محمد ربيع يكتب.. لا تُعلِّموا البقرَ العلمَ ،، تحمل شهادة ، ولكنها تبقى بقرة!!
العلم لا يرادف الثقافة ولا يقف في جوارها ، فهذا شماليٌّ وذاك جنوبيٌّ ، هذا كتابٌ ومعلّمٌ ، وذاك سلوكٌ واستثمارٌ ومعاناةُ حياة ، والدروس تتعارض مع نظام الحياة ، ففي الحياة تحتاج إلى تطبيق لما درست أو بعضه ، وهنا يكمن الخلاف ، فكثير من أهل العلم يفشلون عند التطبيق ، لأن أخلاقهم قاسيةٌ يستعصي عليها التجاوبُ مع متطلبات الحياة التي جاء بها التعليم ، قد يحاول وعندما لا تطاوعه أخلاقُه يكسرها فتموت أو ييأس فيتركها على حالها وعلى الحالين لا يتغيَّر ، قد يكون محشواً بالعلم ولكن بروح الكوسا المحشيّة تَنْبَطُّ في الماء وتتناثر أحشاؤه ولا تتغيَّر ،، من السهل أن تحشو العلم ولكن من الصعب أن تُحافظ على سلامة جلدك ،، تحمل عِلْمَاً لا عَلَمَ له كتلك العِيْس التي يقتلها في البيداء الظمأ والماء تحمله على ظهور ما سلمتْ من الجروح والقروح فيثقل الروح والجسم ، ويغدو النافع مُضرَّاً ويستحيل الخير شراً،، والعرب تكلّمت في مثل ذلك فقالت : سهْلٌ أن تشتري سلاحاً ولكن لا تكون مقاتلاً ( فليس كل ذوات المخلب السَّبُعُ ) ،، وكثير من ربَّات البيوت يتوافر لديهن كل شيء ولكنها لا تستعمله ولا تصنع منه طعاماً شهياً ،، إنه القصور في المعالجة الذي يحتاج إلى تدريب ومدرِّب يملك مهارات المدرِّبين وليس ببغاء يُردِّد ما سمعه ترديداً بارداً كمن يُردِّد نشيداً بلغة لا يعرفها ولا يُقيمُ حروفها ،، يهتفُ ،، هو في وادٍ والمُنْشِدُون في وادٍ آخر.
يُحكى أن بقرةً قالت اريد ان أتعلّم لعلي أصير غزالةً ، فالعلم يرفع بيوتا لا عماد لها ويجعل من البقرة ريماً يسابق ريحاً ، وربما فرس رهان تَسْبِقُ ولا تُسْبَق ،، وبحثتْ عن معلِّم ،، فكان المعلم وكانت تعاليمه ،، قالت : أريد أيها المدرِّبُ الذي لا تدرَّب مجّاناً ،، وهنا بانتْ بقوريتها ، وأشهرتْ علامةَ قِلّة التربية الممزوجة بقلّة الذوق ، فالمعلمُ يُحترم وهي بحاجة إليه ،، قالت : يا أستاذ فهّمْني بأقصر وقت فالأيام غير معدودة والفلوس ( أجرتك معدودة ).
قال لها المدرب بلهجة المستغرب : سندرّبك ،، وتصبحين أرشق من غزالة ،، وتسابقين رونالدو وتتفوَّقين على ميسي ،، فرحت البقرة وبدأت تخور ،، فقال لها المدرب : أولاً ينبغي أن نُغيّر طبقةَ صوتك حتى لا يفضحك صوتك ويشير إلى أصلك البقري !! وألحقها ببرنامج يخلط الموسيقا بالغناء ،، يعالج أصحابه طبقات الصوت ،، وتبادل المدرّبون تليين صوتها ،، وانقضت المدة الزمنية ولم تضبط أول إيقاع ،، فطردوها غير آسفين ومعها فلوس الدورة ،، فعادت إلى المعلم فقال : نرسلك إلى صانع الملابس ومُلبّس المُتنكّرين ( المُهَرِّجين ) لعله يساعدك ويخترع حيلة تُقلّل من بشاعة شكلك الذي جُمِع في رأس غبي وعيون مع أنها كبيرة إلَّا أنها بشعة ،، ذهبت إلى صاحب الملابس فما وجد لونا ولا كمية تليق بها فهي بحاجة إلى مصنع النسيج كلّه.
لا تُعلِّموا البقرَ العلمَ ،، تحمل شهادة ، ولكنها تبقى بقرة ، لا تفيد ولا تستفيد ، ولا تنقل العلم لغيرها ، لا تُغادر العُجْمَةُ لسانها ، ولا يصلح حَلْقها لإخراج الحروف من مخارجها ، تبقى الحروف في حلقها كما لقمة في حَلْقِ طفل لا تُريدُ النزول ولا الصعود ، تخنقه إن لم نتدارك الموقف ونرسله الى الجَرَّاح ،، حتى لو حملتِ البقرةُ درجةَ الدكتوراة !!
قلتُ في نفسي : أوجعتني يا هذا !! فقد تاهت كلمة الدكتوراة هذا الزمن في زحمة حامليها ، وتشابه البقر علينا ، وما عُدنا نميّز بين وبين ،، ودخلت البقرة هذا العِراك ، فالعراك حين تتخالط الأشياء لا يكشف عن شخصية كثير من المُعاركين ،، دخلت وفي الزحمة خرجتْ ، وذهبتْ تُحاضر في الغزلان ،، فالزمن انقلب وأهله تغيّروا .
قال لي صديقي : دخلتُ مصادفة على مسار بقرة ،، فقلتُ : لعل التعليم يُغَيِّر ، ولم أكن أعلمُ بأن تعليم هذه الفئة لا يكون أكثر من ملعقة سكَّر في بحر ذي ظلمات مَلُح ( من الملوحة وليس من الملاحة ) ماؤه حتى أصبح أُجاجاً ،،
فعُدْتُ إلى نفسي أُعاتبها ، فردَّتْ : رويدك لا تُسرع ولا تتسرّع ،، فأنا لم آتِ بك إلى هذا الجو المشحون ب ( التباقر ، والاستبقار ) ،، وإنما قادتْك قدماك صدفةً ،، وقليلاً ما تحدث الصدفة ، ولكنها حدثتْ ،، ويُذكّرني هذا بلاعب كرة قدم سجّل هدفاً صدفة في كأس العالم ،، وعندما حاول تمثيل الموقف لغرابته فشل عشرين مرّةً في الوصول إلى باب المرمى ،، أَرَأَيْتَ غرابة الصدفة وغُربتها ؟؟؟ سكتُّ وشربتُ همِّي ، وتعلَّمتُ ألَّا أخضعَ لصدفة بالتخطيط حتى لا أتزحلق بروث البقر !!