كتب _ أشرف محمد المهندس..
_ قوله تعالى من سورة النمل : ( وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون ) آية رقم ( ١٧ ) …
_ يوقفك هذا النص الكريم على الاستراتيجية العسكرية التي تبناها نبي الله سليمان عليه السلام في جيشه الفريد بناء ونسقا …فالنص حافل بالتخطيط والتنظيم والهندسة العسكرية الدقيقة …ولعلنا نلمس ذلك في :
أولا : _ ( وحشر ) هذا الجيش يعرف جيدا ( آلية الاستدعاء) الخاصة به …وكذلك ( آلية التنظيم )… وكذلك ( آلية الاستعراض العسكري ) …فعندما يستدعي القائد ( نبي الله سليمان عليه السلام ) هذا الجيش يتم ( حشر الجيش ) أي ؛ استدعاؤه لاستعراض القوة أمام قائده …هذا الاستعراض المهيب يكون تطمينا لنفوس أفراد المجتمع … وتثبيتا للقلوب بالأمن والأمان … كما أنه أيضا رسالة للأعداء كاشفة عن قوة هذا الجيش وعظمته … فليس هناك تخبط أو عشوائية أو فوضى … بل هناك ( وحشر ) … جيش منظم على درجة عليا من التنسيق بين أقسامه … كل يعرف فصيلته ومكانه … ويعرف مهمته الموكلة له والمنوطة به …
_ كما أن النص يدل على أن هذا الصنيع ( استعراض الجيش ) كان فعلا دائما من جانبه عليه السلام … فالقائد لا بد له دوما من تفقد جيشه … والوقوف على استعداداته وتنظيمه …
ثانياً : _ ( لسليمان ) …فهذا فضل اختصاص به وله عليه السلام من جملة الفضائل التي اختص بها عليه السلام… والفضل هنا يتمثل في جيش له عتاد عسكري عظيم … متنوع الفصائل والأجناس ( الإنس / الجن / الطير ) … وعلى درجة عليا من التنظيم والتنسيق والجندية … حقا هذا لا يكون إلا له عليه السلام…ولن يكون لغيره من بعده … فهو القائل : ( رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب ) …
ثالثاً : _ ( جنوده من الجن والإنس والطير ) … نعم كانوا كلهم جنودا لسليمان عليه السلام… ولعلك تأنس هذا أكثر في حديث النملة إذ قالت : ( ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ) آية ( ١٨ ) …نعم إنهم ( جنوده ) … ثم تأمل في نوع هؤلاء الجنود وفصائلهم … إنهم فيالق عسكرية من فئات مختلفة : ( الجن / الإنس / الطير بكل انواعها ) …وهذا التكوين العجيب لهيكل الجيش كاف وحده لبث الرعب في نفوس الأعداء ناهيك عن العدد … فالرعب هنا متولد من ( تكوين الجيش + عدده) ..ولذا كان توظيف اللفظ ( جنوده ) منسوبا له عليه السلام لأن هذا لم يكن لغيره … بل كان له وحده وفقط اختصاصا وفضلا..
رابعا : _ ( فهم يوزعون ) …يعرفون جيدا كيفية التوزيع والتنظيم والتنسيق والتهيئة … يعرفون جيدا بلا تداخل أو تخبط أو عشوائية مهامهم وأماكنهم …لكل منهم مكانه الخاص به فهو يعرفه …ولكل منهم مهمته الخاصة به فهو يقوم بها على الوجه التام الأكمل…
خامساً : _ ولعلك تأنس من هذا النص الكريم منهج بناء الأفعال فيه ..فقد جاءت على صيغة البناء للمجهول ( حشر / يوزعون ) دلالة على أن هذا ( الحشر / والتوزيع ) يتم بأوامر ربانية إلهية المصدر … وهذه ميزة أخرى مضافة إلى ميزاته عليه السلام…فهم جميعا ( مسخرون ) بهذه الأوامر الربانية لسليمان عليه السلام ..وليس اجتهادا منه أو بذل جهد ..بل تصديقا لقوله عليه السلام في القرآن : ( وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين ) النمل آية ( ١٦ ) … فهذه نعم فوق نعم فوق نعم …
_ إن هذا النص الكريم يدلنا على :
_ منزلة نبي الله سليمان عليه السلام ومكانته السامقة عند ربه إذ يختصه بكل هذا الفضل ومع ذلك نجده عليه السلام متواضعا متبتلا لله أن يقبل منه عمله ( وأن أعمل صالحا ترضاه ) … إنه درس لنا جميعا مهما أوتينا من بسط مال أو رزق أو سلطة أو قوة أو … أو … أن نتواضع …نعم أن نتواضع…
_ كما أن النص يحمل لنا رسالة كاشفة عن أهمية الاستعداد العسكري ..والأخذ بكل الوسائل المعينة على القوة والتنظيم والتنسيق… فالدولة القوية تكون قوية في كل شيء ( البناء الجسدي للأفراد/ البناء الروحي / البناء العلمي / البناء السلوكي / البناء العسكري / البناء التنظيمي ) … الدولة القوية دوما تأخذ تعاليمها من قوله تعالى : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) … تستعين بكل ما من شأنه أن يقويها ويدعمها …
_ اللهم جملنا بالتواضع … وشرفنا بالتذلل لك وحدك .. وأعزنا بالعبودية لك وحدك … اللهم آمين آمين…