للدكتور حسن عبد العال كلية التربية جامعة طنطا فى شهر ديسمبر من. كل عام يحتفل العالم بيوم اللغة العربية ، وان كان الاحتفال تقوم به الدول العربية وحدها ، وليس العالم كما يزعمون ، وفى بلدى مصر لا أشاهد من مظاهر هذا الاحتفال باللغة إلا مايقيمه مجمع اللغة العربية فى مصر من احتفالية يحضرها علماء اللغة والمختصون لمناقشة قضايا اللغة ومشكلاتها
وفى هذا العام قرات عشرات المقالات التى تناولت اللغة العربية وخصائصها وتميزها عن غيرها من لغات العالم ، واعتراف الأمم المتحدة بها احدى اللغات الحية التى ينطق بها ملايين البشر ، وقليل مماكتب كان عن مستقبلها فى العالم الرقمي ، وقضايا التعريب وغيرها وغيرها ، لكننى لاحظت ان كثيرا من المقالات التى تناولتها كانت عما تعانيه من إهمال أهلها ومزاحمة اللغات الأجنبية لها فى عقر دارها ، وما يتوعدنا المستقبل فيما يتعلق بلغتنا العربية من تراجع خطوها
وللحق فكثير من كتابنا المهتمين بشأن اللغة العربية يجترون فى كل عام مواجعها وآلامها وكيف تضطهد على ارضها ومن بنيها مما يستجلب الشجن ويدعو إلى الألم ، من ذلك مقال الكاتبة بسمة عبد العزيز التى طرحت أمرا فى غاية الخطورة وهو موقف الدولة من حماية اللغة العربية والمحافظة عليها . والتى ذهبت فيه الى ان فكرة المحافظة على اللغة العربية وحمايتها لا تلقى ترحيبا من الدولة على ما يبدو ، اذ هى اول من يجافي الأحرف ويضطهدها ، فتستخدم الدولة فى إعلاناتها وعناوين مشروعاتها وعلى لسان كبرائها ألفاظا اجنبية اغلبها من قاموس الإنجليزية ، بينما تبالغ فى استبعاد العربية وتعمد إلى إقصائها عن المجال العام ، وكأنها عار ينبغى محوه إننا نجد مسميات بغير لغتنا الرسمية على راس المجمعات الاستهلاكيةوالأسواق التجارية ، كما نجد ألفاظا من الإيطالية والفرنسية لمنتجعات ترفيهية ولعديد من المدن الجديدة ، وكلها تخضع بصورة مباشرة للدولة .
وعلى صعيد اكثر إيلاما ينتهى شباب كثر من دراستهم الجامعية ويرتكبون من الأخطاء الإملائية ما يهين واللوم – كما تقول -لا يقع عليهم إنما على منظومةضحلة تختلط فيها الأولويات وينزلق الرأس منها مكان الذيل ؛ منظومةتولى اهتمامها على سبيل المثال لا الحصر ، لجهاز أصم وتظن فيه الكفاية وتعلنه أية من آيات التقدم والتطوير ، وتتناسى ان العقل الذى لا يعرف باى لغة يفكر يصعب عليه إنتاج معرفة حقة مهمااكتسب من مهارات التكنولوجيا الحديثة .
وعلى الرغم من ان مجلس النواب المصري يصدر قوانين عدة فى لمح البصر رغم خطورة محتواها وجدية تبعاتها ، فان قانون حماية اللغة العربية الذى أعده مجمع اللغة العربيةالمصرى قابع فى قرار مكين وباق فى ادراج المجلس لم يخرج منها ، وحتى الان رغم مرور سنوات لم يخضع القانون لمداولة موسعة لم يخضع لمناقشة مستحقة فى نطاق المجتمع ولم تفرد له مساحات إعلامية توفيه أهميته ، بينما اللغة فى انحدار مستمر وعداء مستحكم تجاهها ، واستخدام الأجنبي من الكلمات صار عند العوام قاعدة لا استثناء
فى كل احتفالية يتكرر قول القائلين ان اللغة وعاء الفكر وأنها لسان حال الأمة ، وان الشعوب التى تفقد لغتها لا تفقد فقط اداة التعبير الرئيسة عن نفسها ، بل وتفقد القدرة على التفكير السليم وعلى احراز تقدم مقبول
كثير أوليك الزعماء الذين تركوا اثرا كانوا فصحاء يملكون قوة البيان وسلامته ، أما اليوم فنادرا من لا يخطىء إذا قرا من ورقة وأكثر ندرة من يرتجل فلا يسقط فى فاحش العثرات .
فى إهمال اللغة ما يشين وفى الاعتداء عليها ما يستوجب الحساب ، وقد سبقتنا إلى اقرار ضوابط لحماية اللغة دول عديدة تدرك أهمية ذلك منها الأوروبي ومنهاجيران فى الموقع الجغرافي ، لم يشعر احد هؤلاء بان فى الاحتفاظ بلسانه قويا عفيا طليقا إهانة أو إساءة فالعكس هو الصحيح ، وعجز المتكلمين عن النطق الصحيح واستعانة البعض بكلمات من لغة أخرى ليس دليلاعلى المستوى الطبقى الرفيع ، بل على فكر سطحى .