ايمن بحر
ﻳُﺮﻭﻯ ﻋﻦ الخليفة العثماني ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ رحمه الله، أنَّ ﻣﻮظفي ﺍﻟﻘﺼﺮ أخبروه عن استيلاء ﺍﻟﻨﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺟﺬﻭﻉ ﺍﻷﺷﺠﺎﺭ ﻓﻲ ﻗﺼﺮ ﻃﻮﺏ ﻗﺎﺑﻲ ﻭﺑﻌﺪ إﺳﺘﺸﺎﺭﺓ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺨﺒﺮﺓ ﺧﻠﺺ ﺍﻷﻣﺮ ﺇﻟﻰ ضرورة ﺩﻫﻦ جذوع الأشجار ﺑﺎﻟﺠﻴﺮ ﻭﻟﻜﻦ السلطان سليمان كان من عادته حين ﻳﻘﺪﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﺮ أن يأخذ رأي مفتي الدولة الذي كان لقبه الرسمي شيخ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺃﺑﻲ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩ ﺃﻓﻨﺪﻱ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﻔﺘﻮى ﻓﻠﻢ ﻳﺠﺪﻩ ﻓﻲ ﻣكانه ﻓﻜﺘﺐ ﻟﻪ ﺭﺳﺎﻟﺔ ببيت شعر ﻳﻘﻮﻝ ﻓيها:
ﺇﺫﺍ ﺩﺏَّ نملٌ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺠﺮ…
ﻓﻬﻞ ﻓﻲ ﻗﺘﻠﻪ من ﺿﺮﺭ؟
– ولما قرأ الشيخ أبو السعود الرسالة أجابه بقوله:
ﺇﺫﺍ ﻧُﺼﺐَ ﻣﻴﺰﺍﻥ ﺍﻟﻌﺪﻝ…
أخذ ﺍﻟﻨﻤﻞ ﺣﻘﻪ ﺑﻼ وجل
– وﻫﻜﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﺩﺃﺏ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺳُﻠﻴﻤﺎﻥ فقد كان لا ﻳُﻨﻔﺬ ﺃﻣﺮﺍً ﺇﻻ ﺑﻔﺘﻮﻯ ﻣﻦ علماء الإسلام…
– ولما ﺗُﻮﻓﻲ ﺍﻟﺴُﻠﻄﺎﻥ سليمان ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺳﻔﺮﻩ إﻟﻰ ﻓﻴﻨﺎ قبل ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺯﻳﻜﺘﻮﺭ، عاﺩﻭﺍ ﺑﺠﺜﻤﺎﻧﻪ إﻟﻰ إﺳﻄﻨﺒﻮﻝ ﻭﺃﺛﻨﺎﺀ ﺍﻟﺘﺸﻴﻴﻊ ﻭﺟﺪﻭﺍ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺃﻭﺻﻰ ﺑﻮﺿﻊ ﺻﻨﺪﻭﻕ ﻣﻌﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺒﺮ، ﻓﺘﺤﻴّﺮ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻭ ﻇﻨﻮﺍ ﺃﻧﻪ ﻣﻠﻲﺀ ﺑﺎﻟﻤﺎﻝ ﻓﻠﻢ ﻳﺠﻴﺰﻭﺍ ﺇﺗﻼﻓﻪ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺘُﺮﺍﺏ، ﻭﻗﺮﺭﻭﺍ ﻓﺘﺤﻪ، فأﺧﺬﺗﻬﻢ ﺍﻟﺪﻫﺸﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺭﺃﻭﺍ ﺃﻥَّ ﺍﻟﺼّﻨﺪﻭﻕ ﻣﻤﺘﻠﺊ بفتواهم حتى يدافع بها عن نفسه يوم الحساب…
– ﻓﺮﺍﺡ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩ مفتي الدولة العثمانية ﻳﺒﻜﻲ ﻗﺎﺋﻼً: ﻟﻘﺪ ﺃﻧﻘﺬﺕ ﻧﻔﺴﻚ ﻳﺎ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ، ﻓﺄﻱ ﺳﻤﺎﺀٍ ﺗﻈﻠﻨﺎ ﻭﺃﻱ ﺃﺭﺽٍ ﺗُﻘﻠّﻨﺎ ﺇﻥ ﻛﻨﺎ ﻣﺨﻄﺌﻴﻦ ﻓﻲ ﻓﺘﺎﻭﻳﻨﺎ..؟
– ومما روي عنه رحمه الله قوله: عندما أموت أخرجوا يدي من التابوت لكي يرى كل الناس أنه حتى السلطان خرج من هذه الدنيا بيدٍ فارغة…
– هذه سيرة السلطان سليمان وليست سيرة حريم السلطان ذلك المسلسل القذر، والقنوات، والممثلين، الذين شوهوا صورة ذلك البطل المجاهد الذي بلغت مساحة دولته 24 مليون كم موزعة اليوم على 40 دولة، والذي كان شاعراً وخطّاطاً مجيداً، خطَّ القرآن الكريم بيده 8 مرات…
– وكان ملماً بعدة لغات من بينها اللغة العربية، وكان يلقب بسلطان المثقفين ومثقف السلاطين…
– وقد دام حكمه 47 عاماً قضى منها 10 سنوات على ظهر فرسه غازياً في سبيل الله، وقاد خلالها 13 حملة عسكرية بنفسه…
– وفي عهده فتحت صربيا والمجر وجنوب أوكرانيا ورومانيا وبلاد القوقاز ووصلت قواته الى النمسا في قلب أوروبا…
– وحررت في عهده الجزائر وليبيا من الإحتلال الإسباني والعراق من الاحتلال الصفوي وحررت البحرين واليمن، وتم تطهير سواحل الخليج العربي وخليج عدن من الأساطيل البرتغالية الصليبية…
– وكان يتدخل في شؤون فرنسا الداخلية ويعتبرها ولاية تابعة لدولته…
– وفي عهده تنازلت فرنسا عن ميناء طولون فأصبح قاعدة حربية إسلامية هامة في غرب أوروبا…
– ولما توفي السلطان سليمان القانوني ﺃﺛﻨﺎﺀ ﺳﻔﺮﻩ إلى ﻓﻴﻴﻨﺎ قبل ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺯﻳﻜﺘﻮﺭ، دقت أجراس الكنائس في كل أوروبا فرحاً بموته وجعلوا يوم وفاته عيداً من أعيادهم…
– يقول المؤرخ الألماني الشهير هالمر كان هذا السلطان أشد خطراً علينا من صلاح الدين نفسه…