ورغم أنّ الرئيس مهديّ يتفطّر قلبه حرقًا على المسجد الأقصى إلَا أنّه لم يجد وسيلة لردعهم إلّا الشجب والاستنكار.هو يتابع الأحداث العالميّة، كلُّ الوكالات تركّز على الثقب الأسود ولم تعد تهتم أيضًا بالقضية الفلسطينية إلّا تهميشًا.أمّا القنوات الإسرائيليّة الدينيّة فتركّز على دعوة الربّ لهم بالعمل على إقامة دولة إسرائيل الكبرى على أرض فلسطين وتقول :إنّ المسيا الملك قد ينزل في أىّ يوم بعد بناء الهيكل الذي أمرنا الله ببنائه.
ولقد اهتدى مهديّ أخيرًا بأنّ يستعين بقنابل الثقوب السوداء لردعهم عن طريق إجبار فهمان على صنعها، فتح هاتفه، واتصل بفهمان ..لا توجد إشارة.نادى أحد الحرس كي يذهب بطائرة خاصة ويأتي به.وصلت الطائرة، ولجَ رئيسُ المخابرات المصادمَ فلم يجد فهمان، سأل عنه رئيس حرسه فقال:منذ أن كان مع جاك منذ أربعة أشهر تقريبًا لم أعرف عنه شيئًا، لكنّي متأكد أنه لم يخرج من المصادم؛ لعلّه معتكف في حجرته؛أو لعلّه في رحلة قصيرة إلى العالم الآخر.
لكمه رئيس المخابرات وأمر بالقبض عليه بعد أن نهره قائلاً:مكلف بحراسة شخص مثل فهمان ولم تدرِ عنه شيئًا منذ أربعة أشهر.
ثمّ ولج حجرته فوجد خطاب جاك؛ قرأ منه «أنت تبحث عن فهمان، لكن فهمان عبر إلى الجنّ ولن يعود.وقل لرئيسك الذئب أنّ شعبه خرج من الجحور إلى القصور سابحًا في أنهار من دماء الأمريكيين، وأبلغه أنّني لن أدعه.وسوف أري رئيسكم يومًا ك…….إلخ.»
ضغط على الخطاب بقبضة يده التي بدت مرتعشة فكومه، وأطبق على أسنانه يحرك وجهه يمنة ويسرة، واحمرّ وجهه غضبًا.
ثمّ رماه وترك الحجرة قاصدًا العودة إلى مهديّ.دخل عليه محنٍ رأسه خجلاً، وقال هامسًا بصوت حزين:سيادة الرئيس، فهمان، فهمان عبر.
فقال مهديّ :عبر ماذا ؟ عبر المحيط !عبر القناة !انطقْ .
فأخبره بأمر الخطاب .
سمع منه الخبر فخرّ مهدودًا .
وظلّ يكلم نفسه متحسرًا، عبر، عبر، أكنت تخدعنا كل هذا الوقت؟ أردت المصادم لتعمل على هداية البشريّة ولم تقصده للنهوض ببلدك.
أتظنَّ يا ولدي أنّ البشريّة من الممكن أن يأتيها يوم وتعيش في سلام!لقد كنت طوباويًا حالمًا إلى أقصى درجة يا بني.
ثمّ قال معاتبًا :لِمَ يا ولدي ؟ لِم يا فهمانَ ؟ لِمَ تركتَ مصر للئام؟ سوف نُمزق إربًا اليوم وغدًا؛ كان أولى بك تقيم في وطنك تحميه من أعدائه.والآن ضاع الأمل الأخير الذي كنّا سنتَوَكَّأَ عليه لنحيا بكرامة، وها هم العرب يلبسون طرح النساء تاركين اليهود يهدمون ثاني قبلة للمسلمين، كنت سأمنعهم والآن، لا أمل .
لن أقوى على مجابهة المخطط الصهيونىّ وحدي، وليس معي ما يردعهم وأحلافهم سواءً أمريكا أو الاتحاد الأوربيّ أو حتى العملاء من بني جلدتنا، صمت هنيهة ثمّ قال :ليس معي-كان معك.سامحك الله.ثمّ أطرق رأسه في الأرض ودعى كلّ العرب أن يطرقوا معه، أطرق في انتظار مجيء العلم، وحكم على كلّ العرب أن يطرقوا إن لم يسعوا إلى العلم.
خلال عام مضى:
أتمّ جاك تركيب الجهاز المعجزة الذي سوف يرافقهم طول الرحلة؛ وكذلك انتهى من تصميم الشراع الشمسيّ لها وهو الآن مثبّت في مدار حول الأرض.أمّا محطتا الفضاء الشمسية النانويّة فتعمل على أحسن وجه.
والمشكلة الآن أنهم لم ينتهوا بعد من السبع محطات الليزريّة، فما زالت ناسا ترسل خبراءها وملايين المرايا عبر المصاعد الفضائيّة لاستكمال بنائها الذي بدأوا فيه من قرابة خمسة عشر شهرًا.فبعد الإعلان عن خبر الرحلة مباشرة حثّ جاك واستنفرّ كلَّ خبراء العالم للصعود على القمر للانضمام إلى خبراء ناسا للانتهاء من عمل السبع محطات.أمّا الوسط الفعّال لليزر الذي سيُثار فقد وجدوه مؤخرًا على سطح القمر.
كذلك انتهى من مفاعلي الانشطار والاندماج.وتمّ حلّ مشكلة الحقل المغناطيسيّ، فقد صدق الروس فيما قالوا بشأنه.
أمّا بالنسبة لإطلاق مركبة الرحلة فسيتمّ عبر صعوده على السلم الفضائيّ؛ شأنه شأن كلّ الخامات والروبوتات التي انتقلتْ من قبل .
حيث يوجد طابق كامل شُيد بجانب المصعد الفضائيّ مباشرة؛ ذلك الذي سيصعده جاك وروّاد الفضاء معه من خلال مركبة القيادة الرئيسة.هذا الطابق يغطي مساحة فدان واحد؛ وذلك من أجل إنتاج شعاع الليزر الذي سيدفع كبسولة القيادة للتخلص من الجاذبية الأرضية.يتمّ في هذا المبنى إنتاج ليزر فائق القوة والتركيز وذي طاقة عالية.وبذلك تُوفرت كل التقنيات اللازمة لعمل الليزر الذي سيدفع الشراع الضوئي.
وخلال انقضاء هذا العام والذي تمّ فيه عمل إنجازات خارقة للاستعداد لخوض الرحلة كانت اليهود تعمل على نجاح إنجازات من نوع آخر، وهو العمل على تنفيذ قرارالهدم.
لا تؤمن اليهود بعودة المسيا الملك إلّا ببناء هيكل سليمان، هكذا ذُكر في كتابهم المقدّس، ولذلك فلابدّ من الهدم ثمّ البناء.
بدأ تحرك فرق الهدْم ومعهم معاولهم وبنّائين وغيرهم، يتقدمهم بعض حاخامات اليهود وأبرز القيادات السياسيّة والدينيّة منهم.
وكان مؤيد أصيل يتابع تقدّمَ فرق الهدْم إلى المسجد بعينين زائغتين وقلب مرتجف؛ أمّا شعره فقد تساقط بعضه.كان يأمل أن يتراجعوا ولكنّهم تقدّموا أكثر، ومع أوّل ضربة فأس فاضت روحه وصعدت إلى بارئها.
ومات مؤيد أصيل ومن قبْلِه فطين ورجل المئة ألف جنيه، ورحل فهمان عبر الثقب ..كلّ الأوفياء يرحلون.
*والشعوب العربيّة تتابع عن كثبٍ ما يحدث من اليهود تجاه قبلة المسلمين الثانية وأفضل مسجد بعد المسجد الحرم المكيّ.
وأمسى العالم كلّه يهتم بقضيتين طغتا على الساحة العالميّة وهما:قنابل الثقوب السوداء، وثقب سحابة أورط؛ أمّا هدْم الأقصى فزوبعة وستنتهي.
تركتْ الشعوب الإسلامية منازلها احتجاجًا على هدم الأقصى الذي يُهدم الآن بأيدي الصهاينة.كذلك خرجوا أفواجًا أفواجًا من دور عباداتهم ثائرين، تلك الدور التي فرغت منهم للاحتجاج على الهدْم بعد أنّ كانت مكتظّة بهم للابتهال إلى الله ليخلّصهم من جحيم الثقب الجائع.فخرجوا من حياض العبوديّة الذي كانوا يعومون فيه؛ خرجوا لحظيًا ليعترضوا على الهدْم وقلوبهم معلقة بالثقب الأسود، وسرعان ما بردتْ ثورتهم بعد أن بُثّ خبرٌ واحد عن الثقب.فولوا ومضوا إلى منازلهم ودور عبادتهم .
بقلمي : ابراهيم أمين مؤمن