كانت الدنيا في نظر ماريا أزهارا تزهو برونقها الذي لا ينضب، كيف لها أن تتصور حياة بغير لون الزهور وقد منحها الرحمان أطيب وألطف والدين على هذه البسيطة ؟ كما كانت تردد دائما، ماريا قرأت الفرح ولم تعرف إلا لغته.
لكن هل من عادة الدنيا أن تسير على قدم واحدة؟
برزت القدم الأخرى، وبرز اليوم الآخر، فيوم عادت ماريا ذات شقاء، من الجامعة مشتاقة لوالديها اللطيفين، نسج القدر سحبا حول بسماتها.
ماذا دهاك أيتها الوردة؟ تقدمي، فأنت لم تخطئ الطريق، إنه طريق المنزل، وطريق جنة الدنيا في حضنهما.
تقدمي، لا تتجهمي، تقدمي مسرعة كما كنت مثل الفراشة السابحة في جمال الزهور، فأنت مثلها زهرة يافعة تنثرين الجمال على كل العيون.
لكن عيونك اليوم رأت ما رأت.
عندما وصلت ماريا إلى حيها، وجدت جموعا غفيرة حول منزلها ….وأي منزل؟ ماذا بقي منه؟ ما هذه الأدخنة المتصاعدة منه؟ بل ما هذا السواد الذي غلف جدرانه المطلية بالأصفر اللامع؟
– أين أبي………؟ أمي………؟
صرخت ماريا وتلقاها الجيران بنبأ الفاجعة:
– لقد توفي والداك.
– لماذا؟
– بسبب حريق نشب في المنزل لم تعرف أسبابه بعد.
شخصت الفتاة بعينيها إلى السماء، وكأنها تحاول أن ترى عيون أبيها ” الزرق ” بها ، ثم أرسلت نظرة فاحصة إلى الشاطئ ، حيث كانت أمها تحب أن تجلس لتنتعش بنسائم البحر اللطيفة، ثم ابتسمت ابتسامة تدافع عن وجودها العسير بين سيول الدمع ولم تصمد البسمة…..فسقطت الوردة .
لم تستفق ماريا إلا بعد غيبوبة طويلة، حتى أنها لم تر جثماني والديها عندما ووريا التراب بالمقبرة.
مقبرة في مدينتها الساحلية، بمدينة سكيكدة، لكن أي جثمانين ستراهما؟ ولم يبق منهما سوى أشباه جثث متفحمة.
– ماذا جرى؟
قالت الشرطة بأنه تسرب للغاز اشتعلت على إثره النار وحدث ما حدث، أما السبب الحقيقي فلا أحد يعلمه.
بعد الذي حدث، فقدت ماريا غرفتها الجميلة وسط بيت والديها وقد فقدتها إلى الأبد، فاضطرت للانتقال إلى العيش عند بيت عمها وكان يقيم في مدينة وهران، لكن ليس قريبا من الشاطئ حيث لم تكن تستطيع أن ترى البحر.
البحر……..ذكرى والديها الحبيبين، والدها عشق البحر، عيون أبيها الذي انتقل لونهما إليها كانت تغازل السماء والبحر بنفس اللون، وبنفس الصفاء عشقت والدتها شاطئ البحر، و التفرج على أمواجه……..فقدت ماريا والديها ومعهما حرقة الذكرى اللذيذة التي كانت تنقلها نسائم البحر.
كان العم يرعى عائلة كبيرة، غير متوفر لديها ما كانت تنعم به ماريا من قبل، فلم تكن تشعر بالارتياح خاصة لما مورست عليها أنواع من الضغط والظلم وأول ذلك هو حرمانها من الدراسة ، حتى أنها صارت تعامل معاملة العبيد من طرف زوجة عمها وبناته، فكم كن يحسدن وضعها الجميل الذي كانت تحيا به من قبل.
كان لعمها ثمانية أولاد أنجبتهم له من لا تتمتع بالرقة ولا باللباقة، كما أن مرتبه لم يكن يكفي لتوفير عيش رغيد ، ما جعل بناته يتذمرن من ذلك طوال الوقت، كما أن الولدين صغيران لا يستطيعان تحمل المسؤولية بعد لإعانة والدهما، أما جمال اللبق …..الغني فقد حرم من الأولاد….زينة الحياة الدنيا ….رغم ذلك لم يفرط في صونيا التي أحبها منذ طفولته رغم زن والديه عليه ومحاولات زوجة أخيه للإيقاع بينهما.