مدينة الفسطاط

 

بقلم / سعاد رأفت.

عند تقديم دراسه لأهم المدن في مصر الإسلاميه نجد هناك مجموعه من المعالم التاريخيه والحضاريه مما يدل على التقدم الحضاري لتلك المدن الإسلاميه وكان من بين معالم وخطط تلك المدن ” دار الاماره وكذلك مجموعه من المساجد والمدارس والزوايا والمكتبات وضرب العمله وغيرها من كافه الفنون الإسلاميه التي ظهرت مع ظهور تلك المدن الاسلاميه التي شهدتها مصر عبر التاريخ الإسلامي. ولذلك منذ عصر صدر الاسلام بدا خلفاء الدوله الإسلاميه ينشئون الثكنات “المعسكرات” الخاصه بالجيوش كي لاينزل الجنود في المدن والقرى ويختلطوا بأهل البلاد المفتوحه فتفتر حميتهم الحربية وكذلك تأمين إقامتهم في المدن التي تم فتحها وأصبحت في حوزتهم ومنذ أن تم الفتح الاسلامي لمصر سنه 21 هجريا أراد عمرو بن العاص أن يضع اللبنة الاولى لإتخاذ مدينه تكون عاصمة لمصر الإسلاميه وتكون مقرا للوالي والدواوين ومقرا لثكنات الجند وإدارة الولاية من خلالها.
وقد اراد عمرو بن العاص أن يتخذ من الاسكندريه عاصمه لمصر الإسلاميه ومقرا له ولجنده وحينما علم الخليفه عمر بن الخطاب بهذا الأمر سأل رسول عمرو بن العاص اليه فقال له” هل يحول بيني وبين المسلمين ماء قال نعم يا أمير المؤمنين اذا جرى نهر النيل” فكتب الخليفه عمر الى عامله على مصر عمرو يقول له ” اني لا احب ان تنزل بالمسلمين منزل تحول الماء بيني وبينهم في شتاء ولا صيف وانزلوا موضعا متي أردت أن أركب راحلتي وأصير اليكم فعلت” واشار عليه باتخاذ مدينة
لمصر.

_ تسمية مدينة الفسطاط

من حيث تسمية المدينة فقد اختلف العلماء حول التسمية :

– يري بعض كتاب البلدان : مثل البلاذري أن كلمة فسطاط تعني فسطاط القوم ( أي مكان القوم ومجمعهم، ويقول إن عمرو بن العاص ضرب فسطاطه فسمي بذلك.

– في حين يري بعض المؤرخين الأوربيون : أن كلمة فسطاط ترجع إلي كلمة يونانية وهي fostaton أو fosstatum بمعني الخندق أو المدينة وكان الرومان يطلقون هذا اللفظ علي معسكراتهم الحربية ويقولون بأن العرب نقلوا هذه الكلمة عن الروم عند إتصالهم بهم في حروب الشام أو عند حصارهم لحصن بابليون في مصر.

– كما يذهب بعض الكتاب والمؤرخين : إلي أن كلمة فسطاط تعني مكان القوم أو مجمعهم أي المكان الذي تجمع فيه أهل المدينة أو الكورة أو القوم حول الجامع أو منزل القائد.
وغيرهم الكثير من الآراء.

_ موقع مدينة الفسطاط

يحدد علي بهجت بك حدود مدينة الفسطاط علي النحو التالي :

– الحد الشمالي : يقع بين كوم الجاري وقنطرة السد.

– الحد القبلي : يمتد ما بين الرصد (مكان رصد النجوم والكواكب علي المرتفع المطل علي بركة الحبش الذي شيده الوزير الأفضل بن بدر الجبالي زمن الدولة الفاطمية) وشاطئ النيل غربا.

– الحد الشرقي : كان يمتد فيما وراء الحد الذي عينه المقريزي أي إلي حد القرافة الحالية ويسير جنوبا حتي الرصد.

– الحد الغربي : وهو الشاطئ الأيمن لنهر النيل.

_ الأسباب التي أدت إلي إنشاء مدينة الفسطاط

1- أن ميناء الإسكندرية العظيم علي ساحل البحر الابيض المتوسط لم يعد صالحا لأن يكون حاضرة للقبائل العربية التي أدت طبيعتها البدوية علي حد قول بعض المؤرخين إلي أن يتسلط عليها شئ غير قليل من الخوف من الإسكندرية وبحرها العميق.

2- وهو أن الخليفة عمر بن الخطاب حينما اتسعت أرجاء الدولة الإسلامية وفتحت مصر وأراد عمرو بن العاص أن يتخذ من مدينة الإسكندرية عاصمة لمصر فرفض عمر بن الخطاب لأنه كان مولعا بأن يظل علي اتصال دائم بجيوشه في مصر.

3- هو أن مدينة الإسكندرية كانت عند فتح العرب لها مدينة يونانية في سكانها وعاداتها وتقاليدها وميولها ولم يكن من المنتظر أن يتخذها العرب عاصمة لهم.

4- موقعها الجغرافي الممتاز.

5- موقعها علي نهر النيل الذي يعج بحركة التجارة والملاحة مما يزيد من إزدهار هذه المدينة

6- فيري البعض أن عمر بن الخطاب كان يخشي من النفوذ المسيحي في مصر آنذاك.

_ الصناعات و الفنون في مدينة الفسطاط

بعد الفتح الإسلامي لمصر دخل المصريون في دين الله أفواجا واعتنق أكثرهم الإسلام وزاول الصناع صناعتهم وفي مصر تأثرت الفنون الإسلامية في عصورها الأولي بالمنتحات الفنية القبطية نظرا لاعتماد العرب علي الصناع و الفنيين الأقباط ولم يصل إلي الطراز الإسلامي البحث إلا في العصر الفاطمي.
ولم يقتصر العرب على الاستعانه بالصناع المصريين في صنع كل ما يلزمهم من احتياجاتهم ومن بناء كل ما كانوا يحتاجون اليه من أبنية على مصر وحدها بل كان يتم ارسال مجموعه من العمال والصناع المصريين الى بلاد الشام وبلاد العرب للعمل في بناء المساجد أو زخرفتها بالفسيفساء والجص(الجبس) وغير ذلك من الأعمال.

_ حريق مدينة الفسطاط

في سنة 564/ 1168م قدم إلي مصر عموري ملك بيت المقدس المسيحي علي رأس حملة عسكرية كبيرة ونزل بأرض الفسطاط وحاول الإستيلاء عليها وعلي مدينة القاهرة أمر شاور بن مجير السعدي وزير الخليفة العاضد بالله الفاطمي وخوفا من دخول الفرنجة الصليبين إليها ،أمر الوزير شاور إلي مدينة القاهرة حاملين معهم ما خف حمله وغلا ثمنه وبعدها أمر بإحراق مدينة الفسطاط.
وقد لطخ الملك المسيحي عموري إسمه بذبح كل رجل أو امرأة أو طفل. وخوفا من وقوع مذابح أخري أمر شاور وزير الفاطميين بإشعال النار في مدينة الفسطاط القاهرة حتي يأمن جانب عموري ورجاله. وظلت النار مشتعلة في العاصمة القاهرة نحو أربعة وخمسين يوما تقريبا لدرجة جعلت الاب يهجر أولاده والاخ يترك أخاه وتسارع الناس للنجاة بأرواحهم. وقيل إن وزير الفاطميين شاور أعد حوالي عشرين الف برميل مملوءة بالنفط ( مادة قابلة للإشتعال) وأشتعلت فيها النيران لمنع عموري ورجال حملته من التمادي في ذبح الآلاف من سكان المدينة.
ولما رحل عموري عن الفسطاط أخذ الناس يعودون إلي الفسطاط و يصلحون ما فسد وما تلف من أبنيتها شيئا فشيئا وقد اقتصر ذلك علي القسم الغربي من الفسطاط فيما بعد بين جامع عمرو بن العاص حتي نهر النيل أما الباقي فظل خرابا.

_ المصدر

دراسات في تاريخ الحضارة الإسلامية للدكتور محمود أحمد محمد قمر.

Related posts

Leave a Comment