حكمة:إذا أردتَ أنْ يصدّقَ الناس أكذوبتك فصدّقها أنت أولاً .
درع الإله
وفي مكانٍ خالٍ وقفت السيارة وكان في انتظارهما بروفيسور تكنولوجيا الفلك والفضاء -وهو منهم – نزلا وقابلاه ثمّ ارتجلوا ثلاثتهم.
قال فطين لمؤيد: «أأمرني صديقي، قلتَ تريد خدمة.»
قال مؤيد موجّهًا كلامه لفطين وهو يتأوه:«المقاومة داخل فلسطين وخارجها معرضة للخطر .»
ردّ فطين متحسرًا: «يا خبر أسود، كيف؟»
أجاب مؤيد: «تكنولوجيا الأقمار الصناعيّة لعنة الله عليها، جاءنا مِن أحد عيوننا وهو منّدس بينهم أنّ هناك أنباءً بامتلاك إسرائيل لقمرٍ صناعيّ -تصميم أمريكيّ- باستطاعته رؤية ما تحت القشرة الأرضيّة.»
– «كيف ذاك؟ كلُّ ما أعلمه أنّ عمليات الرصد والبحث ما هي إلّا مجموعة مِن أجهزة استشعار ومجموعة من أجهزة الزلازل وأدوات تنصّت كالميكروفون وأشياء من هذا القبيل .. الخ. كما أنّ الأقمار مِن خلال أجهزة الاستشعار الراديويّة تستطيع أن ترصد وسط الضباب، أمّا أنّها تخترق القشرة الأرضيّة فهذا مستحيل.»
نظر البروفيسور إلى فطين مندهشًا من عبقرية فطين وآثر الصمت.
قال مؤيد : «كلُّ أساليب رصدهم تحاشيناها في أنفاقنا الرئيسة التي تعتمد عليها المقاومة بشكل رئيس لأنّها أنفاق محصنة، أمّا غير المحصنة فسقط بعضها وهي أنفاق مهملة لأنّها مجرد مخازن نلقي فيها بعض متاعنا.»
قال فطين: «إذاً، جهّزوا باقي الأنفاق بالتكنولوجيا الحديثة وتنتهي المشكلة.»
– «ليست المشكلة في الأنفاق غير المجهّزة؛ إنّما المشكلة أنّ الأنفاق كلّها بلا استثناء قد تُدمّر؛ للأسف يا فطين حتى الأنفاق خارج فلسطين معرّضة للتدمّير الكامل أيضًا.»
– «كيف؟ الأنفاق داخل فلسطين كلام معقول؛ وإن كنتُ أأمل ألا يحدث ذلك، أمّا خارج فلسطين فكيف ؟ كيف؟»
– «معظمها في شمال شرق سيناء وجنوبها، ويعقوب إسحاق لا يدخر جهده لتدميرنا، وأنتَ تعلم أنّه استطاع أن يُمضي الاتفاقيّة الرباعيّة الآثمة؛ فتعرّضتْ أنفاقنا للخطر في شمال شرق سيناء. كما استطاع أن يأخذَ فندق هيلتون طابا فتعرضنا للخطر أيضًا في جنوبها، والآن يريد أن يعرّي كلّ الأنفاق بالقمر الصناعيّ الجديد، فيباد اتّحاد المقاومة عن آخره.»
– «لعلها حرب إعلاميّة يا دكتور.»
حدق البروفيسور فطين مرة أخرى، ثم طأطأ رأسه على كلمته الأخيرة وظلّ صامتًا أيضًا.
قال مؤيد: «لا لا، لو أعلنوه لقلتُ إنّها حربٌ نفسيّة، لكنهم يخفونه فيما بينهم حتى ينقضّوا علينا به.»
– «وهل تعلم كيف تخترقُ هذه الأقمار اللعينة؟»
أدار مؤيد كفَّ يده مشيرًا إلى البروفيسور قائلاً: «يجبْك عن هذا برفيسورنا الفضائيّ.»
أجاب البروفيسور: «رغم الرسالة التي وصلتنا فنحن كخبراء في تكنولوجيا الفضاء لم نستطعْ أن نصلَ إلى طريقة ما ولو نظريّة تمكّنهم من معرفة مكان نفق واحد تحت الأرض بوساطة قمرهم الصناعيّ الذي أخبرنا به أحد رجالنا.»
علق فطين على كلام البرفيسور: «لعلَّ أجسامنا التي تصدر الأشعة تحت الحمراء أو عمليتي الزفير والشهيق في جهازنا التنفسيّ تتسرب فوقنا مباشرة فترصدها مجسات قمرهم هذا.»
دهش البروفيسور مرّة أخرى من علم فطين بفيزياء الفضاء، قال له: «هذا مستبعدٌ يا حاج فطين لعدم تمكّن هذه المجسات من رصْد الأشعّة.»
قال فطين ضاحكًا: «إذن، ممكن لو لديهم كِلابًا مدرّبة تكتشفُ أماكن الألغام أو البارود، أقصد كلاب جان تستطيع أن تشمَّ على بعد عدة أمتار تحت الأرض، ممكن، ممكن.» ضحك فطين طويلاً ثم تابع كلامه ضاحكًا: «ممكن لو علقنا الكلب فوق القمر الصناعيّ وألبسناه بذلة فضائيّة ليعمل كمجس أو تلسكوب فيدور مع القمر ويمسح المناطق المحتمل وجود أنفاق فيها، عندئذ، عندئذٍ يكون كلب من كلاب الجان.» سكت فطين عن الضحك والكلام هنيهة ثم قذفه قائلاً: «بروفيسور، أظنّها حربًا إعلامية، فهم يريدون أن يرعبونا بطريق غير مباشر.»
وضح البروفيسور: «هي كذلك، لكن مؤيد يراها غير ذلك -يقولها وهو يشير إلى مؤيد- وإنّي مختلف معه، ولكن عندما يتعلق الأمر بكيان دولة علينا أن نضع كلَّ الاحتمالات في الحسبان.»
قال فطين:«ما الحل؟»
قال البروفيسور: «الروس.»
قال مؤيد: «الرصاص.»
قال فطين مستفهمًا: «الروس؟ الرصاص؟»
قال البروفيسور: «للأسف لدينا خياران.الأول، الأخذ برأي الروس وشِراء جهازهم الذي لديهم لتجنّب الخطر، والآخر، إحاطة الأنفاق بطبقات مضاعفة من الرصاص.»
قال فطين: «وماذا قرّرتم؟»
أجاب البروفيسور: «إحاطة الأنفاق بطبقات سميكة مِن الرصاص لن يفي بالغرض حال الهجوم، وليس لدينا إلّا اللجوء إلى الروس فيما أشاروا إلينا به، لكنّه خيار مكلّف جدًا جدًا.»
قال فطين: «وهل يعرف الروس طبيعة هذا القمر ليبعونكم هذا الخيار المكلّف؟»
ردّ البروفيسور: «لا، لكنّهم يقولون كلّ شيء جائز، و يقولون مهما كان مِن أمره فإنّ جهازهم قادر على خلْق ستارة ثلاثية قادرة على إذابة كل ما يرتطم بها، وزادوا، العيب الوحيد في الستارة أنّها لا تقوم بعمل تشويش ضد أيّ أجهزة كشف.»
ردَّ فطين: «آه، يقصدون عند كشْفهم وضرْبهم بأيّ سلاح لا يفلحون، لعلّ الروس اخترعوا حقل القوى المتَكَلم عنه في روايات الخيال العلميّ.»
تعجّبَ البروفيسورُ ونظرَ إلى مؤيد وكأنه يقول له: «انظر إلى عبقرية رجلكَ.» ثم قال موجهًا كلامه لفطين: «هو كذلك بالفعل، يقولون إنّ جهازهم قادر على إذابة الصواريخ وحزم الليزر.»
ردَّ فطين: «وضّح كلامك أستاذنا الكبير، أنت تقصد الجهاز الذي يصنع حقل القوى.»
نظر البروفيسورُ في الأرض خجلاً لعدم دقة كلامه وقال: «أنا كنت ضمن المبعوثين إليهم من قبل اتحاد المقاومة لسماع فكرتهم ومدى جدواها والمطلوب في سعره، وأراها لا بأس بها.»
قال فطينُ وهو ينظر إلى مؤيد: «وما دوري أنا، إبداء رأى أمْ م م..؟»
أجاب مؤيد: «لقد قرّرَ الاتحاد الاستعانة بالجهاز لصنْع حقل القوة ونحتاج إلى المال، وأنت مِن أحد الذين قصدناهم.»
قال فطين وهو يحدق في مؤيد: «أنا؟! من أين آتي المال؟» ثمّ نظر إلى البروفيسور قائلاً: «ألَا تستطيعون صُنْع هذا الجهاز ؟»
أجاب البروفيسور: «حاولنا فلمْ نستطعْ، أحضرنا كلَّ خامات حقل القوّة ومزجناهم معًا أكثر مِن مئة مرّة ثمّ ضربناها بطلقة رصاص فاخترقتها، واضح يا فطين أنّ الجهاز يعمل على مزجهم بطريقة وبنسب معينة حتى يعمل حقل القوّة على أكمل وجه.»
علق فطين: «إذن لا مفرَّ، تريدون المال للشراء.» ثمّ وجّه كلامه إلى مؤيد مباشرة: «أنا لا أملك مالاً؛ إن أردتم أخذ الشقة التي تأويني وولدي فلا مانع لديّ.»
ردَّ مؤيد بجموح وهو يحدّق بعينيه في وجه فطين: «السحر، السحر، ألعابك السحريّة، أخبرتْنا عيوننا أنَّ عدد مشاهدينك يتزايد بصورة مخيفة، وأنّ الحيَّ والأحياء المجاورة مفتونون بك، ولو طلبتَ أيَّ سعْر للتذكرة فمنَ الممكن على مدار شهر تحصل على المال الكثير.»
قال فطين: «مستحيل، هم حُفاة عُراة يسكنون جحور النمل، مستحيل.» صمت يأسًا وتدبّر الأمر بعمق ثمّ قال: «لو افترضتُ أنّى فعلتُ ما قلتَ فماذا، فماذا ينفع الحجر الواحد إذا أردنا أن نبني به برجًا كبيرًا.»
قال مؤيد: «عندما يحمل كلٌ منا حجر نستطيع أنْ نبنيه يا فطين.»
صمت فطين هنيهة، وتذكّر وعده لابنه المسكين بشأن سفره، ثمّ همس في نفسه: «والآن العروبة تناديني، فأيّهما أولى؟»
وقت أن همس فطين هذه الكلمة كان فهمان نائمًا في المنزل، فوقع عليه من سقف الحجرة حبال ثلاثة كان يستخدمها أبوه في بعض أعماله، الأول وقع على عنقه، والثاني على يديه، والثالث على قدميه، ثمّ أزاحتهم عواصف شديدة آتية من شرفة الحجرة؛ فالتفّتْ لتوثقه ولكنّها لم تنل منه.
وجّه فطين كلامه إلى مؤيد بعدما استوقفه وهو سائر وأمسك بمنكبيْه: «وأنا قررّتُ أنْ أحملَ ألف ألف حجْر إليكم.»
فأمسكَ مؤيد منكبيّ فطين قائلا: «مصر فيها رجال، طول عمرها فيها رجّالة.»
نظر فطين إلى البروفيسور وقال: «أخبرني ما طلبات الروس ليبعونا جهاز حقل القوة هذا ؟»
قال البروفيسور: «يجب عليك معرفة ماهيته أولاً قبل سعره يا حاج فطين.»
قال فطين موجهًا كلامه للبرفيسور: «حقل القوّة حاجز نحيف غير مرئي لا يخترق، يحرف أشعة الليزر ويذيب الصواريخ، وأيضًا يصدَّ الأعاصير والعواصف ويجرف الطوفان.»
حملق البروفيسور في فطين وتعجب أكثر من شأنه، قال: «إنّ الروس يسمونه “الدرع الإله”و ..»
قاطعه فطينُ بحدّة مشوبة بالامتعاض: «استغفر الله، استغفر الله ليس كمثله شيء.»
بروفيسور متابعًا كلامه: «درع الإله ما هو إلّا ثلاث طبقات، الأولى نافذة بلازما مسخنة إلى درجة حرارة عالية جدًا تصهر المعادن، والطبقة الثانية ستارة من أشعة ليزريّة ذات طاقة ضخمة تسخّن أيّ شيء يمرُّ من خلالها وتبخّره سواء كانت صواريخ أو مدافع، والطبقة الثالثة عبارة عن شاشة مصنوعة من أنابيب كربونيّة نانونيّة أقوى مِن الفولاذ بعدّة مرات، وبهذه الطبقات الثلاث استطاع الروس صنْع “الدرع الإله الذي لا يخترق”.»
قال فطين: «سوف يصلكم المال.»
نظر إلى مؤيد: «كلُّ يومٍ مُرْ علي، خذ ما اتحصّلُ عليه مِن مال.»
قال مؤيد: «فطين أنت معك جهاز لمْ نخبرك به.»
قال فطين: «ليس معي شيئًا.»
قال مؤيد له: «ألمْ تشعر مطلقًا أنّ عقلك تطوّر في الإدراك والفهم والذاكرة و ..الخ.»
ردّ فطين: «أشعر طبعًا وقلت في نفسي إنّ الفلسطينيّ كان عبقريّة مِن عبقريات الزمن.»
ردّ مؤيد:«لا لا، معك خليّة إلكترونيّة قام بروفيسور بيتر بتركيبها في رأسك لتعمل بجانب الخلية الطبيعيّة لأّنا كنّا نودُّ الوقوف بجانبك لتستطيع الإنفاق على ولدك، وأنا كنتُ أتعشّم يومًا أن تنضمَّ إلينا فتكون عندئذٍ فرْد مقاومة خارق. المهم، جاء دورها الآن، ركّزْ تركيزًا شديدًا سوف تُفعّل مباشرة، ركّزْ على ألعابك السحريّة وسوف تأتي بالخوارق بالفعل، ارفعْ التذكرة وقمْ بعمل الدعاية سوف تحصد مالاً كثيرًا، استغلها وسوف يأتونك أصحاب الملايين.»
تذكّرْ عندها فطين يوم أنّ تعرّضَ أهل الحيِّ لولده، فقد نظر إلى عصيّهم فتساقطتْ.
عاجله مؤيد بكلمة يمتصُّ بها وقْْع المفاجأة عليه ويستحثّ وطنيته ونبله: «فطين، رُضّع فلسطين ونسائها وشيوخها يلوذون بك فغثهم.»
رغم دهشة فطين بشأن الرقاقة إلَا أنّه بدأ كلامه قائلاً: «روحي فداء لهم.»
ثمّ تابع كلامه بحدة وسرعة كالقذائف: «لكنّكم لمْ تشاوروني في أمر الخليّة، كما أنّكم أضمرْتم الأمر ولمْ تصارحوني بِه وهذا أغضبني.»
نظر إليه البروفيسور ليهدّئ من روْعِه وقال له: «ِلمَ الغضب؟ الخليّة ليس لها أيّ تأثيرات سلبيّة على عقلك، بل العكس هي تزيدك ذكاءً وفكرًا.» صمت فطين بعد تنهيدة طويلة وسكت ولم ينبس بكلمة وإنما علت وجهه ابتسامة عريضة.
وعندما شعر مؤيد برضا فطين نظر إليه مبتسمًا: «لنرحل إذن.»
بقلمي: ابراهيم امين مؤمن