عبدالحميدشومان
توفى مساء الخميس الفنان سمير الإسكندرانى عن عمر يناهز 82 عامًا، بعد صراع مع المرض، بمستشفى النزهة حيث كان يتلقى العلاج هناك،
وتحدد موعد دفن الجثمان اليوم الجمعة عقب صلاة الظهر من مسجد السيدة نفيسة.
ولد في حي الغورية 1938، القاهرة، والده كان يعمل تاجرًا للأثاث وكان محبًا للفن وصديق لمجموعة من كبار الشعراء والملحنين مثل (زكريا أحمد، بيرم التونسي، أحمد رامي).
درس في كلية الفنون الجميلة وبدأ تعلم اللغة الإيطالية بها، واستمر في تعلمها بعدما ألغيت اللغة الإيطالية من الكلية في مدرسة لتعليم الأجانب والمصريين، ثم دعاه المستشار الإيطالي في مصر لبعثة دراسية إلى إيطاليا، وهناك ذهب لاستكمال دراسته بمدينة بيروجيا الإيطالية عام 1958 وعمره عشرون عامًا حيث درس وعمل بالرسم والموسيقى وغنى في فناء الجامعة .
أسقط 6 شبكات جاسوسية.. وطعم محبته للوطن في الغناء..
“ي اللي عاش حبك يعلم كل جيل من بعد جيل..ياللي عودتينا دايمًا نلغي كلمة مستحيل..يا بلدي يا بلدي يا بلدي يا مصر” هل تتذكر هذه الكلمات الرنانة على واحد من الأصوات المصرية الرخيمة، ربما يكون ظهوره على الساحة الفنية طيلة مشواره على فترات متباعدة، لكن هذا الظهور كان دائمًا مصحوبًا بالبصمات والإطلالات الخاصة.
سمير الإسكندراني الرجل الذي نجح في تقديم دوره الوطني والفني، وترك خلفه تاريخًا مشرفًا تفتخر به أجيال بعد الأخرى، يرحل في صمت بعد أن قدم مسيرة طويلة تمزج بين حب الوطن والفن لم يكترث أحد بإلقاء الضوء عليها.
حي الغورية
من هنا تبدأ حكاية الراحل، الحي الذي تعلم من خلاله حب الوطن، فالمعتاد أن هذه الأحياء الشعبية تحمل مواصفات المسئولية لدى شبابها، كما أنها منطقة يحدها أحياء مثل الحسين وخان الخليلي التي تتمتع بالفنون الحرفية واليدوية مما نشأ بداخله حب الرسم وتعلمه، ليستكمل رحلة تعليمه الجامعية داخل كلية الفنون الجميلة.
واستكمالاً لهذه النشأة، فقد تربى الراحل على حب الفن والاستمتاع بمبدعيه خصوصًا وأن والده من خلال عمله كتاجر أثاث كانت تجمعه علاقات بالعديد من الفنانين.
حب الإسكندراني لـ “بنت الجيران” الإيطالية دفعه لتعلم اللغة الإيطالية وتعلمها ليحصل على منحة دراسية بها، ويبدأ رحلة جديدة ومحطة مهمة في حياته، حيث بدأ رحلته ودوره الوطني في العمل لصالح الحكومة المصرية كعميل مزدوج لها ولنظيرتها الإسرائيلية.
بيروجيا
نجح الراحل في إسقاط ست شبكات جواسيس إسرائيلية، فخلال تواجده في مدينة “بيروجيا” الإيطالية تعرف على شخص حينها طلب منه تطوعه في الجيش المصري حتى يمنحه معلومات عنه بدعوى محاربة الشيوعية وذلك في الستينات من القرن المنصرم، هنا مثل الراحل الموافقة وذهب إلى قصر القبة في عمر الثامنة عشرة فيما بعد لمقابلة الرئيس جمال عبد الناصر .
وبعد مرور شهر قابل الرئيس بالفعل وعرفه على صلاح نصر رئيس جهاز المخابرات العامة حينها الذي كان يتلقى منه التعليمات، لينجح الراحل في إقالة رئيس الأركان الإسرائيلي، وتحقيق الانتصار للمخابرات المصرية على الإسرائيلية، بالإضافة إلى نجاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر من محاولات اغتيالهما.
وبدأ الراحل فترة عمله بإيطاليا كمذيع ومطرب للعديد من الأغاني الإيطالية مما شكل لديه ثقافة مختلفة لكن هذا لم يمنعه من من التلون في حالته الغنائية وتقديم أغان تحمل طابعًا تراثيًا يميل إلى اللون الشعبي المفعم بالطابع الغربي
حالة استثنائية
لدى الراحل خامة صوتية رخيمة جعلته مميزًا بين أبناء جيله الذين ظهروا خلال هذه المرحلة، وكان لتعلمه عددًا من اللغات أثرت في تلون حالته الغنائية التي يتشكل فيها في كل حالة، فمثلا في غنائه للوطن يشعر المستمع بالمسئولية والمشاعر الوطنية الصادقة التي بقيت مع الراحل حتى ختام الرحلة، كما كان في ظهوره بأوبريت “تسلم الأيادي” والذي أضفى حالة خاصة عليه.
من أشهر أغاني الراحل : يا نخلتين في العلالي، النيل الفضي، ترحال السنين، أحبك الآن وسأحبك غدًا، زمان زمان، نويت أسيبك، قدك المياس، أه يا جميل يا اللى ناسيني، يا رب بلدي وحبايبي، ابن مصر، بناعهدك يا غالية، في حب مصر وغيرها.
وتميز مشوار الراحل بغلبة الأغاني الوطنية عليه دليلًا على عشقه وحبه الذي لم يكتف فقط بعمله لصالحه سنوات من عمره وزهو شبابه، بل ترجمه إلى أعمال غنائية تظل في ذاكرة الشعب سنوات وعقود، وظهر ذلك جلياً عندما ظهر الراحل في أحد إعلانات الاتصالات خلال حملة دعم المنتخب المصري في كأس العالم منذ عامين والتي ظهر بها مع الفنان كريم عبد العزيز وأحمد عز.
لكن برغم كل هذه المحبة، لم ينل الراحل تقديره من الاحتفاء والاستحقاق، فلم نر يوما أو نسمع يومًا عن تكريمه في أي مناسبة وطنية أو فنية تقديرًا لهذا الدور.
يبقي سمير الإسكندراني حالة فنية وطنية صادقة وخالصة، قضى الرحلة يقدم المتعة واختتمها بتراث وإرث يفتخر به أجيال رحلت وأخرى قادمة.