رؤي وعبر
للكاتب والمفكر أيمن غنيم
في ظل عالم يحكمه المادة. والغلبة فيها للقوة والسلاح والسيطرة فيها للاقتصاد والبورصة والحكم فيها للأباطرة وقادة الجيوش القوية المتفاخرة بسلاحها النووي وآخر بطيارنه وصواريخه وجنوده الفتية وآخر بأسلحته التكنولوجية والبيولوجية. وآخر يفرض الفكر والأيدولوجية بدافع الهيمنة والسيطرة علي العالم والكل يتسابق في دور الريادة والإصطفاف حول مائدة الفرض وإملاء الأحكام لا مائدة الحوار والإلتزام.
وفي ظل حياة يشوبها الغلظة والصلف والجمود والكفر والإلحاد والجحود و العلمانية والفجور تدعم النفور ومنحت العاصين والمتجبريين أحاسيس الغرور وطفقت حياتنا غابة يأكل فيها القوي الضعيف ويباغت الشر الخير وتعلو الرذائل علي الفضائل وتنتكس الأعلام وتعلو الأحكام وتنطفئ قناديل التقوي وتتهاوي أواصرها . وتخبو معايير الصدق فيها وننتهج الكذب والغش والخداع فقل علي الدنيا وداع . وأصبحت
الحياة خاوية من الحب والعاطفة الإنسانية التي تهذب النفوس وتدعم السلوك السوي تجاه بعضنا البعض واصبحت معاول الهدم كثيرة وأدوات الفجور تصنع الجريمة فأين تكون الحياة الكريمة
ليس هذا في بلد دون آخر إنما اجتاحت ربوع العالم. واصبح الدين عبئا علي أهله وصار التشريع قيد علي معتنقيه وأخذ الجمع التحرر نهجه والإنصياع للفساد والتردي أسلوبه والإنفلات والإعوجاج عن الاستقامة مسلكه وباتت الحياة في المجتمعات نيران تعصف بأفرادها وبين الدول بعضها البعض حروبا تقصف شعوبها وتهدد أمنها وعاودنا التخلف رغم الرقي الزائف.وصار من يسعد حتي بنصره خائف.
فكان لابد وأن يعيدنا الله إلي مرمي السكينة والهدوء والتريث واللجوء. والإرتقاء بالنفس لا بالنشوء . وكان لابد أن نتوقف عن صيرورة الحياة الغوغائية ونتوقف عن معتقداتنا الدنيوية. ونتأمل كيف كنا؟ وكيف أصبحنا؟ وكيف ينبغي علينا أن نكون؟
فتلك الوقفة ماهي إلا انذار يدق بأجراسه كي يصحو الغافلمن غفلته ويتوقف المجرم عن جريمته ويستفيق المخمور من سكرته وتتحرر الدول من فلسفتها العقيمة وايدولوجياتها المقحفة وتستنير الأفق بنور ربها وتعلو الحكمة في نهجنا وتطفو السماحة علي سلوكنا ونعهد الجمال ونتخلي عن التفاهات والانشغال. ونعود إلي حضن الوطن متحابين بعضنا البعض ونتسابق في الخير ونتعاون يد بيد. ونسلك الدين لا نتفوه به زيفا ونصارع الشر فينا ونطهر نفوسنا من الحقد والضغينة فجميعنا راحلون ولا يبقي منا سوي ما نعهده حبا في الله ولله.
نعم لقد جاء هذا الفيرس ليعيدنا إلي رحاب الله ومعيته. لنتبع الحبيب وسنته. ونمتعض عن شيطان الإنس وصحبته. فعادت بنا الكورونا إلي الألفة والحميمية بين أهالينا ومحبينا وأدركنا أننا بالإمكان إخضاع الحياة برمتها إلي مقوماتنا نحن إلي متجاهاتنا الصائبة. وإلي التقوقع حول الذات وإدراك ماهيتها والعزوف عن ما يؤرقها والبعد عن ما يفسد برائتها والقرب إلي ما يدعم الخير فيها.
ولتعي الدول أن القوة ليس بالسلاح ولا بالهيمنة الاقتصادية والسيطرة التكنولوجية أو تعدد الايدولوجية. إنما هي الشمولية الأخلاقية في تبني أواصر الانسانية والدفاع عنها مهما اختلفت الأديان أو تبدلت الأزمان فهي هي الآن مكمن الأمان.
فإهرعوا إلي مناسك العلم وانشروا السلام حيث الكرامة فيه فلا مهانة ولا خضوع ولا إذعان. ولنلتف جميعا حول مائدة الإيمان بمقدراتنا وآمالنا وإسعادنا بيد الرفاهية و النماء فالحياة ليست حكرا لأحد ضد احد. الحياة تتسع للجميع
ونحن كأفراد موحدين ومؤمنين بالله لابد من وعي الدرس وتفهم المعادلة الإلهية والهدية الربانية للعودة من جديد إلي رحاب الله.
فاجعلوها بداية للتحرر من عبودية الدنيا وما فيها. واجعلوها بداية للانطلاقة في فضاء رحب يتسع للجميع بالحب والايخاء. والتسامح والوفاء. واجعلوها بداية للتعافي والنقاء فجرم النفس للنفس أشد أنواع البلاء
حفظكم الرحمن وأنار دربكم بنور القرآن
رؤية فلسفية للكاتب أيمن غنيم