للأستاذ الدكتور حسن عبد العال كلية التربية جامعة طنطا … تنقل خطواتك متجها إلى شاطىء الفلسفة والفلاسفة وقبل أن تغوص فى الأعماق ، يدهشك براعتهم وقدرتهم على تفكيك العالم وإعادة تركيبه مرة أخرى ، بإيداع وجرأة ورؤية تتسم بالشمول . أقول ذلك وبين يدى كتاب للفيلسوف الفرنسي ” روجيه جارودى ” وانا حريص منذ زمن على قراءة ما ترجم من اعماله إلى العربية ، واحمل له بين حنايا الصدر وزوايا العقل عشقا لأفكاره ، وتقديرا يفوق الوصف لمبادئه التى يتمسك بها ويدفع فى سبيل ذلك الكثير ، وهو صاحب مواقف إنسانية مبهرة ، ويكفيك إعجابا به دفاعه عن الحق فى جرأة لا تتوفر لدى الكثيرين ، يكفيك أن تتذكر أنه كتب الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية ، ودفع ثمنا باهظا وحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ بتهمة معاداة السامية ، كما يكفيك فى تقدير مواقفه العظيمة انقلابه على الشيوعية التى أمن بها ردحا من الزمن ، لانها تحولت فى رأيه إلى دين له سطوة ومريدون . ومن هنا جاء اشهار إسلامه انحيازا للوسطية ، ولمعجزة التوازن بين الروح والمادة . ونتيجة لذلك تعرض للهجوم والنقد من السياسيين الذين كانوا يروجون للاسلاموفوبيا والترهيب من الاسلام لخدمة مصالح سياسية .
لقد سبح الفيلسوف الفرنسى جارودى ضد التيار ونال ما نال من مشقة وعنت لكنه ظل على مبادئه .
ويبدو أن قدر الفيلسوف دائما هو أن يسبح ضد التيار ، ويحاول ما استطاع إصلاح العالم مهما كان الثمن .
وعادة ما يبدى الفلاسفة خوفا من الاستغراق فى تفاصيل الحياة اليومية فيتحول الفيلسوف إلى محلل أو مفسر للوقائع والحوادث الأمر الذى قد يحول دون القدرة الكاملة على التنظير وطرح . والرؤى الكلية والعامة .
وربما كان هذ التخوف هو ما يفسر إختلاف وجهات النظر بين الفلاسفة فهناك من عاش رأهبا فى محراب الفلسفة مثل جان بول سارتر وهناك من نزل بالفلسفة إلى عالم الصحافة محاولا التأثير الواسع فى الجماهير مثل ريمون أرون وقد فعل ذلك فى مصر وعالمنا العربى زكى نجيب محمود وفؤاد زكريا ، وفعل ذلك أيضا أنيس منصور الذى طوع الصحافة لعرض أفكاره الفلسفية ، وقد كان تأثير نجيب وزكريا ومنصور كبيرا فى الحراك الإنسانى فى مصر والمحيط العربى .
ان عالمنا عالم الحداثة وما بعد الحداثة يرى الكثيرون أن مشكلته هى التفتييت والتخصص الدقيق فى زمن النانو ، وهو لذلك عالم مبعثر يحتاج إلى من يستطيع تجميعه مرة أخرى . وهنا تأتى الفلسفة ويأتى دور الفيلسوف . وفى هذا الإطار ولهذه المهمة يشير البعض إلى الفيلسوف الألمانى المعاصر هابرماس ،ذلك الفيلسوف الذى صك مصطلح ” العقلنة التواصلية ” فى مقابل ” العقلية الأداتية ” ، وكأنها دعوة إلى سيسولوجيا المعرفة ، إلى أن تصبح المعرفة الإنسانية اجتماعية ، وألا تصيبنا الجداثة وما بعد الحداثة بأمراض التوحد والأنانية ، وما يتبعها من ممارسات الاستعلاء والانعزالية والعنصرية مما يهدد النسيج الاجتماعى بقوة .
وإذا جاز لنا أن نسأل : كيف تساعد الفلسفة الإنسان على العقلنة والتواصل والحفاظ على كينونيته فى آن واحد ؟ قال الباحثون : ان الفيلسوف ايمانويل كانط قد أجاب عن هذا السؤال بقوله : أسمع أصواتا من كل مكان ، رجل الدين يقول لى لا تفكر بل أمن ورجل الاقتصاذ يقول لى لا تفكر بل أدفع ورجل السياسة يقول لى لا تفكر بل نفذ . أما أنا فلا أعلمك فلسفة الفلاسفة ولكنى أعلمك كيف تتفلسف ، يقصد كيف تظرح الأسئلة باستمرار وتكون لديك عقلية نقدية تساعدك على فهم العالم والناس من حولك .