
( ان الحب دين ثالث قد يجمع ما لم يعترف العرف السائد بجمعه )ص152
تناولت الرواية ثلاثية الحب ترحاس وليزا وارتيريا البلد الذي جمع جذور هذين القصتين وقد اجاد الروائي التنقل عبر المكان بين بريطانيا وارتيريا وجعلنا نراقب الكلمة ونبحث عن متاهات وخيوط موجودة في الصفحات الاخيرة .
( فجر أيلول ) روايةٌ واقعيةٌ وإنسانيةٌ في آنٍ معاً، حتى وإن صور فيها الكاتب وقائع حدثت في بلاده، واستعان فيها بالوثائق المعتمدة وشهود العيان الذين شاركوا في صنعها. إن مقاومة المستعمر لا تقتصر على بلدٍ بعينه، والتضحية من أجل الحرية والكرامة لا ينفرد بها شعب دون سواه . ذهب إدريس إلى لندن إذن ليحصل على الدكتوراه في القانون الدولي، وليبدد ضباب هذه المدينة الفاجرة ويزيل الغشاوة عن عيون أبنائها، كما كان يقول. وهناك، ومن النظرة الأولى سوف يقع في غرام ” ليزا” سكرتيرة أستاذه، وهي فتاة إنجليزية صارخة الجمال، وبدا كمن مسه شيطان منذ دخلت مكتب البروفيسور، وانصرف بصره عن كل شيء إلا جسدها المنمق وشعرها الذهبي وصدرها المشدود. لقد أسرته الفتاة وخطفت لُبه.
ولا أدري إن كان الكاتب قد تعجل في تصوير بطل روايته بهذه الخفَّة، أم أنه قصد إلى أن يصور لنا انبهار الإفريقي الأسمر بجمال الأوربيات ولحمهن الأبيض. ولا أدري أيضاً سرَّ إسرافه في وصف المشاعر الجنسية وذكر أعضائها صراحةً، وإظهار بطله على أنه يمثل فحولة الذكر في كامل عنفوانها، أمام فتاةٍ أوربية شبقة تهيم عشقاً بالجسد الإفريقي الذي لا يشبعها إلا قوته، ولا يروي ظمأها إلا فحولته.
لم تكن ليزا فتاةً سويَّة، ولم تكن طاهرة الذيل كما نقول؛ بل كانت لعوباً مغوية، تتعشق الرجال الأقوياء، ولا ترد يدَ لامس. ورغم ذلك أحبها إدريس، واستطاع أن يقنعها بقضيته، وأن يثبت لها أن قومها غزاةٌ وسارقون، فآمنت به، ووقعت في حبه، ووعدها بالزواج ، وأخبر أبويه برغبته ، واقتنعت أمه بعد لأي؛ فقد كانت ، وهي المسيحية، تستنكر أن يتزوج ابنها من أوربية كاثوليكية. وإن كانت ليزا المسكينة هذه المرة قد قدمت هي الأخرى ثمناً فادحاً من أجل ذلك؛ إذ تعرضت لإيذاء جسدي وحشي من ذيول الأجهزة الأمنية، كان من بينهم مصفف الشعر الإثيوبي المخنث، وهو الآخر رمز لسفالة بلاده وتواطؤها مع أسيادها من المستعمرين الأوربيين.
لم تؤتِ إقامة إدريس في لندن أُكلَها، بل ولم تكن حياته فيها وادعةً هانئة؛ لقد تعرض لمضايقات كثيرة، وحاول جهاز المخابرات ( إم ـ آي ـ فايف ) تجنيده ضد زملائه من الأفارقة والمسلمين، وهددوه وعذبوه لأنه رفض أن يطيع أوامرهم. وكان طبيعياً أن يعود إدريس إلى بلاده مرةً أخرى، بعد أن عرف حقيقة لندن السيئة من أستاذه الذي فضح له هذه الحضارة المزيفة التي تبيع كل شيءٍ من أجل المال، والتي يتحكم فيها الأقوياء بمصائر الضعفاء؛ ” •إنهم يا عزيزي يراقبون الأنفاس في صدورنا، والأفكار في عقولنا، والخيال في خيالنا، حتى إذا استشعروا من وجودنا خطرًا، ظهرت جيناتهم المتغولة في أبشع صورها”.
ولكن الذي لم يكن طبيعياً أن يجد إدريس أهل قريته وعائلته كلها في استقباله؛ ولم ينطل عليه قولُ أبيه إن عودته وعيد ميلاده مناسبتان كافيتان ليجتمع الكل في استقباله والاحتفال به. ولشد ما اندهش حين أخبره أبوه بأنه قد أعد له مفاجأةً سارة، ولم تكن هذه المفاجأة سوى ليزا نفسها. لقد تركت لندن لأهلها، وتخلصت من ماضيها الملوث ومن أبيها الذي كان يستغل جسدها ويقدمها لأصدقائه من أجل أن يتمم صفقاته المشبوهة. ” واحتضنها إدريس لأول مرة تحت سماء أفريقيا، تاركا كل ما مر خلف ظهره، ليبدأ حياة يسودها السلام والأمان”.
وهكذا تنتهي بنا الرواية إلى ما يشبه بدايتها، مع نسخة جديدةٍ من (إبراهيم المسلم وترحاس المسيحية)، بعد أن تطورت الأحداث ليتزوج (إدريس الإفريقي بليزا الأوربية) إيذاناً بعصرٍ جديدٍ من الحب والسلام.