سها جادالله….
أشعلت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقابلة مع محطة “سي أن أن ترك” التلفزيونية جدلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، والتي قال فيها إن وحدات من القوات التركية بدأت في التحرك إلى ليبيا، وإنها ستعزز تباعا، مشددا على أن هدف هذه القوات ليس القتال في ليبيا.
وبدوره، قال ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي في تغريدة له “من قال إن تركيا تريد الحرب ضد مصر أو ضد أي دولة، تركيا تدافع عن الحكومة الشرعية في ليبيا بينما غيرها يدعم المتمردين والانقلابين، لا تصدقوا إعلامكم فهو يكذب عليكم، تركيا ليست ضد الشعب المصري ولا أي شعب في المنطقة”.
أما الصحفي التركي حمزة تكين فقال إن “تركيا لا تتدخل عنوة في ليبيا، بل في وضح النهار ومن فوق الطاولة، هي تلبي بطريقة قانونية طلب أشقائها وأصدقائها وحلفائها الشرعيين في ليبيا، الجيش التركي لم يرتكب المجازر بحق المدنيين لا هنا ولا هناك، بل جلب السلام والأمن والاستقرار حيثما وجد، ونفس المهمة اليوم يحملها في ليبيا”.
المغردة سندس عشال كتبت في تغريدة لها “تدخل تركيا في ليبيا بطلب من الحكومة الشرعية يأتي في ظل اتفاق يحفظ مصالح الشعب وتطلعاته ويحفظ سلامة حدود وأراضي ليبيا التي حولها حفتر إلى سوق نخاسة للمرتزقة المأجورين الذين تم جلبهم من كل حدب وصوب”.
من جهته، كتب عضو مجلس النواب المصري مصطفى بكري “انتصار الجيش الوطني الليبي في سرت هو الرد الطبيعي على تدخل أردوغان وجيشه في ليبيا، غدا مصراته وطرابلس، وحتما سيتم قطع الطريق على الغزاة، أرض ليبيا الطاهرة لن تقبل أن يدنسها مستعمر”
الناشطة رقى مبارك كان لها رأي آخر فكتبت “هكذا بدأ العد التنازلي إذا أرادوها حربا فسيصد الجيش الليبي بكامل قوته عن وطنه ضد الغزو التركي المتغطرس، أما عن حدودنا فلنا من الرجال الأشداء (110 ملايين)، هم شعب مصر جند من خير أجناد الأرض”.
في سياق متصل تداول ناشطون صورا لمظاهرة من مدينة بنغازي التي تسيطر عليها قوات حفتر رفضا لما سماه المشاركون فيها “الغزو التركي لليبيا”، كما أكد المتظاهرون أن مدينة بنغازي ستقف ضد التدخل العسكري التركي.
وأثار قرار البرلمان التركي قلق الاتحاد الأوروبي ودفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى التحذير من أي “تدخل أجنبي” في ليبيا. وأكد أردوغان أن هدف تركيا ليس “القتال” بل “دعم الحكومة الشرعية وتجنّب مأساة إنسانية”.
ولا يعتقد فارس أوغلو الكاتب والمحلل السياسي التركي أن الأمور يمكن أن تحتدم بين مصر وتركيا لتصل إلى حد الحرب الشاملة، لكنه يشير إلى أن ما سرَّع من وتيره التحرك التركي هو قصف الكلية الحربية في طرابلس ويضيف: “أتوقع أن التصعيد بين مصر وتركيا قادم وربما ستحاول تركيا في البداية ضرب بعض المناطق المؤثرة لدى قوات حفتر لكن لا أعتقد أبداً أنها ستكون حرباً كبيرة لأن الأطراف الدولية ستتدخل بسرعة لمنع تصاعد الأمور خصوصاً أمريكا وروسيا نظراً لمصالح كليهما الاستراتيجية في المنطقة”
ويتفق مع هذا الرأي محمد عبد القادر خليل، الخبير في الشأن التركي والعلاقات المصرية-التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والذي يرى أن المواجهة المباشرة لا يخطط لها أي من الجانبين “وإنْ كان الجانب المصري ينظر إلى المسألة الليبية باعتبارها قضية أمن قومي ولا ينظر إليها كما تنظر إليها تركيا على اعتبار أن هناك حكومة شرعية”.
ويوضح الخبير المصري في حواره مع DW عربية أن الحدود مع ليبيا تمتد بطول أكثر من 1200 كيلومتر وليست مأهولة بالسكان ويسهل اختراقها “والتصعيد والزج بميليشيات جهادية إلى ليبيا يعني أن هذه الميليشيات في مرحلة ما إذا سيطرت على مدن شرق ليبيا فإنها قد تقوم بعمليات خاطفة داخل العمق المصري ومن ثم تتعرض مصر لمخاطر جمة، فضلاً عن ما تتكبده مصر من تكلفة بسبب تأمين الحدود وكلها أمور تسبب ضغطاً شديداً على الأمن القومي المصري”.
أما كانان أتيلغان الخبيرة بمؤسسة كونراد أديناور فترى أن مصر لديها مصلحة كبيرة في أن يتعزز الأمن والاستقرار في ليبيا، وشاغلها الرئيسي هو حماية حدودها حتى لا يتمكن أي من المتطرفين من عبور الحدود الليبيبة إليها. ولا تستبعد أتيلغان أن تتواجه مصر وتركيا في ليبيا “لكن الدور الروسي سيكون حاسماً في هذا الشأن”.
يرى محللون أن أحد الأهداف الأساسية لتحركات تركيا في منطقة المتوسط هو أن تضمن لنفسها حصة في مخزون الغاز الهائل هناك.
ويبدو واضحاً أن الهدف الرئيس لتركيا من الاتفاقية البحرية التي وقعتها مع حكومة الوفاق الليبية هو عدم سقوط طرابلس في يد خليفة حفتر لضمان عدم دخوله في أي مفاوضات وله يد عليا على الأرض، إلى جانب تثبيت شرعية حكومة السراج، ما يعني استمرار اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي يجعل من التفاوض مع تركيا بشأن الغاز في المتوسط أمراً لا مفر منه.
وكان الرئيس التركي قد صرح بأن “اليونان ومصر وإسرائيل وقبرص لن تتمكن من اتخاذ أي خطوة دون موافقتنا، بعد توقيعنا على مذكرة التفاهم مع ليبيا” بحسب ما قال خلال حوار مع قناة “تي آر تي” التركية.
ويقول فارس أوغلو الكاتب والمحلل السياسي التركي إن أنقرة تريد بشكل أساسي أن توصل رسالة وهي: إما أن تكون من ضمن المخططات الاقتصادية وإلا ستقلب اللعبة.
ويوضح فارس أوغلو: “هذا تحديداً ما تقوم به تركيا عبر مذكرة التفاهم بينها وبين ليبيا والتي سجلت في الأمم المتحدة، علماً بأن تركيا لم توقع على ما يسمى باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لاختلافات جغرافية لا تناسب تركيا مطلقاً وستكون الآن إما مفاوضات أو وقف لتلك المشاريع التي استبعدت منها تركيا وإما تصعيد الأمور عسكرياً.. هذه هي الخيارات الثلاث، لكني أتوقع أن المفاوضات ستكون أفضل وأسهل للجميع”.