بقلم ✍️: هاجر عبدالله عبدالحكيم.
لم يكن فتح مصر على يد الصحابي الجليل عمرو بن العاص حدثا مهما لمصر واهلها فقط ، بل كان مهماً لدوله الاسلام بأكملها ولكن هذا الامر بطبيعته مهم للمسلمين في هذه الدوله ، فقد كان فتح مصر هو طريق عبور الاسلام اليهم وهو من اعظم النعم التي انعم الله بها علينا واهدانا للإسلام……
” مصر والغزوات “
حب الوطن من الإيمان وكل إنسان عليه أن يفخر ببلاده وقد يشعر الإنسان المصري أنه أحق الناس بذلك ، مصر لها حضارة اغريفيه أثبتت في نفوس أهلها ، وهي أعظم البلاد لما ابتكره الإنسان المصري القديم أن يكتب عن اللغه والأدب والجغرافيا التاريخ والفلسفه والاحياء والكيمياء ، فمصر كما قال هيردوت ” هبه النيل ” وهي الارض الطيبه الذكيه التي يجري لها عذبا سلسبيلا .
– كان نوع الغزوات التي دخلت مصر في الفتح الاسلامي كثيرة ومن هذه الغزوات :
اولا : الهكسوس سنه 1650-1542ق.م :
هي اول الغزوات التي دخلت مصر وهو جيش غير معروف اصله ، وصفوا بأنهم الرعاه و قيل عنهم العمالقه وقيل اصلهم من وسط آسيا ، وقيل كانوا من جزيرة العرب .
وحضره نبي الله يوسف ابن يعقوب عليه السلام في عهدهم وكان العزيز وإمراته الذين جاءوا في القران من الهكسوس .
اين مقر الهكسوس أو موقعهم ؟؟
انصبوا الى حوض دجله والفرات ثم الى الشام فاستقروا بها فتره ثم جاءو الى مصر بغربهم في ذلك انها كانت تمر بفتره انحلال وتدهور ،واجتازو سيناء ثم انصبت جيوشهم على دلتا مصر فجأه فاستولوا عليها دون معارك واستقروا في شرق الدلتا ، وجاءو لتخريب البلاد ولكي يعيثون فيها فسادا لذلك سموا اهلها ” الخسف والهوان ” .
ظل هذا البلاء حتى حوالي 1570ق.م ، حيث بدأت حرب التحرير من طيبه على يد ” سقن رع ” الذي قتل في الحرب فخلفه ابنه ” كامس” وقتل أيضا ، وخلفه اخوه “احمس “حتى استطاع ان يحاصر ” اواريس” حتى سقطت فطارد الهكسوس الى داخل فلسطين وتخلصت مصر منهم .
ثانياً : حملة قمبيز بن قورش :
كان غزو قمبيز لمصر عام 525ق.م من اسوء الغزوات التي تعرضت لها البلاد عدي قمبيز لحملته كل ما استطاع من جيش ومالا فجعله فلسطين قاعده تحركه نحو مصر ، كما اكتسب ولاء اليهود الذين كانوا في جيش مصر .
ومات فرعون بمصر ( امازيس ) وارتقي العرش بهذا ابنه ابسماتيك الثالث قبيل الغزو مباشره، وسار قمبيز بجيشه من غزه كما تحرك اسطوله من عكا وكانت وجهته الفرما وهذا يعني ان قمبيز سلك نفس طريق عمرو بن العاص واراد ايضا ان يواصل غزوه الى النوبه ولكنه هزم ومات في الطريق عام 522ق.م وقيل إنه انتحر .
ثالثا : الفرس في فتح مصر ..
في عام 341ق .م وجه الفرس حمله اخرى على مصر برا وبحرا واستطاعت أن تحتل مصر حتي غزاها الاسكندر الاكبر .
رابعا : حمله الاسكندر الاكبر …
خرجوا بجيشه من اليونان الى شرق حتى عبر الدردنيل، ثم اشتبك مع الفرس عند نهر جرانيق الذي يصب في بحر مرمره وهزمهم سنه 334ق.م واجتاز هضبه الاناضول الى خليجي الاسكندريه حيث هزم الفرس هزيمه ساحقه في ابسوس وفر “دارا الثالث ” ملك الفرس الي بابل ، وبعد ذلك سار الاسكندر جنوبا ففتح بلاد الشام حتى وصل الى مصر في جيشه 40الفا واسطوله يبحر بحذائه في البحر وسار من غزة الفرما ثم الى منف وهذا نفس طريق قمبيز من قبل وعمرو بن العاص من بعد .
انشاء مدينه الاسكندريه ثم سار غربا حتى سيوه وعاد الى منف ثم غادره مصر في ربيعة331ق.م ليوصل فتوحاته وتوفى الاسكندر بالملاريا في 13يونيه عام 323ق.م
خامسا : الرومان في مصر ….
كانت مصر محتلةً من الرومان منذ هزيمة كليوباترا على يد أوكتافيوس سنة 31 قبل الميلاد، وعندما سقطت الدولة الرومانية الغربية سنة 476 ميلادية (أي قبل ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم بحوالي مائة عام) آلَت أملاك الدولة الرومانية الغربية -ومنها مصر- إلى الدولة الرومانية الشرقية.
وهكذا تحولَّت مصر في عهود الرومان إلى مخزن يمدُّ الإمبراطورية الرومانية باحتياجاتها من الغذاء، وفقد المصريون السلطة بكاملها في بلادهم، وإن كان الرومان قد حرصوا على أن يتركوا بعض الرموز المصرية كصورة فقط؛ وذلك لتجنُّب ثورة الشعب.
وتمَّ فرض الضرائب الباهظة جدًّا بمختلف أنواعها على الشعب المعدم، حتى تجاوزت الضرائب الأحياء -في سابقة تاريخية- إلى الأموات، فلم يكن يُسمح بدفن الميت إلا بعد دفع ضريبة معينة! وتتبع الرومان قادة الأقباط المصريين بالقتل والتعذيب، حتى اضطروهم إلى الهرب إلى الصحراء، وإقامة أماكن عبادتهم في مناطق نائية أو مهجورة؛ وذلك حفاظًا على حياة مَنْ تبقى منهم .
“الحالة الدينية في مصر”
بدأت المسيحية في الانتشار والتغلغل داخل المجتمع المصري منذ عهد الإمبراطور الروماني نيرون، وذلك على يد القديس مرقس، لكن المصريين المسيحيين -وهم أقلية في مجتمع الدولة الرومانية الكبير- كانوا يُعَامَلون بقسوة شديدة من قِبَلِ الرومان المخالفين لهم في العقيدة، شأنهم في ذلك شأن بقية المسيحيين في الأقاليم الأخرى.
ولكن أعظم ابتلاءٍ وأشدَّه نزل بمسيحيي مصر كان على يد الإمبراطور دقلديانوس الذي تولَّى عرش الإمبراطورية الرومانية عام 284م، فقد طالبَ المصريين أن يضعوه موضع الألوهية؛ ليضمن حياته واستمرارية ملكه، بَيْد أن مسيحيي مصر قاوموه مقاومة كبيرة، فاضطهدهم وعذَّبهم، وأمر بهدم جميع الكنائس وتسويتها بالأرض، وإعدام كل مَنْ يشارك في اجتماعات دينية، ومصادرة كل أملاك المسيحيين وكنائسهم، مع الحرمان من كافَّة الحقوق الوطنية، والطرد من الوظائف الحكومية، وحرق كل الكتب المقدَّسة، هذا فضلاً عن القبض على الآلاف، والتعذيب حتى الموت.
وقد ترك عصر دقلديانوس أثرًا كبيرًا في نفوس الأقباط، حتى إنهم سمَّوْه بعصر الشهداء، وجعلوا مبدأ تقويم هذا العصر (سنة 284م)؛ يحسبون منه السنين والأيام، وقد بقي المسيحيون في اضطهاد وتعذيب حتى تولَّى الإمبراطور قسطنطين حُكْم الدولة، الذي جعل النصرانية الديانة الرسمية للدولة وذلك في عام 313م، إثر إصدار مرسوم ميلانو.
وعلى الرغم من انتحال الإمبراطورية الرومانية للنصرانية؛ فإن ذلك لم يُخَلِّص مصر من الانحطاط والبؤس والشقاء، فقد امتدَّت الخلافات العميقة داخل الدولة الرومانية الأرثوذكسية بين طائفة الملكانية -التي كانت تعتقد بازدواجية طبيعة المسيح، التي كانت تمثِّلها السُّلطة السياسية في القسطنطينية- وطائفة المنوفيسية (اليعقوبية) وهم أهل مصر والحبشة الذين كانوا يعتقدون بطبيعة إلهية واحدة للمسيح؛ لذلك فكَّر هرقل بعد انتصاره على الفرس في توحيد المذاهب المسيحية كلها، وعقد لهذا مَجْمَع خلقدونية، فأقرَّ البطارقة الذين يمثِّلون شتى المذاهب المسيحية مذهبًا واحدًا في ذلك المجمع؛ وهو الإقرار بألوهية المسيح وبشريته في آنٍ واحد، ومساواة الابن مع الأب في الذات والجوهر، وأراد فرض هذا المذهب على المسيحيين في مصر عن طريق أحد البطارقة ويُدعى قيرس.
لكن أهل مصر كانوا شديدي الحب لبنيامين -كبير أساقفة مصر- الذي كان شديد التعصب لمذهب اليعاقبة المخالف لما دان به هرقل، وما كاد قيرس يحطُّ رحاله في الإسكندرية في عام 631م إلاَّ وقد فرَّ بنيامين – خوفًا من بطشه؛ لذلك رأى المصريون أن ما يدعو إليه قيرس ما هو إلاَّ بدعة وكفر وضلال (لأن بنيامين أنكره ولم يدعمه)، الأمر الذي جعل قيرس يلجأ إلى الشدَّة والبطش والتعذيب، ووقع الاضطهاد الأعظم الذي استمرَّ على الأقلية المسيحية المصرية مدَّة عشر سنوات كاملة، حتى جاء الفتح الإسلامي….
” مسيرة الفتح الإسلامي في مصر”
بعد أن تم فتح بيت المقدس كانت قد اكتملت في ذهن عمرو بن العاص فكرة الانطلاق الي فتح مصر ، ويدفعه الي ذلك عدة أمور :
(1) أن مصر كالشام ولايه من توابع الامبراطوريه البيزنطية، بل من أهم الولايات في تأثيرها الاستراتيجي والاقتصادي .
(2) أن ارطبون حاكم بيت المقدس من قبل الروم كان قد فر إلى مصر عازما على أن يجمع جنود الروم للوقوف في وجه المسلمين ، وتعويض مالم يتم إنقاذه من بيت المقدس.
(3) أن المسلمين كانوا مدفوعين في فتوحاتهم بجدب بيئتهم العربية وفقرها ، فاعتمدوا على فروسيتهم ومهارتهم الحربيه في انتهاب خيرات البلدان توجهوا إليها بالفتح.
وبهذا اقبل عمرو بن العاص من العريش حتي نزل بالفرما واحتلها بعد شهر من الحصار ثم غادرها مارا بالشرقيه ، حتي إذا كان ببلبيس عسكر بها وجاءته وفادة من قبل المقوقس عليها اثنان من القساوسة وامهلها اربعه ايام ، كما هي عادة المسلمين في الصبر على الشعوب التي ينزلون عليها وتخييرهم وذكرهم بالقرابه بينهم وبين المسلمين والتي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة ، وهي إما الإسلام أو الجزية أو القتال، وفرح المقوقس بعوده رسله ،اذ كان قد خاف عندما حبسهم عمرو ابن العاص وجعل يقول لأصحابه ، اترون أن العرب تقتل الرسل ويستحلون ذلك في دينهم ؟؟غير أن رسله كان قد وقع في نفوسهم ما عند المسلمين من بساطه وإيمان عميق.
فقالوا للمقوقس : ” رأينا قوما الموت احب إلي أحدهم من الحياة ، والتواضع تحب إلي أحدهم من الرفعة ، ليس لأحدهم في الدنيا رغبه ولا نهمة ، إنما جلوسهم على التراب ، واكلهم على ركبهم ، وأميرهم كواحد منهم ، ما يعرف رفيعهك من وضيعهم ، ولا السيد منهم من العبد وإذا حضرت الصلاه لم يتخلف عنها منهم أحد ، يغسلون أطرافهم بالماء ويخشعون في صلاتهم “
من هنا أدرك المقوقس أن لا مفر من عمرو بن العاص ومن اولئك الذين أرسلوا إليه بشروط لا عواده فيها ولا تزحزح عنها ولذلك أشار المقوقس على الحامية الرومانية التسليم والصُّلح، ولكن الحامية رفضت، وكذلك الإمبراطور الروماني هِرَقل الذي قام بعزل المقوقس عن حكم مصر، فتجدَّد القتال وشدد المسلمون الحصار على الحصن.
– ولذلك كان بتلر يشارك هرقل عجبه من هذا الصلح لعده اسباب :
1- أن هرقل نفسه كان بالأمس القريب قد غادر بلاد سوريا مودعا لها بعد أن أطاحت قوة المسلمين الفتية بمئات الآلاف من جنده في عدة معارك .
2- ام كلا من هرقل وبتلر يجهلان مسألة الجزيه ، وهل يبق المسلمون في البلاد بعد تحصيلها ام يرحلون !! وهل مسألة الجزيه فرضت على أهل الشام ومن قبلهم ام لا ؟؟
3- حيرة هرقل وبتلر في أمر الصلح ، وان معناه نزع مصر من دوله الروم واسلامها لإعداد المسيحيه .
4- أن الامبراطور ومن معه لم يلتفتوا الي المبررات الي جاء بها المقوقس إليهم وشرحها باعتباره شاهد الأحداث ولحظ الواقع .
حتي قال وقت فض كتاب هرقل وقراه ” والله إن المسلمين على قلتهم وضعفهم أقوي وأشد منا على كثرتنا وقوتنا ، وان الراجل الواحد ليعدل مائه رجل منا “
ولذلك استطاع الزبير بن العوام تسلُّق سور الحصن ومعه نفر من جند المسلمين وكبروا، فظن الروم أن العرب اقتحموا الحصن فتركوا أبواب الحصن وهربوا إلى الداخل، فقام المسلمون بفتح باب الحصن، واستسلم الروم وطلبوا الصلح فأجابهم عمرو بن العاص.
” صلح الاسكندريه”
بعد سقوط حصن بابليون فقد الروم معظم مواقعهم في مصر، فتمركزوا في عاصمتهم المزدهرة الإسكندرية في أيديهم.
ورأي عمرو بن العاص أن مصر لن تسلم من غارات الروم طالما بقيت الإسكندرية في حوزة الروم، فاتجه بجيشه إلى الإسكندرية وفرض عليها حصارًا بريًّا استمر لمدة أربعة أشهر.
وقرر عمرو بن العاص اقتحام المدينة، وعهد إلى عبادة بن الصامت بذلك، فنجَح في اقتحام المدينة بجنده، وجاء المقوقس إلى الإسكندرية، ووقَّع على معاهدة الإسكندرية مع عمرو بن العاص، وجاءت شروط المعاهده وكانت تنص على :
– الجزيه للذين يؤثرون البقاء في ظلال المسلمين .
– ان تعقد هدنة لنحو 11شهر بين الطرفين ، يكف في أثنائها الروم والعرب عن القتال .
– جلاء حامية الروم عن الاسكندريه حاملين أمتعتهم وأموالهم .
– الا يستولي المسلمون على كنائس المسيحيين أو يتدخلوا في أمورهم .
– أن يباح لليهود الاقامه في الاسكندريه آمنين .
– لضمان نفاذ هذه الشروط نصت المعاهده على أن يأخذ المسلمون مائه وخمسين من جند الروم وخمسين من غير الجند كرهائن حتي اتمام نفاذ الهدنه
وكانت تنصُّ ايضا على انتهاء حكم الدولة البيزنطية لمصر وجلاء الروم عنها، ودفع الجزية للمسلمين دينارين في السنَة عن كل شخص وإعفاء النساء والأطفال والشيوخ منها، وبذلك استطاع الوالي عمرو بن العاص فتح مصر بعد فتوحات كبيرة