مؤلف الكتاب هو مرعي بن يوسف بن أبى بكر بن أحمد الكرمى المقدسي الحنبلى (المتوفى: 1033 هـ)
وقد قال فى سبب تأليف الكتاب :
” فقد سئلت في جمع أدعية وأذكار تستعمل للطاعون، وهل ذلك يفيد، وهل الطب له مدخل فيه وينفع؟ وقد أحببت أن أذكر شيئا من ذلك مع زيادة فوائد، وجمع فرائد، طلبا للثواب، ونفعا للأصحاب فأقول وبالله المستعان، وعليه التكلان، لا رب غيره، ولا مأمول إلا خيره”
بدأ الكرمى حديثه بذكر اختلاف القوم فى نفع التداوى من الطاعون وفى نفع الأذكار فى إزالته فقال :
“اعلم أن العلماء اختلفوا هل يفيد التداوي للطاعون، وهل ينفع فيه ما ورد من الأدعية والأذكار ونحوها؟
فذهب جماعة من العلماء إلى أن التداوي لا يفيد مع الطاعون شيئا، وقالوا: إن كل داء بسبب من الأسباب الطبيعية له دواء من الأدوية الطبيعية إلا الطاعون، فإنه قد أعيى الأطباء دواؤه
قال العلامة ابن القيم: حتى سلم حذاقهم أنه لا دواء له، ولا دافع له، إلا الذي خلقه وقدره
وقال الحافظ جلال السيوطي فيمن مات في الطاعون: وأكثر أناس في الطاعون من أشياء لا تغنيهم، وأمور لا تعنيهم؛ من ذلك استعمال مأكولات وقوابض، ومخففات وحوامض، وتعليق فصوص، لها في كتب الطب نصوص، وهذا باب قد أعيى الأطباء، واعترف بالعجز عن مداواته الألباء
وأناس رتبوا أدعية لم يرد بها حديث ولا أثر، وابتدعوا أذكارا من عند أنفسهم ونسوا أين المفر، وآخرون تحولوا إلى البحر وشاطئ النهر، وما شعروا أن مجاوزة البحر من أكبر الأسباب المعينة للطاعون طبا، والمضرة عند فساد الهواء جسما ولبا، إنما يصلح سكن البحر لمن يشكو الغم، أو سوء هضم
قال: ولم أعول على ذكر شيء مما ذكره الأطباء فيما يستعمل أيام الطاعون؛ لأنه شيء لا فائدة فيه، وهم إنما بنوا ما ذكروه على ما قرروه من أن الطاعون ناشئ عن فساد الهواء، وقد تبين فساد ما قالوه بمجيء الأحاديث النبوية بخلافه، فالأولى طرح ذلك، والتوكل على الله سبحانه وتعالي”
انتهى ما نقله الكرمى وخلاصته أن الطاعون لا يفيد معه دواء ولا ذكر ومن ثم استشهد بالقول :
“وما أحسن قول بعضهم:
لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة والطاعون والهرما ”
ثم نقل عن كتب الأطباء ماهية الطاعون وأما كن تواجده فى الجسم فقال :
“وحقيقة الطاعون عند الأطباء ما قال ابن سينا وغيره من الحذاق: الطاعون مادة سمية تحدث ورما قتالا يحدث في المواضع الرخوة، والتغابن من البدن، وأغلب ما يكون تحت الإبط، وخلف الأذن وقريب من ذلك قول بعضهم: الطاعون ورم رديء قتال يخرج معه تلهب شديد مؤلم جدا، ويصير ما حوله في الغالب أسود أو أخضر، وفي الأكثر يحدث في ثلاثة مواضع؛ في الإبط، وخلف الأذن، وفي اللحوم الرخوة، وسببه دم رديء مائل إلى العفونة والفساد، مستحيل إلى جوهر سمي يفسد العضو، ويغير ما يليه، وربما رشح دما وصديدا ويؤدي إلى القلب كيفية ردية، فيحدث القيء والخفقان والغثيان، وأردؤه ما حدث في الإبط، وخلف الأذن، وأسلمه الأحمر ثم الأصفر، والذي إلى السواد فلا يفلت منه أحد وفسر بعضهم الطاعون بانصباب الدم إلى عضو وقال أكثرهم: إنه هيجان الدم وانتفاخه ”
ثم ذكر اختلاف الأطباء فى سببه فقال:
“واختلفوا عماذا ينشأ هذا الدم، وهذا الورم، وبماذا تحصل هذه السمية القاتلة؟فقال الأطباء: إن سببه فساد جوهر الهواء
قال ابن سينا: الوباء فساد جوهر الهواء الذي هو مادة الروح ومدده، ولذلك لا يمكن حياة شيء من الحيوان بدون استنشاقه، وقريب من ذلك قول بعضهم: الوباء ينشأ عن فساد يعرض لجوهر الهواء بأسباب خبيثة سماوية أو أرضية، كالشهب والرجوم في آخر الصيف، والماء الآسن ، والجيف الكثيرة ”
الكلام هنا حسب الطب الحديث فيه بعض من الصحة حيث ينتشر الطاعون عن طريق الهواء الملوث بسعال وعطاس المصابين وسببه بكتيريا تنقلها القوارض كالفئران والحشرات كالبراغيث وهو يصيب الناي بالانتقال عن طريق الهواء او اللمش أو العض أو اللدغ او تناول طعام ملوث
وقد رد الكرمى كلام الأطباء بكلام الفقهاء فقال :
“وقال أهل الشرع: إن كلام الأطباء هذا باطل مردود؛ لان الطاعون قد يقع في أعدل الفصول، وفي أفسح البلاد، وأطيبها ماء، ولأنه لو كان من الهواء لعم جميع الناس، وسائر الحيوان، وجميع البدن!! وليس كذلك كما هو مشاهد؛ فإنا نجد كثيرا من الناس والحيوان يصيبه الطاعون، وبجانبه من جنسه، ومن يشابه مزاجه، ولا يصيبه، وقد يأخذ أهل البيت من بلد بأجمعهم، ولا يدخل بيتا مجاورهم أصلا، أو يدخل بيتا ولا يصيب منه إلا البعض”
وبالقطع هنا كل يغنى على ليلاه بمعنى أن الأطباء بحثوا عن موضوع دراستهم وهو الجسم فبينوا سبب الفساد الظاهر فى الجسم بينما الفقهاء تحدثوا عن السبب الباطن فى ظهور الطواعين وهو كثرة ذنوب البشر وعدم ارتداعهم عنها ومن ثم فكل بحث الموضوع من جهة علمه وفى الحقيقة لا يوجد تعارض
واستعرض مرعى الكرمى وجهة نظر الفقهاء فقال :
“قال أهل الشرع: والحق أن سبب الطاعون هو ظهور الفواحش والمعاصي؛ بل كل مصيبة حدثت فهي من كسب ابن آدم كما قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير (30)} [الشورى]
وروى ابن ماجه والبيهقي عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم يكن مضت في أسلافهم”
وروى أبو يعلى والحاكم وصححه والبيهقي عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ما ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت”
وروى أبو يعلى والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “إذا بخس المكيال حبس القطر، وإذا كثر الزنا كثر القتل ووقع الطاعون”
إلى هذا الموضع بين الرجل أن سبب انتشار الطاعون عند الفقهاء هو شيوع الفواحش ثم دخل إلى منطقة طبية ليست من اختصاص الفقهاء وهى سبب الطاعون المادى فقال:
“قالوا: وهو من وخز الجن، أي: طعنهم
روى عبد الرزاق في مصنفه، وابن أبي شيبة وأحمد بن حنبل في مسنديهما، وابن أبي الدنيا، والبزار، وأبو يعلى، والطبراني، وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم وصححه، والبيهقي في الدلائل من طرق عديدة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “فناء أمتي بالطعن والطاعون”، قيل: يا رسول الله، هذا الطعن قد عرفناه، فما الطاعون؟ قال: “وخز أعدائكم من الجن، وفي كل شهادة” ويشهد لكون الموت بالطاعون شهادة حديث أنس الذي أخرجه البخاري في كتاب الأنبياء، باب ما يذكر في الطاعون ح (5732)، ولفظه: “الطاعون شهادة لكل مسلم”، وحديث عائشة ح (5734) بنحوه
وروى أبو يعلى عن عائشة رضي الله عنها أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال في الطاعون: “وخز يصيب أمتي من أعدائهم من الجن؛ غدة كغدة الإبل، من أقام عليها كان مرابطا، ومن أصيب كان شهيدا”
والخطأ فى الروايات أن المسلمين لا يفنون إلا بالطعن والطاعون ويخالف هذا أن المسلمين يموتون بكل الطرق كغيرهم من الأمم فمنهم كثرة تموت على الفراش ومنهم من يموت فى الحرب ومنهم من يموت فى الحوادث والكوارث ويناقض قولهم “أعمار أمتى ما بين ال60 و ال70 وقولهم “من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة “فهنا المسلمون يموتون موتا عاديا وهو ما يخالف القول بالأعلى الذى يعنى أن المسلمين كلهم قتلى إما شهداء الطعن وهو القتال وإما شهداء الطاعون وهو المرض المعدى .
والروايات تجعل الطاعون للمسلمين فقط بسبب الأعداء من الجن وهو ما يخالف انه يصيب كل الأمم ومن ثم فالنبى(ص) لم يقل هذا الكلام
ثم نقل الكرمى قول ابن حجر:
“قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: وهو الذي أوجب للأطباء أن يقولوا ما قالوه؛ لأن معرفة كون الطاعون من وخز الجن إنما يدرك بالتوقيف، وليس للعقل فيه مجال ولما لم يكن عندهم في ذلك موقوف رأوا أن أقرب ما يقال فيه إنه من فساد جوهر الهواء، ولما ورد الشرع وجاء نهر الله بطل نهر معقل ”
والنصوص التى بين أيدينا ليست وحيا من الله ولم يقلها النبى(ص) لتعارضها مع بعضها ومع القرآن ولو قالوا :
أن سبب الطاعون شىء خفى عن حواس الناس سواء سمى الجن أو كما سماه أيوب (ص) شيطان أى شىء ضار كما قال تعالى ” إنى مسنى الشيطان بنصب وعذاب” وفسره قوله ” وأيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضر”
ثم بين الكرمى أن هناك جماعة من الفقهاء خالفوا الفقهاء الأخرين فى أن الطاعون يشفى بالعلاج فقال:
“وذهب جماعة من العلماء إلى أن التداوي يفيد مع الطاعون، وينفع لعموم الحديث الوارد عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الوارد في الأمر بالتداوي
قال الإمام ابن حزم رحمه الله في الملل والنحل: صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تصحيح الطب والأمر بالعلاج به، وأنه – صلى الله عليه وسلم – قال: “تداووا فإن الله تعالى لم يخلق داء إلا خلق له دواء إلا السام” ، والسام: الموت قال: فاعترض قوم فقالوا: قد سبق في علم الله عز وجل بنهاية أجل المرء، مدة صحته وسقمه، فأي معنى للعلاج؟
قال: فقلنا لهم: نسألكم هذا السؤال نفسه في جميع ما يتصرف فيه الناس من الأكل والشرب، واللباس لطرد البرد والحر، والسعي في المعاش بالحرث والغرس، والقيام على الماشية والحرفة بالتجارة والصناعة ونقول لهم: قد سبق علم الله تعالى بنهاية أجل المرء ومدة صحته، ومدة سقمه، فأي معنى لكل ما ذكرنا؟فلا جواب لهم إلا أن يقولوا: إن علم الله تعالى أيضا قد سبق بما يكون من كل ذلك، وبأنها أسباب إلى بلوغ نهاية العمر المقدرة فنقول لهم: وهكذا الطب، فقد سبق في علم الله تعالى أن هذا العليل يتداوى، وأن تداويه سبب إلى بلوغ نهاية أجله، فالعلل مقدرة، والزمانة مقدرة، والموت والعلاج مقدر، ولا مرد لحكم الله تعالى، ونافذ علمه في كل شيء من ذلك، لا إله إلا هو انتهى ”
وكلام ابن حزم هنا كلام مقبول معقول وهو يعنى الأخذ بالأسباب وليس ترك الأمور ثم ذكر الكرمى بعض ما قيل طبيا فى العلاج فقال:
“حيث علمت هذا فقد قال أئمة الطب كما نقله العلامة ابن القيم في الهدي: إنه يجب على كل محترز من الوباء أن يخرج عن بدنه الرطوبات الفضلية، ويقلل الغذاء، ويميل إلى التدبير المجفف من كل وجه إلا الرياضة والحمام؛ فإنهما يجب أن يحذرا؛ لأن البدن لا يخلو غالبا من فضل رديء كامن فيه، فتثيره الرياضة والحمام، ويجب عند وقوع الطاعون الدعة والسكون، وتسكين هيجان الأخلاط وصرح رئيس الأطباء ابن سينا بأن أول شيء يبدأ به في علاج الطاعون التشريط إن أمكن فيسيل ما فيه، ولا يترك حتى يجمد، فتزداد سميته
قال: ويعالج الطاعون بما تقبض ويبرد، وبالفصد ، وبإسفنجة مغموسة في خل وماء، ودهن وورد، ودهن تفاح، أو دهن آس انتهى
وقال شيخ الإسلام القاضي زكريا : وقد أغفل الأطباء في عصرنا وما قبله هذا التدبير، فوقع التفريط الشديد من تواطئهم على عدم التعرض لصاحب الطاعون بإخراج الدم حتى شاع ذلك فيهم؛ حيث صار عامتهم يعتقد تحريم ذلك؛ مع أن رئيسهم قال لما ذكر العلاج بالشرط، أو بالفصد: إنه واجب
وذهب بعض الأطباء إلى المنع من الفصد مع أن المرض دموي، وعلله بأن الأبدان قد تخللها الوباء الهاوي، فغير دماءها كلها فلا يفيد تنقيصها شيئا؛ لأنها كلها فاسدة، ومتى استفرغها بجملتها هلك فلم يبق إلا التدبير الإلهي بقلب المراد ولعل الجمع بين هذا وبين كلام ابن سينا، أن ذلك يعتبر باختلاف الأمزجة والأبدان، والبلدان، والأزمان، والطبيب الحاذق العارف لا يكاد يوجد في هذا الزمان وإنما الأدعياء فقد ذكر ابن أبي حاتم عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه قال: لم أر للوباء أنفع من البنفسج يدهن به، ويشرب ”
ونجد الرجل هنا يخلط كلام الأطباء بالفقهاء ثم ذكر نصا غريبا وهو :
“وزعم بعضهم أن من تختم بالياقوت، أو علقه عليه أمن شر الطاعون!”
وهذا النص موجود للأسف فى كتب المعادن والجواهر نقلا عن علماء أمم اخرى كاليونان والفرس والروم وللأسف تم تحويله لحديث هو :
“من تختم بالياقوت الأصفر منع من الطاعون “رواه ابن زنجويه فى الخواتيم والخطأ أن حجر كالياقوت يمنع الطاعون بالتختم به ويتعارض هذا مع أن لو كانت الحجارة كالياقوت تشفى وتمنع الأمراض فلماذا وصف الله لنا أدوية مثل عسل النحل ثم دعنا نتساءل لماذا التختم بالياقوت وحده يمنع الطاعون ؟أليس وجود الياقوت فى الحجرة أو فى ملابس الإنسان مثل التختم ؟إن هذا لعجيب التختم يمنع وغيره لا يمنع ؟أليس هذا جنونا ؟وهو يناقض قولهم “عليكم بالمشط فإنه يذهب بالغم والوباء والفقر “رواه مسند الفردوس للديلمى فهنا المشط هو الوحيد الذى يذهب الوباء ومنه الطاعون بينما فى القول الطاعون يمنعه الياقوت الأصفر وهو تعارض ظاهر .
ثم ذكر الرجل علاج الطاعون عند الأطباء القدامى فقال :
“وقال ابن سينا: قشر الأترج رائحته تصلح فساد الهواء والوباء، وسمن البقر إذا صب على الطواعين نفع منها، وشراب الحصرم ينفع من الوباء شربا وعن بعضهم يترك على الفحم في زمن الوباء قشور الرمان والآس، ويرش عليها الخل
قال السمرقندي : ويشرب كل غداة حلابا من شراب الحماض، أو الأترج، أو النارنج، أو الليمون، أو السفرجل، أو التفاح، أو الرمان الحامض، من أيها حضر عشرة دراهم مع ماء الورد، أو ماء لسان الثور من كل عشرة دراهم، ويشم الورد والكافور والصندل
وقال بعضهم: الماء البارد شربه يمنع الوباء، ويطفئ الحرارة الحادثة عن الوباء، وفي كتاب: “التبيان فيما يستعمل من الأغذية دائما أيام الطاعون”: الخل والعدس والكثك، ويأكل القثاء والخيار، وللترياق الأكبر في أيام الطاعون والوباء نفع عظيم شربا وطلاء، وبعشر يدفع فساد الهواء أكلا وشما على الفطور، وبزر القطون ينفع للوباء بخورا، وإذا بخر به قطع كل رائحة عفنة من أي نوع كانت، وبخور [لايعة] ينفع الوباء بخورا، ورائحته تقطع العفونة كيف كانت ”
ولا يمكن التأكد من صحة تلك العلاجات أو بطلانها بعد أن تخلى الناس عنها وظهور المضادات الحيوية وإنى كنت متأكد أن بعضا من تلك العلاجات كان مفيدا لنا فى صغرنا حيث أصبت أنا وكثيرين بهذا الطاعون تحت الإبط وعند تلاقى الفخذ مع البيوض وكان العلاج إن كانت لا تخوننى الذاكرة شيح وبصل وكنا نربط أحيانا بين ظهور تلك الغدة أى الولواس ووجود جروح فى الجسم
ثم تناول الكرمى نفع الأذكار والأدعية فى دفع الطاعون فقال:
“وأما الأذكار والأدعية، فقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله: أن الأرواح الشيطانية تتمكن من فعلها بالإنسان ما لم يدفعها دافع قوي من الذكر والدعاء والابتهال، والتضرع والصدقة وقراءة القرآن، وهذا يكون قبل استحكامها وتمكنها، فمن وفقه الله تعالى بادر عند إحساسه بأسباب الشر إلى هذه الأسباب التي تدفعها عنه، وهي له من أنفع الدواء وإذا أراد الله عز وجل إنفاذ قضائه وقدره أغفل قلب العبد عن معرفتها وتصورها وإرادتها، فلا يشعر بها، ولا يريدها ليقضي الله فيه أمرا كان مفعولا وإذا وقع القضاء عمي البصر ”
ثم ذكر روايات سوف نتناول كا منها خلف ذكره:
“إذا علمت هذا، وعلمت أن الطاعون من الجن، فقد وردت أحاديث بأذكار تحرس قائلها من كيد الجن، روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة”
وروى الحاكم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “سورة البقرة فيها آية هي سيدة آي القرآن، لا تقرأ في بيت وفيه شيطان إلا خرج منه؛ آية الكرسي”
الخطأ أن البيت المقروء فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان ويخالف هذا أن الشيطان موجود مع الإنسان فى كل مكان بدليل أن الله سماه القرين كما أن قراءة القرآن لا تمنع وجود الشياطين بدليل أن المنافقين كانت الشياطين معهم وحتى المسلمين إذا أذنبوا فإن الشياطين تكون معهم .
ثم ذكر الرواية التالية:
“وروى البزار أنه – صلى الله عليه وسلم – قال لعبد الله الأسلمي: “تعوذ بقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، فما تعوذ العباد بمثلهن”
وروى الترمذي: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلتا أخذ بهما، وترك ما سواهما ”
الخطأ أن الدعاء ومنه الرقى والتعوذ التى هى كلام تشفى الأمراض وما شاكلها وهو تخريف لأن لو كان الدعاء ومنه الرقى تشفى فالسؤال الآن لماذا خلق الله الأدوية ووصف بعضها فى القرآن مثل عسل النحل بقوله “يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس “ولو كان النبى (ص) وهو لم يقل هذا ولو كان النبى(ص) يعلم بأثر الدعاء أو الرقية لشفى نفسه والصحابة من الأمراض ولشفى الناس باعتبار أن هذا معجزة أم أنه كان يأمر الناس بها وينسى نفسه ؟
ثم ذكر الرواية التالية:
“وفي الصحيحين عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: “من قال لا إلله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي”
والخطأ هو أن أجر الذاكر هنا هو عدل عشر رقاب وهو ما يخالف للأجر فى القرآن وهو عشر حسنات للعمل غير المالى مصداق لقوله تعالى “من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها “والعمل المالى كعتق الرقاب ب700 أو 1400حسنة مصداق لقوله تعالى “مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء “.
ثم أورد الرواية التالية:
“وفي رواية للترمذي: “من قال دبر صلاة الفجر وهو ثاني رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله، فذكرها عشر مرات، كتب الله له عشر حسنات، وكان يومه في حرز من كل مكروه، وحرس من الشيطان”
وروى مسلم عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: “من نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل”
وفي بعض النسخ من الحلية عن الشافعي: “أحسن ما يداوى به الطاعون التسبيح”
وتلك الروايات كما قلنا تخالف الأمر بالتداوى وذكر الله دواء كعسل النحل ” فيه شفاء للناس” كما قال
قم أورد الكرمى التالى:
“ووجهه أن الذكر يدفع العقوبة والعذاب قال الله تعالى: {فلولا أنه كان من المسبحين (143) للبث في بطنه} [الصافات: 143، 144]، وقال كعب: سبحان الله تمنع العذاب
وقال بعض العارفين: دعاء يونس عليه السلام من ذكره في أيام الطاعون مائة وستا وثلاثين مرة حفظه الله تعالى من الوباء والطاعون، وهو لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ وهو اسم الله الأعظم
وذكر الزركشي أن بعض السلف كان يدعو عقب صلاته للنازلة: اللهم إنا نعوذ بك من عظيم النبلاء في النفس والأهل، والمال والولد، الله أكبر الله أكبر الله أكبر مما نخاف ونحذر، الله أكبر عدد ذنوبنا حتى تغفر، اللهم كما شفعت فينا نبينا محمدا – صلى الله عليه وسلم – فأمهلنا، وعمر بنا منازلنا، ولا تؤاخذنا بسوء أفعالنا، ولا تهلكنا بخطايانا يا رب العالمين
وعن بعضهم مما ينفع للوباء: يا حي يا قيوم، ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون، بسم الله ذي الشأن العظيم البرهان، الشديد السلطان، ما شاء الله كان، اللهم إني أعوذ بك من الطعن، والطاعون والوباء، اللهم إني أعوذ بك من موت الفجأة، وسوء القضاء، وجهد البلاء
وعن بعضهم لدفع الوباء يكتب ويعلق على الشخص : بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، اللهم سكن هيبة صدمة قهرمان الجبروت بألطافك الخفية الواردة النازلة من باب الملكوت حتى نتشبث بلطفك، ونعتصم عن إنزال قدرتك، يا ذا القدرة الكاملة، والرحمة الشاملة، يا ذا الجلال والإكرام
وذكر بعض العارفين نحوا من الأسماء أن اسمه تعالى المؤمن: من ذكره كل يوم مائة وستا وثلاثين مرة أمن شر الطاعون الحكيم: من ذكره في أيام الوباء كل يوم ثمانيا وثمانين مرة أمن شر العلة الوبائية الحفيظ: من ذكره كل يوم ثمانمائة وتسعين مرة كان محفوظا من الوباء والطاعون الرقيب: من ذكره أيام الوباء كل يوم ثلاثمائة مرة، واثني عشر مرة عصمه الله في سائر حركاته وسكناته من علة الطعن والطاعون
وعن بعضهم من قال في أيام الوباء: اللهم يا لطيف أسألك اللطف فيما جرت به المقادير، مائة وستا وثلاثين مرة أمنه الله من وخز الطاعون، وآفات البلاء ”
وكل ما سبق من أقوال هو مجرد تخاريف الغرض منها شغل الناس عن طاعات الله الأخرى بالجلوس بترديد تلك الأقوال التى لا فائدة منها والفائدة فى طاعات الله ومنها البحث عن علاج ثم ذكر الكرمى كلام المنجمين فى الطاعون فقال :
“بهذا، اعلم أيدك الله أن كلام المنجمين في الإخبار بالطاعون وغيره من الحوادث كذب وبهتان، وظن وحسبان، ولا يجوز تصديقهم في ذلك، والمصدق لهم أحمق، أو ذو تغفيل محقق، كيف لا والله سبحانه يقول: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا (26) إلا من ارتضى من رسول} [الجن: 26، 27]، ويقول: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله} [النمل: 65]
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد”
ومعنى الرواية صحيح ولكن الروايات التالية لم يقلها النبى(ص) وهى:
وروى مسلم عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل صلاته أربعين ليلة”
الخطأ أن من يذهب للعراف لا تقبل صلاته 40 يوما وهو يعارض أن الذاهب للعراف لسؤاله عن الغيب لا تقبل صلاته للأبد وليس 40 يوما ما لم يتب لأن الإصرار على الذنب يعنى الكفر وفى هذا قال تعالى “والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ”
“وروى الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر”
الخطأ هنا اعتبار العلم بالنجوم جزء من العمل بالسحر وهو ما يناقض وجوب علم المرشدين فى البر والبحر بعلم النجوم الذى أباحه الله لهم فقال ” وبالنجم هم يهتدون”
قم أورد الرواية التالية:
وروى الإمام أحمد من حديث سمرة رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “أما بعد، فإن رجالا يزعمون أن كسوف هذه الشمس، وكسوف هذا القمر، وزوال هذه النجوم عن مطالعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض، وإنهم قد كذبوا، ولكنها آيات يعتبر بها عباده لينظر من يحدث له منهم توبة”
الرواية هنا معناها صحيح ثم استدل الرجل على فساد أقوال المنجمين:
“ومما يدل على فساد قول المنجمين إجماعهم عندما تم بناء بغداد أن لا يموت بها خليفة، وشاع ذلك الأمر حتى هنأ الشعراء الخليفة المنصور بذلك، ثم قوي هذا الظن لما مات المنصور بطريق مكة، ثم قوي لما مات المهدي خارجا عنها، وكذلك الهادي، والرشيد، فلما قتل بها الخليفة الأمين انخرم هذا الحكم، ورجع القائل يقول:
كذب المنجم في مقالته التي نطقت على بغداد بالبهتان
قتل الأمين بها لعمري يقتضي تكذيبهم في سائر الحسبان
ثم مات بها الواثق بالله، والمتوكل على الله، والمعتمد بالله، والمكتفي بالله، والناصر لدين الله، وظهر لكل عاقل تناقض قول المنجمين، وشنيع كذبهم، وافترائهم فيما أجمعوا عليه
وأما ما اختلفوا فيه وقطع به بعضهم دون بعض فلو حكيناه عنهم على ما ذكره الإمام ابن الجوزي وغيره لكان أمرا يضحك منه
وما أحسن قول القائل:
أطلاب النجوم أحلتمونا على علم أرق من الهبا
كنوز الأرض لم تصلوا إليها فكيف وصلتم علم السما
وقول البهاء زهير :
واعزم متى شئت فالأوقات واحدة لا الريب يدفع مقدورا ولا العجل
لا ترقب النجم في أمر تحاوله فالله يفعل لا جدي ولا حمل
مع السعادة ما للنجم من أثر فلا يضرك مريخ ولا زحل
الأمر أعظم والأفكار حائرة والشرع أصدق والإنسان يمتثل”
ومما سبق نفهم التالى:
ان الطاعون ابتلاء إلهى قد يكون عقابا لقوم وقد يكون سببا ليتوب البعض
أن رفع الطاعون يتوجب العمل بطاعة الله ومن طاعة الله التداوى عند الأطباء والبحث عن علاج للوباء والاهتمام بالنظافة