للدكتور حسن عبد العال كلية التربية جامعة طنطا متابعة :أحمد عبد الحميد..
حين نتأمل ما يحدث من صراعات ونزاعات فى مناقشة قضايانا سياسية كانت ام إقتصادية وحتى دينية او فنية ، نرى أننا نناصب بعضنا العداء ونتجاوز لغة الحوار إلى السباب والتجريح ، وتكاد تنتهى كل مناقشاتنا لقضية ما إلى فتنة توشك أن تمزق نسيج المجتمع الذى يضج اصلا بازماته . هذه حال المثقفين والإعلاميين والدعاةة بخطاباتهم النرجسية وتهويماتهم الأيديولوجية ، وتصنيفاتهم للناس بين الوطنية والعمالة والإيمان والكفر .
وعلى الرغم من أن المفكرين وقفوا من خلال تحليلاتهم على أسباب عديدة تقف خلف هذه الأزمة أزمة الصراع والإرهاب الفكرى، منها على سبيل المثال لا الحصر : نرجسية ثقافية تتلبس البعض ، وتلغم صيغة العيش بين فئات المجتمع وطوائفه ، ومنها اختزال بعضنا للواقع بكل تعقيداته والتباساته إلى بعد واحد ، ومنها التمترس وراء مقولات وقوالب فكرية متحجرة ، تخنق الحيوية الفكرية وتشل الطاقة عن التحول الإيجابي … وغيرها وغيرها من اسباب لا يتسع المقام لعرضها تفصيلا .
إلا انى أرى رغم كل وجاهة هذه الأسباب ، أن السبب الحقيقى – وهو ما يتضمن كل ما سبق – أننا فى مناقشاتنا لقضايانا لا نمارس نقدا وانما نمارس انتقادا وهناك فرق بين فكرة النقد critique والانتقاد criticism وتحدد النظرية النقدية هذا الفارق .
فالانتقاد ينطوي على فرض المعايير على الواقع فرضا من الخارج ، والمنتقد الذى يمارس الانتقاد – لا النقد – عادة ما يعترض على أشياء لأسباب خاصة تتعلق به ، وينتقدها على هذا الأساس (ينطبق ذلك على الماركسي والليبرالي والاسلامى والناصرى وغيرهم ) وكل منهم يفرض معاييره على واقع القضية أو الحالة موضع النقاش ، ومثل هذه المقاربة تفضى ميزة على موقع المنتقد ولكنها لا تبرره ، وهى تشتمل على ضرب من الجمود العقائدي ، إذ تزعم أن موقع المنتقد هو موقع ذو شرعية وشأن قبل ان يطبق ويفعل فعله ، ومن هنا فآراء منتقد ماركسى مثلا يمكن انتقادها بآراء منتقد اسلامى أو ناصرى او ليبرالى…وهكذا دون ان تحسم قضية أى الاراء ارفع شأنا من غيره ، ولهذا يحدث الصخب والصراع والتلاسن والتسفيه والسباب.
وأما النقد ( الذى لا نمارسه ) يفترض مسبقا وجود معايير تكون حاضرة فى الوضع أو الحالة ذاتها وليست معايير خارجة عن الحالة أو الواقعة أو الحدث ، معايير تحكم من خلالها الحالة على ذاتها ، وتتساءل اذا كانت تلبى سبب وجودها وتفى به ، وبذلك يكون مسعى النقد ان يشد الواقع صوب ما ينبغى أن يكون عليه ، وصوب ماهو محايث له وما سيغدو عليه .
طبق ذلك على كل ما يثار من مشكلات وقضايانا . .
نحن فى الحقيقة نمارس انتقادا لا نقدا – بالمعثنى الذى سبق للانتقاد والنقد – فى كل مناقشاتنا ، نحن لا نمارس نقدا ، ومن ثم فنحن فى حاجة إلى إستراتيجية فكرية جديدة فى مناقشة قضايانا وعلاقاتنا بعضنا ببعض .
والله المستعان