رأي رسول الله في المنام وبشر السادات بالنصر…أيام من حياة الإمام الأكبر الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر

 

كتب-محمود مسلم
ونبيل السيد سليمان

ولد مولانا بقرية أبو أحمد التي تسمي الآن قرية “السلام” بمركز ببلبيس محافظة الشرقية، وفي الثاني عشر من مايو ١٩١٢، من أسرة تشير المصادر التاريخية إلي انتهاء نسبها إلي سيدنا الإمام الحسين رضي ﷲ عنه، حفيد النبي صلى ﷲ عليه وسلم.
ليلتحق بالأزهر الشريف في ربيعه الحادي عشر عام ١٩٢٣ بعدما اتم حفظ القرآن الكريم في تلك السن المبكرة. ونال درجة الثانوية الأزهرية عام ١٩٢٨.
وفي عام ١٩٣٢ يحصل علي درجة العالمية من الأزهر والتي تعادل شهادات جامعة الأزهر حاليا، لكن حبه للعلم دفعه للسفر إلي فرنسا ليحصل علي درجة الدكتوراه في الفلسفة عام ١٩٤٠. (يتشابه مع شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب الحاصل علي الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون الفرنسية).
عاد الدكتور عبد الحليم محمود استاذا لعلم النفس في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر الشريف، ثم استاذا للفلسفة فعميدا لكلية (أصول الدين) عام ١٩٦٤، كما كان عضوا في مجمع البحوث الإسلامية ثم أمينا له، ثم نقل ليشغل منصب وكيل الأزهر عام ١٩٧٠ ثم وزيرا للأوقاف وشئون الأزهر.
ولقد انتدب الإمام في (جامعة الزيتونة) في الجمهورية التونسية وهو ثاني أشهر الجوامع الإسلامية في أفريقيا بعد الأزهر الشريف. كما انتدب في جامعات في الفلبين وإندونيسيا وباكستان والسودان وماليزيا وقطر والكويت والإمارات ويوغسلافيا والهند ولندن بمهام ومسئوليات مختلفة.
تفعيل مجمع البحوث الإسلامية:
هكان ذلك من نشاط الشيخ عبد الحليم محمود كأمينا عاما للمجمع قبل أن يتولي منصب شيخ الأزهر، وعندما تولاه وجد (مجمع البحوث الإسلامية) لم يغادر بعد نصوص القانون.
بدأ الشيخ في عقد اجتماعات المجلس بصورة مستمرة، ثم نجح في الحصول علي تخصيص بقطعة أرض واسعة بمدينة نصر انشأ المجمع فيها.
وزيرا للأوقاف:
عمل العارف باللّه الإمام عبد الحليم محمود كوزير للأوقاف وشئون الأزهر ، وخلال عهده في الوزارة شهدت مصر نهضة ونشاط كبير في بناء وترميم واصلاح المساجد. وبلغت عدد المساجد الجديدة في عهدة ألفا وخمس مائة مسجد، وانشأ ألف حلقة لتحفيظ القرآن الكريم.
لم يكتفي الإمام العارف باللّه بعمارة المساجد، بل كان حريصا أيضا علي أموال الأوقاف فأسترد مساحات واسعة من أراضي الأوقاف كانت قد اعطيت للإصلاح الزراعي لادارتها واعطاء ريع الأرض للأوقاف. لكن العائد كان قليل للغاية ما حداه بإثارة ذلك الملف واسترداد الأرض.
كما قام الشيخ بإنشاء وزارة الأوقاف في دولة العراق الشقيقة ونظمها ووضع أسس عملها وأساليبها.

شيخ الأزهر:
هو شيخ الأزهر الشريف بين عامي ١٩٧٣ : ١٩٧٨، وبالتحديد من ٢٧ مارس ١٩٧٤، ومنذ ذلك التاريخ حتى توفي لم يتوقف لحظة عن خوض المعارك من أجل الأزهر ومن قبله الإسلام.
جلس الرجل علي كرسي شيخ الأزهر الذي احيل للتأديب بسبب مذكرة كتبها وهو استاذا في الجامعة بعنوان (الأزهر في طور الاحتضار) ينتقد فيها أحوال أهم وأقدم جامعة إسلامية داعيا لاصلاحها، وها هو اليوم شيخها في مرحلة ستكون حاسمة بين الموت وبين إعادة الإحياء.
حرب أكتوبر:
كان الإمام الأكبر عبد الحليم محمود أحد الناشطين بشدة في زيارات الجبهة واللقاء مع الجنود والضباط واعطائهم دروس دينية عن فضل الجهاد والقتال في سبيل ﷲ.
ولكن الرجل ارتبط بحرب أكتوبر برؤية شريفة، رأي فيها مقام النبي الأكرم محمد صلى ﷲ عليه وسلم يعبر قناة السويس ومن خلفه جيش مصر.
فأبشر شيخ الأزهر حينما استيقظ برؤيته الحق، وعلم أن تفسيرها أن جيش مصر سيعبر القناة إلي سيناء منتصرا، فطار فرحا يزف البشري إلي الرئيس السادات في الثالث من أكتوبر ١٩٧٣ أي قبل الحرب بثلاثة أيام فقط. واستبشر الرئيس السادات بالرؤية واعتبرها بشارة خير لتطمئن القلوب في تلك اللحظات من عمر الوطن.
ولقد قص هذه الرؤية أكثر من مصدر منهم الدكتور أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف، والدكتور محمود جامع طبيب الرئيس السادات الشخصي.
وفي كتابه “حروب مصر المعاصرة في أوراق قائد ميداني” المنشور في القاهرة عام ١٩٩٠، يحكي الفريق (عبد المنعم خليل) قائد الجيش الثاني في حرب أكتوبر المجيدة زيارة شيخ الأزهر لمواقع القتال عقب وقف إطلاق النار، فيقول أن الإمام سأله: هل حدث في الحرب أمور غير تقليدية؟.
فأجابه الفريق خليل: قلوب العارفين لها عيون، تري ما لا يراه الناظرينا.

فنظر إليه شيخ الأزهر وقال: صدقت.
استقالة هزت مصر:
السابع من يوليو ١٩٧٤، صدر من رئيس جمهورية مصر العربية محمد أنور السادات قرارا جمهوريا.
كان القرار قاسيا، لقد جرد شيخ الأزهر من كافه اختصاصاته تقريبا واعطاها لوزير الأوقاف. كان ذلك تفريغا لمنصب أهم شيخ في العالم الإسلامي من مضمونه.
ما إن قرأ الإمام عبد الحليم محمود قرار السادات، حتى قرر هو بدوره الاستقالة فورا عن منصبه كشيخ الأزهر.
تدخل الكثير من المسئولين لاثناء الرجل عن استقالته، لكنه تمسك بموقفه صلبا دفاعا عن الأزهرا… فمكث في منزله ورفض استلام مرتبه. بل إن أحد المحامين انضم له ورفع دعوى قضائية ضد رئيس الجمهورية ووزير الأوقاف بصفتيهما مطالبا بالغاء قرار رئيس الجمهورية بشأن شيخ الأزهر. كما كان لخبر الاستقالة صداه الواسع في الدول العربية والإسلامية.
كان موقف الشيخ دفاعا عن الأزهر ومكانته وقدرة مصر علي استغلالها، لا عن نفسه، إذ أنه زاهد في الامر كله.
في النهاية، لم يجد الرئيس السادات مفر من إعادة الأمور إلي نصابها بل وزاد عليها أن شيخ الأزهر له الريادة في كل ما يتعلق بشئون الإسلام، فرفع شيخ الأزهر فوق منصب وزير الأوقاف. ودعاه لزيارة ودية لقريته في (ميت أبو الكوم) بمحافظة المنوفية لتلطيف الأجواء.
وعلي ما يبدو ترك هذا الموقف اثره في رئاسة الجمهورية، فبعد وفاة الشيخ صدر قرار جمهوري بمساواة منصب شيخ الأزهر بمنصب رئيس مجلس الوزراء.

توسعة نشاط الأزهر التعليمي:
من أبرز ما انجزه الشيخ عبد الحليم محمود أن اعاد بناء المعاهد الأزهرية في أنحاء مصر، فعاد الناس يلحقون بها أولادهم من جديد، بعدما احجموا نتيجة بعد تلك المعاهد عن منازلهم وقرب المدارس العادية منها.
معركة قانون الأحوال الشخصية:
في تلك الفترة، ودون الرجوع للأزهر الشريف تم اعداد قانون جديد للأحوال الشخصية بعيدا عن الشريعة الإسلامية.
اطلق الشارع المصري علي هذا القانون اسم (قانون جيهان) إشارة إلي السيدة جيهان السادات قرينة الرئيس السادات التي كانت وراء اعداده، وتولت الوزيرة (عائشة راتب) وزيرة التأمينات والتضامن الاجتماعي مسئولية عرضه علي مجلس الشعب.
كان للإمام عبد الحليم محمود موقفا شجاعا وثابتا لا يتزحزح، إذ كتب بيانه المشهور من الأزهر الشريف برفض هذا القانون الذي تضمن قيودا تصل لحد منع الطلاق ومنع التعدد.
قام الإمام بتوزيع البيان علي أعضاء مجلس الشعب جميعهم، وعلي جميع الصحف اليومية التي تم منعها من نشره، وبسبب موقف الإمام تم وأد هذا المشروع في مهده قبل أن يري النور.

الأزمة المغربية – الجزائرية:
وهي الازمة المستمرة بين البلدين حتى يومنا هذا، وفي زمن الإمام حدثت مناوشات عسكرية بين البلدين وسرعان ما بدأت حدتها في التصاعد، وكانت الامور تنذر باندلاع حربا شاملة.
قام شيخ الأزهر الشريف الإمام عبد الحليم محمود بإرسال برقيتين واحدة للرئيس الجزائري والثانية لملك المغرب يحذرهما من عظم حرمة الدماء، ويدعوهما للتغلب علي عوامب الشقاق والنزاع واللجوء لحول سلمية.
كما أرسل برقية للرئيس السادات وللملك السعودي (خالد بن عبد العزيز)، يدعوهما للتدخل لوقف القتال. وحل الأزمة، وبالفعل أرسل الرئيس السادات نائبه وقتها (حسني مبارك) وبفضل ﷲ تم وقف القتال بين البلدين.

مع كارتر:
للشيخ زيارة شهيرة للولايات المتحدة، التقاه فيها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية حينها “جيمي كارتر”، كما القي خطبة في الكونجرس الأمريكي وكان بصحبته الشيخ الحصري الذي قام بالإذان داخل الكونجرس، ونتيجة لزيارتهما تم تخصيص غرفة واسعة في مبني الكونجرس لصلاة المسلمين.
بيع ميراثه:
كان للعارف باللّه الإمام عبد الحليم محمود موقفا يستغربه الكثيرون عندما باع أرضه التي يملكها من ميراثه عن أبيه.
إذ تصدق بكامل ثمنها لأحد الفقراء الذي تأكد من احتياجه الشديد للمال وأن والده طريح الفراش، رغم أن شيخ الأزهر كان قد باع تلك الارض ليشتري شقة تمليك في القاهرة بدلا من شقته الإيجار، وظل حتى توفي يستأجر شقة لا ملك له.

مؤلفاته:
للشيخ أكثر من 60 مؤلفا في التصوف والفلسفة، بعضها بالفرنسية، من أشهر كتبه: “أوروبا والإسلام”، و”التوحيد الخالص “أو “الإسلام والعقل”، و”أسرار العبادات في الإسلام”، و”التفكير الفلسفي في الإسلام”، و”القرآن والنبي”، و”المدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي”.

الرحيل:
ختم الإمام عبد الحليم محمود حياته برحلة كبيرة وشاقة في أرجاء العالم الإسلامي استقبله فيها رؤساء وملوك الدول التي زارها بحفاوة كبيرة، واحتشد مواطنيها في الشوارع ترحيبا بالعارف باللّه.
زار الإمام الهند وباكستان وماليزيا وإيران والمغرب، ثم انعطف إلي السعودية في موسم الحج فأدي الفريضة، لكنه عندما عاد لمصر شعر بآلام شديدة بعد عودته من الأراضي المقدسة فأجرى عملية جراحية ثم توفي ليلقي ربه صباح الثلاثاء ١٧ أكتوبر ١٩٧٨.

Related posts

Leave a Comment