أحمد رجب ومصطفى حسين.. ثنائي “الريشة” و”القلم”

تكتب//أميرة محروس

✍️الصديقان اللذين رحلا في أقل من شهر، فتغيب ريشة كانت تعبر عن كل قضايا المصريين وترسم أفراحهم وأوجاعهم، ويتوقف قلم كان يجسد قضاياهم في قالبٍ ساخر يحول الهم إلى بسمة، صداقتهما لم تقتصر على إبداعهما الذي شهدت له الأجيال، وإنما امتدت لتكون “شراكة في الموت”.
.
رجب وحسين “لقاء بدار الهلال ينتج إبداعا بأخبار اليوم”:
اللقاء الأول بين الثنائي مصطفى حسين وأحمد رجب كان بمجلة “دار الهلال”، عام 1956، حيث كان لرجب الفضل الأول في إقناع شريك إبداعه بالاتجاه لفن الكاريكاتير، لامتلاكه حسا ساخرا يصل للقلب، ويأتي عام 1974، ليسجل أول مسيرتهما الفنية معا بدار أخبار اليوم، حيث اقترح مصطفى وعلي أمين عليهما أن ينتجا عملا فنيا يعتمد على الكتابة الساخرة ورسم الكاريكاتير، فكانت شخصية “عبد الروتين”، أول شاهد على رحلة استمرت على مدار 50 عام من الزمن.

مصطفى حسين وأحمد رجب “رسائل حب متبادلة”:
“مصطفى أحسن رسام في العالم”، هكذا رأى الكاتب الساخر أحمد رجب رفيق عمره مصطفى حسين، حين قال حسين عن رجب: “لا يمكن لأحد أن يزعم أنه يعرف أحمد رجب، قليلون هم الذين اقتربوا منه، فقد عرف أحمد رجب كيف يحترم وقت القارئ، وترجم ذلك في الكتابة باختصار وتركيز شديدين، حيث لا وقت عند القارئ لـ اللت والعجن”.

شخصيات ذات بصمات:
مطرب الأخبار:
من تجربته التى لم تكتمل بأن يصبح مغنيًا مشهورًا، خرج “مطرب الأخبار”، الواثق بنفسه، المتأنق دائمًا ببذلته، مصطحبًا عوده، الذي كلما عزف عليه وبدأ بالغناء، أثار ضجر الجميع لرداءة صوته ونشازه، ولكن إصراره فاق أي محاولة لإثنائه عن الغناء، فيقول في إحدى الرسومات “أنا زي بيتهوفن.. انطرشت.. بس من تأثير قوة صوتي ف وداني”.
أراد الثنائي بهذه الشخصية الإشارة إلى أن نجاح عدد من المطربين في هذا الوقت، غير مرتبط بجودة أصواتهم.
.
عبده مشتاق:
الصورة المصغرة من “الموظف الحكومي”.. استطاع مصطفى حسين بريشته تصويرها، ببذلته التي لا يخلعها ونظارته القابعة على وجه، حيث يجلس وزراء مكتبه دائمًا، في انتظار المكالمة التي ستغير حياته وتجعله أحد الوزراء الجدد.
ومن خلال “مشتاق” صور أحمد رجب، الشخصية التي يكسوها الطمع والاشتياق لكرسي السلطة بلا ملل أو كلل.
.
كمبورة:
أولى الشخصيات التي ابتكراها، فجذبا بها الانتباه، فمن خلاله تمكنا من انتقاد الأوضاع السياسية المحيطة، بتلك الشخصية المتسلطة الاستغلالية التي تسعى للمتاجرة بآمال الفقراء، واللعب مع الإعلام والشخصيات البارزة، فدائمًا ما يبدو فخورًا بنفسه أكثر من اللازم.
رسمه الثنائي بهيئة رجل متأنق متأهب دائمًا للقاءات والعمل السياسي – خاصة بعد ترشحه للبرلمان – والمحاط بالسيدات الجميلات، أولهن سكرتيرته المفضلة، حافظة أسراره.
طالما انتقد “كمبورة” ما حوله من تغييرات سياسية، فأثار غضب محامي إحدى الجماعات الإسلامية، فاتهمت الثنائي بالإساءة لرموز الدعوة السلفية.
.
الكحيت:
على الرغم من رداءة ملابسه الممزقة، وشعره المبعثر، إلا أنه يتباهى بنفسه وسط رسومات الكاريكاتير، ممسكًا بسيجارته وكأنه مليونير غني عن التعريف، بـ”شبشبه” البلاستيكي المنتهية صلاحيته، يظل يحلم بمستقبل وردي دون السعي إليه.
قصد مصطفى حسين وأحمد رجب، من هذه الشخصية، فكرة الحث والتشجيع من خلال النقد اللاذع لهذه الأمثلة السلبية المتكاسلة الموجودة في المجتمع، لإنهاء هذه الحالة والبدء في الفعل الإيجابي.
.
“فلاح كفر الهنادوة”.. سر عودة الثنائي بعد الانفصال:
شخصية استوحاها الكاتب الساخر أحمد رجب من مقابلته لأحد الفلاحين البسطاء بموقف أتوبيس، التقطتها ريشة الرسام الكاريكاتيري مصطفى حسين، ليقدما من خلالها محاسبة يومية لرئيس الوزراء، ورئيس مجلس الشعب وكبار المسؤولين، وتنقل لهم آراء المواطنين في أدائهم، قبل أن ينفصل بين الثنائي عام 2005 ، وتنسحب ريشة “حسين” من رسم الشخصية، ثم تعلن أخبار اليوم معلنا إسدال الستار عنها، لتفرض عبقرية “فلاح كفر الهنادوة” نفسها، وتجمع الثنائي المبدع مرة أخرى، بعد فراق دام لأكثر من 6 سنوات، ولتعود معبرة عن حقبة جديدة، عاشها المصريون بعد ثورة يناير 2011.
.
رجب وحسين.. متهمان بازدراء الأديان:
برسم كاريكاتيرية بسيطة، أرادا به مداعبة اتجاه الإسلام السياسي.. صورة معلقة لشيخ سلفي بلحية، ورسم لامرأة راقصة بجانبها اثنين من الرجال، أشار أحدهم للصورة، وعلق عليها بعبارات ساخرة من السلفي ولحيته وعلامة الصلاة في وجهة، ثم خاطب الراقصة، نشب على إثرها الكثير من المشاكل والانتقادات، أبرزها الاتهام في يونيو 2011، بازدراء الأديان، لاعتقاد صاحب البلاغ أن التعليقات على الصورة كانت تتضمن عبارات سخرية من النقاب.
مصطفى حسين أكد أنه لم يقصد الإساءة للإسلام أو السلفية، ولكن من قدم البلاغ لم يفهم طبيعة شخصية الكاريكاتير التي أرسمها، فقضت محكمة جنح بولاق أبو العلا، برفض تلك الدعوة واعتبرتها لا تخالف الدين الإسلامي.
.
الريشة والقلم.. شركاء فراش الموت:
لم تقتصر صداقتهما معًا على فترة الشباب والنجاح فقط، بل تشاركا أيضًا الألم والمرض داخل أحد مستشفيات الولايات المتحدة الأمريكية، لم تفلح أن تساعدهما على الصمود أمام إرادة الخالق، فبعد أن وافت مصطفى حسين المنية في أغسطس الماضي، لحق به صديق عمره أحمد رجب في سبتمبر الحالي، ليضع كلمة النهاية لقصة نجاح فريدة في الصحافة المصرية، فعلى الرغم من وفاة الريشة والقلم، إلا أن حبرهما لم يجف بعد برسوماتهما المحفورة في الأذهان، وأوراق جريدة “الأخبار”.

Related posts

Leave a Comment