بقلم -دكتور محمد حمزه..
بالتزامن مع تطور وسائل الإتصالات والتكنولوجيا الحديثة تطورت أيضاً أشكال العلاقات الإجتماعية، واختلفت مفاهيم التعارف، والصداقة، والحب، وأصبح كل هذا يتم دون لقاء مادى أو حقيقى، فمن الممكن أن تكتمل هذه العلاقات عن بعد، وفى العالم الافتراضى يتم اللقاء .
ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أصبح الزواج، واختيار شريك الحياة من خلال المنصات الإلكترونية.
حتى الخيانة فهى الأخرى تطورت وأصبح هناك ما يسمى بالخيانة الإلكترونية .
وهذا أمر طبيعى، لأن العلاقات العاطفية مسألة نسبية تتغير مع تغير الزمان والمكان.
فعلى سبيل المثال: إنتقل الحب من عصور القصائد والأساطير، الى جيل الخطابات الغرامية المحملة بالأشواق، ثم تطور الأمر وأصبح التعبير عن الحب عبر سماعات الهواتف المنزلية، ثم إلى الهواتف المحمولة التى سمحت للبوح عن المشاعر فى أى وقت وفى أى مكان، وصولاً إلى الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي التى فرضت على الحب والعلاقات قواعد جديدة وحددت له أطر مختلفة .
حتى وصل الأمر للأسف الشديد إلى تعلق البعض بمجرد صورة ملف شخصى لحساب إلكترونى (أكونت) لا يعرف حتى من هو صاحبه أو هل هو حساب حقيقى أم مذيف، ولكن انجذاب الشخص للصورة او الحالة الخاصة بصاحب الحساب هو ما أثر فى عاطفته.
ومن ناحية أخرى فمثل هذه المنصات والتى تتسم بسهولة إخفاء الهوية وسرية العلاقات الوهمية والتمكين من إخفاء المحادثات، أدى ذلك إلى جرأة الإفصاح للبعض بما لا يستطيعون الافصاح عنه فى الحقيقة ودون مواجهة، خاصة ممن لا تربطهم ببعض أى علاقات سابقة، مما يجعلهم يشعرون بالأريحية فى الكلام .
ورغم انه من السهل جداً الدخول فى مثل هذه العلاقات، إلا أنه من اللا ممكن الخروج منها بسلام.
وهذا ما أضطر اليه بعض الأزواج بعد أن باتت العلاقة بينهم تتسم بالملل والرتابة.
فبعض العلاقات الزوجية أو أغلبها يكون الزوج مشغول بتوفير المصاريف والمال، ويضطر إلى العمل فى أوقات كبيرةجداً لتوفير احتياجات أسرته، وتكون الزوجة مشغولة بالأبناء وأعمال المنزل، ومع تكرار هذا النمط يومياً يصبح روتيناً يخيم على الجو الأسرى، ويؤدى إلى فتور فى العلاقة الزوجية مما يؤدى إلى وجود فجوات عاطفية بداخل كل منهما ينتج عنها تعطش لمشاعر الحب والحنان.
وهذا ما يجعل كل منهما يبحث عن من يشاركه مشاكله، ويتطلع إلى سد ما ينقصه من ثغرات الود المفقود.
وينتج عن ما سبق ما يسمى بالطلاق النفسى أو الخرس الزوجى، وهو ما يعنى أن الزوجين تحت سقف واحد ولكن كل منهما فى عالم آخر، وما يمنعهم فقط من الانفصال هو وجود الأطفال بينهما، أو الشكل الإجتماعى، أو أى شئ …. غير الحب والارتباط النفسى والود بينهما .
وفى ظل وجود الهواتف الذكية والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت وسيلة جيدة للقضاء على الملل والفتور الكائن بداخلهم.
وإنما قد لا يسلم كل منهما مما يراه على هذه الصفحات من علاقات جيدة بين أناس آخرين، وحالات من الرومانسية والعطف والحنان مما يفتقدونه مع بعضهما البعض، كما تظهر لهم الأشخاص الذين كادوا هم حلم حياتهم من قبل!!! وهنا يرى كل منهما ما ينقصه فى شريكه، وتبدأ رحلة البحث عن العلاقات الوهمية.
فحينها وعند استعداد كل منهما لسماع اى همسة ترضيه، ينتظر كلاهما مصيره من شياطين تخفي نفسها وراء صور جذابة وغير حقيقية، دورها الوحيد هو اصطياد مثل هؤلاء الباحثين عن العلاقات الوهمية فقط لإشباع حاجتهم من العاطفة المفقودة.
ليس هذا فحسب وإنما بعد أن أصبحت مشاعرنا ليست جزءاً من خصوصياتنا، ولكن يتقاسم معنا الجميع الآن فى إبداء حالتنا التى نكون عليها وذلك باستخدامنا للحالة (يشعر ب…..) والتى يراها الجميع ممن يعرفنا وممن لا نعرفه، حتى وصل الأمر إلى نشر أدق تفاصيل حياتنا على الملأ، ونسينا أن هناك من يتفقد هذه الحالات ويقوم بتحليلها، حتى يجد الوقت المناسب لإختراق مشاعرنا.
وحينها لا نستطيع المقاومة ونقع فى دائرة … كما ذكرت من قبل (الدخول إليها ما أسهله والخروج منها يعقبه الويلات) .
وأخيراً وليس أخراً … مواقع التواصل الإجتماعي وسيلة للتواصل وليست وسيلة لإبداء المشاعر والاعتراف بالحب، فهناك من هم وراء الشاشات ليس لهم أى علاقة بما يبدونه إليك (فلا تنخدع) بالصور ولا بالكلام المعسول، فيكاد من يضغط على أزرار حروف كلمة (أحبك) يتحدث مع شخص أخر ويبدى له إعجابه.
أو تكون هذه البداية ليتبعها طلبات اخرى كتبادل الصور أو الإتصالات المرئية، وهذا ما يتمناه، أولاً ليرضى شهواته، ثانياً لتكن محطة إبتزاز تتيح له طلب المزيد فيما بعد.
ومن الوارد أن يصدف صدق أحدهم ولكن فى المقابل هناك المئات من المذيفين (فلا تنساق)..
فالتفاهم والتجديد والقرب من شركاء حياتكم والتودد إليهم، أسهل وأفضل من بدائل علاقات وهمية لا تأتى إلا بالخراب المبين.
وبدلاً من التفتيش فى هواتف بعضكم البعض، فتشوا فى أنفسكم لتخرجوا أفضل ما فيها لتعزيز العلاقة القائمة على الود والرحمة بينكم.
وفى النهاية اذا كانت أقداركم حتمت عليكم البقاء، فابحثوا فى شركائكم عن ما تبحثون عنه فى غيرهم وستجدوه .