كتبت: العنود انس عمر .
مأساة حقيقية تعيشها أسرة “الفنجري” في دمياط، بعد وفاة 4 من أفرادها متأثرين بإصابتهم بفيروس “كورونا”، بعد تلقي الأم دعوة لحضور فرح ابن شقيقها، لتعود من الحفل مصابة بالفيروس المستجد، بعدما انتقلت إليها العدوى من إحدى السيدات من الحضور، لتنقل بدورها العدوى، قبل وفاتها، إلى زوجها واثنين من أبنائها، الذين لحقوا بها جميعاً.
وعلى الرغم من التزام الأسرة بكافة الإجراءات الاحترازية لمكافحة فيروس “كورونا”، إلا أن خروج الأم وحضورها حفل العرس، كان وحده كفيلاً بالقضاء على 4 من أفراد الأسرة خلال أقل من شهر، آخرهم الدكتور “محمد الفنجري”، الذي نعته نقابة الصيادلة في دمياط اليوم.
بدأت فصول المأساة يوم 26 أغسطس الماضي، عندما توفي الأب، سعد الفنجري، متأثراً بإصابته بفيروس “كورونا”، بعدما انتقلت إليه العدوى من زوجته، التي لحقت به في السادس من شهر سبتمبر الجاري، وبعد يومين، توفى الابن الأكبر “ود”، الذي رثاه شقيقه الأصغر “محمد”، بتدوينة على صفحته بموقع “فيسبوك”، قال فيها: “أخويا مات.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. اللهم نحتسب أبي وأمي وأخي من الشهداء.. اللهم اربط على قلوبنا”.
علاقة “محمد” القوية بشقيقه “ود” كانت كفيلة بتحطيم نفسيته، خاصةً بعد ظهور أعراض الإصابة عليه، وكتب العديد من عبارات الرثاء لشقيقه الأكبر، قبل أن تتدهور حالته بشكل مفاجئ داخل مستشفى العزل في دمياط، ليلحق بباقي أفراد أسرته، الذين حصدهم فيروس “كورونا” في أقل من شهر.
“الدكتور محمد” روى تفاصيل مأساة أسرته بنفسه، عبر صفحته على “فيسبوك”، عندما كتب قائلاً: “الحمد لله على كل شيء، رغم شدة ما نحن فيه، فالمصاب جلل، ولكننا كلنا ثقة في قدرة الله ورحمته وعدله، راضيين بقضائه”، وتابع: “منذ بداية أزمة كورونا في شهر فبراير، الحمد لله لم أتنصل من مسئوليتي أمام الناس، ولم أبخل بعلم ولا بنصيحة ولا بمساعدة مادية أو معنوية، ولم أتاخر عن تأدية خدمة لأي مريض كورونا، فلم أتنصل يوماً ما من مسئوليتي تجاههم كما فعل البعض، وهذا والله لم يكن إلا ابتغاء وجه الله”، قبل أن يبدأ في الحديث عن دخول والدته وشقيقه الأكبر العناية المركزة، متأثرين بإصابتهم، بعد أيام على رحيل والده.
كما تحدث “الفنجري” عن موقف حدث معه قبل وفاة شقيقه ووالدته، عندما ذهب لشراء غطاء “قاعدة حمام” طلبه شقيقه ليستخدمه بالمستشفى، معتبراً أن ما حدث معه لم يتخيل أن يتعرض له يوماً، وتابع بقوله: “عندما شاهدني عامل المحل، ابتعد عن السيارة مسافة كافية، وحينما طلبت منه القاعدة وقلت له: افتح الباب وضعه، رفض وقال لي: نزل الزجاج وأنا هأرميه لك، فقلت له: افتح الباب أفضل، ولم يكن في بالي تماماً أنه يخاف مني أن أعديه، وحينما كررت الكلام قال لي: افتح الزجاج، ووضع الغطاء بصورة غريبة في السيارة، في وقت كان يتمنى مني طلب خدمة في السابق”.
وأضاف قائلاً: “أقسم بالله أنا قافل على بيتنا وعيالنا منذ بداية شهر مارس، والمرة اللي خرجت فيه والدتي من المنزل، كانت بعد العيد، في فرح ابن شقيقها، لتأخذ العدوى من قريبتها”، مشيراً إلى أنه “منذ ظهور حالات في البيت عندنا، لم يخرج أحد من المنزل، ولم نتعامل مع أحد، وقفلنا على نفسنا، وتم عزل المصابين، والتعامل بطريقة ترضي الله، حتى لا نظلم أحداً”.
واختتم الصيدلي الشاب، قبل رحيله، القصة قائلاً إن “مريض كورونا ليس بأجرب ولا أبرص، ولا أهله بقوا سُبه ليبتعد عنهم الجميع، فهذه المحنة رغم شدتها وقسوتها، تعلمت منها الكثير والكثير، وكشفت لي معادن الجميع على حقيقتهم”، داعياً أن يعينه الله على “الصبر على الابتلاء، واستكمال ما بدأته في رحلة كورونا مع أعز وأغلى الأحباب”.
وكانت الدكتورة شيماء البشبيشي، أمين صندوق نقابة الصيادلة في محافظة دمياط، قد أعلنت، اليوم الثلاثاء، وفاة الدكتور محمد الفنجري، صيدلي، متأثراً بإصابته بفيروس “كورونا”، ليلحق بوالدته ووالده وشقيقه الأكبر، ليرتفع عدد ضحايا الأسرة نتيجة إصابتهم بالفيروس المستجد، إلى 4 وفيات.
ونعت “البشبيشي”، عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، الصيدلي الراحل، بقولها: “البقاء لله، دكتور محمد الفنجري في ذمة الله، ربنا يرحمه يا رب”.
وأكد الدكتور سامح المسلماني، أمين عام نقابة الصيادلة في دمياط أن الدكتور “الفنجري” توفي داخل وحدة العناية المركزة بمستشفى دمياط العام، المخصص لعزل إصابات “كورونا”، مشيراً إلى أن حالته الصحية تدهورت مؤخراً، ووصلت نسبة الأكسجين إلى 30%، كما أصيب أيضاً بجلطة في الشريان الرئوي، نتيجة إصابته بفيروس “كورونا”، تسببت في تدهور حالته، حتى لفظ أنفاسه.
وحفلت صفحة “الفنجري”، على موقع “فيسبوك”، بالعديد من رسائل الرثاء من أصدقائه ومحبيه، الذين تعاطفوا مع مأساة أسرته، وكانت الكلمات الأخيرة التي دونه على صفحته، قبل قليل من وفاته: “ادعو لي أنا بأموت.. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله”.