ُسُئل أخٌّ أكبر :ماذا تفعل في أبيك لو أراد التهلكة لإخوتك..فأجاب بحزم..أقتله .
جاك في البيت الأبيض :
وصل جاك إلى مبنى البيت الأبيض وما زال يتوقّد حنقًا على وتيرة الأحداث التي قدْ تُنذر بزوال العالم .
وصل إلى البوابة الرئيسة للبيت الأبيض ، دلف إلى أحد حرّاسها ، ثمّ قال له بابتسامة هادئة مع أنّ الغضب يتفجّر من عينيه وشدقيه ..أريد مقابلة فخامة الرئيس .
تفحّصه الحارس بنظرة عميقة ، نظرة في جبينه وعينيه فعلم ما بداخل نفسه من غضب ، فجبينه متقطّب وحاجباه تكاد تفرّ هروبًا إلى السماء ، أمّا عيناه فحمراء لامعة غاضبة لكنّها ممسكة تحت غيم الكظيم ، ورمق ابتسامته فوجدها بسمة خادعة .
قال له الحارس بهدوء ..هل أخذت موعدًا من فخامة الرئيس يا دكتور جاك ؟
-ردّ عليه جاك ..أتعرفني ؟
-وهل تظنّ أنّ حارس البيت الأبيض لا يعرف مَن هو مثلك يا جاك ..يكفي أنّك تُسمِّي نفسك جاك الولايات المتحدة الأمريكيّة ، صمت هنيهة ثمّ قال ..أنا سعيد برؤيتك ..وأرجو أن تُهدّيء من روعك وتملك أعصابك المتوارية خلف بركان غضبك .
-لم يهتم جاك بما قاله الحارس لأنّ الأمر جلل ..لذلك لم يعلقْ وقال ..فقط أخبره أنّي أريد لقاءه .
-أخذ الحارس جانبًا ليكون بعيدًا عن سمع أذني جاك ، وكلّم رئيس حرس البوابات وأخبره بحالته .
-ردّ رئيس حراس البوابات ..احذرْ أن تدخله حتى أخبر الرئيس ، فإن لم أهاتفْك وضاق ذرعًا من الانتظار فدعه ينصرف ولا تناديه .
ولقد كان من حُسن تدبير رئيس الحرس ما فعله ، فقد علم من وصف حارس البوابة الذي قابله حالة جاك ، وأنّه أتى لشرّ قد لا يُحمد عقباه ، فآثر أن ينصرف إلى ناسا ولا يقابل الرئيس حتى يهدأ وعندها يحدّث الرئيس بشأنه .
ومرّت ساعة وما زال جاك ينتظر ، وبدأ الظلام يهبط وئيدًا ، فزفر زفرات الغضب وبدأت عيناه تدقّ بشررٍ كالقصر ، وكان جالسًا فهبّ يهدر ويزأر وقال للحارس ..بعد إذنك ، افتحْ البوابة واتقِ شرّي .
رد ّالحارس ..لا تضطرني يا جاك أن أفعل ما أكره وتكرهه أنت ..انتظرْ حليمًا أو انصرفْ عزيزًا .
لم يجد جاك وسيلة للدخول إلّا النفخ في هذا الذي أمامه ، أقبل عليه ورفعه إلى أعلى بحيث رأسه أصبح أفقيًا ثمّ أسقطه على فخذة قدمه اليمنى فاصطدمتْ بها فاستدارت مرتدة بقوة ردّ الفعل حسب قانون نيوتن الثالث ثمّ أخذ بقية جسده وطُرح على الأرض فاقدًا الوعيّ .
ولج الباب والتفت يمينًا ويسارًا يريد أن يعرف السابلة إلى حجرة الرئيس ، لكنْ سرعان ما التفّ حوله حرس البوابات بينما رئيسهم لم يكن موجودًا وقتئذٍ .
قال جاك ..دعوني ، أريد مقابلة الرئيس ..
هاتف أحدهم جورج رامسفيلد ، فقال في نفسه مَن أتى بهذا المعتوه مرّة أخرى إلى هنا ، ثمّ قال لهاتفه ..أحضروه عزيزًا فهو ابن أمريكا وشرفها .
اصطحبه أحد الحرس إليه بعد تفتيشه بدرجة امتياز بسبب ما أحدثه لحارس البوابة الرئيسة .
دخل جاك عليه وبادره الرئيس الأمريكيّ بالترحيب ، ولم يردّ جاك التحية ، فقد كان غضبه غضب الرعْد القاصف .
-فقال الرئيس ..لعلّك فكّرت في عرضي السابق وقرّرت أن تصنع الطائرة .
-أشعلتَ الحربَ أنت ويهودك ، ماذا ستجني أمريكا من وراء الحروب ؟
ثمّ رفع سبابته مشيرًا إليه بوجه كالح غضوب ..بل ماذا ستجني أنت من العرش ؟
-اسمعْ أيّها الفتى..تأدّب ، إيّاك تظنّ أنّ وكالة ناسا أو حبّ الشعب الأمريكيّ لك سينفعانك عندما تتطاول على رئيسك .
أنا هنا على العرش أحمي بلدي ممن يريدون بها السوء .
-أيّ سوء ؟ قالها دهشًا .
-من الشرق يأتينا الإرهاب ، ومن آسيا يسرقون ملكتنا الفكرية ويقطعون عنّا النفط وخطوط الغاز عبر المضايق والممرات المائيّة .
وليس شرّ العرب في الإرهاب الذي يصلنا من بعض رعاياهم ، إنّما من أصدقائنا منهم أيضًا .
انظرْ .. انظرْ ..
فتح له التلفاز ليسمعه ارتفاع أسعار النفط العالميّ والذي تتحكم فيه دول الخليج بالأخصّ ، والرئيس يخادعه وجاك موقن بذلك ، لأنّ جاك يعلم أنّ النفط أصبح نادرًا ، ولذلك لابدّ أن يرتفع بسعرٍ يفوق الخيال ، ورغم ارتفاع أسعاره إلَا أنّ دولهِ أصبحت فقيرة .
ثمّ نظر إليه وقال بعجرفة ..وهم صنيعتنا ونحن الذين ثبّتناهم على كراسي الحكم .
-أيّها الرئيس ..أنا غير مقتنعٍ بما تقول ، مَن كان قبلك أفضل منك وقد ساهم في الخروج مِن أزمتنا الاقتصاديّة إلى حدٍّ كبير ، ثمّ قال له بحدّة المحذر المهدد ..ارفعْ يدك من هذه الحروب ، اسحبْ الجيوش الأمريكيّة وخذ تعويضات الحرب التي عرضاها عليك الروس والصين ، انسحبْ بالجنود من أرض العرب إلى أرض أمريكا فهي أفضل بقعة على وجه الأرض .
ليس لنا شأن بهرمجدون والهيكل والمسيا الملك وأرض الميعاد والنيل إلى الفرات ،، شأننا هو ..وأشار بسبابته إلى السماء .. شأننا هو ذاك الرابض في السماء …ارفعْ يدك عن العالم ، ارفعْ يدك عن أمريكا .
-ضجره صالفًا ..مالكَ أنت والسياسة والحرب يا فتى ..لابدّ أن تحكم أمريكا ولا تُحكم ، حتى لو اضطررت لإبادة العالم كلّه ، ولا مانع أن تضحّي أمريكا بجنودها مِن أجل أن يعيش شعبها في كرامة ، فليمت بعضنا ليحيا بكرامة ، لابدّ أن يُثخن في الأرض ، اذهبْ أيّها الجاهل إلى ناساتك ولا تعدْ .
-تممتم جاك بعبارات الرئيس مكررًا بعضها ..إبادة العالم كلّه ..تضحى أمريكا بجيشها ..أيّها الجاهل .
لا ..يجب أن تحيا أمريكا دون يُباد العالم ولا يُجرح أحد جنودنا .
الدم الأمريكيّ أطهر وأنقى وأبقى من أن يدنّسه كلب مثلك يا خادم اليهود ، أطهر وأنقى وأبقى من كلّ دماء أجناس العالم يا كلب .
اربدَّ وجهُه من الغَضَب حتى انفجرَ من عينيه وشدقيه وغدت شفتاه ترتعشان ، وبدأت عضلات ذراعيه تتضخّم ، ثمّ قال بصوتٍ هادر أيّها الكاذب الغاش المخادع المكير ، أيّها الطاغية المتهود ..
وانقضّ عليه ليخنقه في تصرفٍ غريب غير متزن ، فجحظتْ عيناه وحصر لسانه وأصابتْ أنفاسه حشرجة شديدة حتى كادتْ تخرج روحه ، ولم ينقذه إلّا حُرّاس البيت فقد تتابعوا نحوه ليبعدوه ، ولقد كان منهم رئيس حُرّاس بوابات القصر وهو رجل قويّ حكيم .
أخرجَ أحدّ الحرس مسدسه ليطلق النار على جاك ، لكنّ رئيس الحرّاس رفع يده إلى أعلى فانطلقتْ الرصاصة في الهواء ثمّ قال للحارس …
أجننت ! أتودّ أن يثور الشعب على الحكومة ، هل تظنّ أنّ وسائل الإعلام الأمريكيّة سترحمنا . أتعلم ماذا سوف يقولون يا أحمق ..سوف يقولون قُتل أعظم نابغة عرفه التاريخ القديم والحديث بيد دولته.يا أبلة ..جاك يحبّه كل ّالناس ، حتى إبليس يحبّه .
وأمر الجميع الإمساك به دون إطلاق الرصاص عليه .
فأبعدوه وقيّدوه بأذرع ثِنْتين منهما ، بينما جورج رامسفيلد كان محتميًا خلف رئيس حرّاس القصر القويّ الحكيم وهو يأمرهم بجرّه لكي يحبسه في أحد أبواب القصر لحين النظر في أمره .
أفلتَ منهما وتأبّط رأسيهما وصدمهما ببعض ، توالى الحرس واحد تلو الآخر وأمسكوه مسكة رجل واحد فانتفضَ عليهم ودفعهم فتراموا يمينًا ويسارًا ، هبّوا عليه من جديد فلكمهم لكمات متسارعة على الوجه والبطن وجنّدلهم بقدمه اليمنى بعد أن أدارها باراتكاز جسده على قدمه الأخرى ، فسقط معظمهم على أدبارهم لتصطدم بالأرض .
صرخ فيه رئيس الحرس ..جاك امضِ لحال سبيلك ولن يمسك سوء ..امض .
فردّ جاك لن أمضي حتى تخرج أمريكا من هذه الحرب القذرة .
توالى بعد ذلك حرس كثير كدعم للحرس الأول لكن رئيس الحرس أمرهم بعدم الهجوم ..ثمّ أعاد الأمر إلى جاك ..
وردّ عليه جاك نفس الإجابة .
فوعظه وأعلمه بسوء مصير عمله هذا قائلاً ..جاك ، لو قتلتك الآن لن أُعاقب فيك ، فأنت الآن في حالة شروع في قتل ..ومَن ؟ الرئيس الأمريكيّ !.
ردّ جاك ..ليذهب إلى الجحيم قبل أن يلقي بجثامين بني وطني ويحرق العالم .
جاك ..أنت تثير فتنة بذلك ، البيت الأبيض لا يريد أن يصطدم بوكالتك ..لا أريد ثورة على البيت الأبيض ، لا أريد عودة الثوّار إلى الاعتصام بسببك..اذهبْ وكفى ، امض ، امض جاك .
ردّ جاك .. لن أذهب حتى يأمر بسحْب الجيوش الأمريكيّة من المنطقة العربيّة أو يعدني بذلك”يقصد عرض قرار للانسحاب من الحرب بوساطته”
رئيس الحرس باستسلام ..إذن ، قاتلني أنا .
وأمر جميع الحرس بعمل دائرة كبيرة ..وتأهبا للقتال .
نظر إليه جاك وقال ..يا هذا أنت رجل رصين شجاع ولا أودّ أذيتك .
ولكنّ الحرس لم ينصاعوا للأمر ، فقد واتتهم الفرصة الذهبية عندما كان يحذر رئيسهم وتكالبوا على جاك وقيّدوه بقيد محكم ..أمرهم جورج بسلسلته ووضعه في أحد حجرات البيت حتى يُنظر في أمره .
ابراهيم امين مؤمن
مقطع من رواية قنابل الثقوب السوداء