معية الله تعالى مع عباده المؤمنين

كتب _ اشرف المهندس

ويتجدد اللقاء بنا مع سلسلة الإيمان والأخلاق للشيخ الدكتور / اسماعيل احمد اسماعيل مرشدى من علماء وزارة الأوقاف

إن معية الله لها أهمية كبيرة في حياة الإنسان؛ فإن إحساس المؤمن بحفظ الله له، ويقينه أنَّ الله معه؛ يَسمعه إذا شكا، ويُجيبه إذا دعا، ويأخذ بيده إذا كبا، ويمدُّه إذا ضعُف، ويعينه إذا احتاج، ويلطف به إذا خاف، كلُّ ذلك من أسباب ارتياح النفس وانشراح الصدر، وطمأنينة القلب وتيسير الأمر، وطيب العاقبة في العاجل والآجل؛ فإنَّ ثقة العبد بربِّه ويقينه بأنه – سبحانه – المتولي لأموره، وأنه – تعالى – سائقُ كلِّ خير، وكاشفُ كل ضر – لا تتركه نهبًا للوساوس والأوهام، ولا تلقيه في بيداء اليأس من روح الله، أو ظلمة القنوط من رحمة الله؛ بل تجعله يضرع إلى الله – تعالى – عند كلِّ نازلة، ويستجير به عند كل مصيبة، ويشكره ويذكُره، ويحمده عند كلِّ نعمة ورحمة، فيتَّجه إلى الله في سائر أحواله، داعيًا متضرعًا موقنًا بالإِجابة، منتظرًا للفرج من الله، لا يتَّجه إلى غيره، ولا يُنزل حاجتَه بسواه: { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ } [النمل: ٦٢]، فيتذكَّر ربَّه في كلِّ أحواله ذاكرًا وشاكرًا على السرَّاء، وصابرًا ضارعًا منتظرًا للفرج عند الضرَّاء، ويسأل الله أن يجود عليه بحفظ النعماء، والعافية من البلاء، واللطف في القضاء؛ غير أن هذا الأمر يختص به المؤمن دون غيره؛ فَعَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ!! إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ!! إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ!! وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ!! ” (مسلم) . وقد كان الله مع الصبي زيد بن أرقم حين سمع عبد الله بن أبي يقول: “لئن رجعنا المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل”، وبلغ الكلمة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن مثل هذه الكلمة الخطيرة لا بد أن تُنقل، لكن لم يكن معه من يشهد له، وظن قومه أنه غفل ونقل ما لم يحصل؛ فلم يصدقوه، فخفق برأسه من الهم ما ذكره بقوله: “فأصابني همٌّ لم يصبني مثله قط” فأنزل الله عز وجل: { هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ } ( سورة المنافقون: 7 ) . إلى قوله: { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} ( سورة المنافقون: 8 ) ، فأرسل إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها عليَّ ثم قال: ” إن الله قد صدقك يا زيد ” ، فكان الله مع الصبي الذي كان حريصاً على مصلحة أهل الإسلام .

ويحدثنا القرآن الكريم في سورة الكهف عن الجدار الذي وقف حارسًا يحمي أموال طفلين صغيرين يتيمين، وينتظر أن يكبرا ويستخرجا كنزهما، حتى الجدار، حتى الجدار لما أوشك على السقوط، جنَّد الله نبيه موسى عليه السلام والعبد الصالح أن يأتيا من أقصى الأرض ليعيدا لهذا الجدار حيويته كي يقوم بدوره الذي كفله الله به، والقرآن يحكي لنا هذا الدور فيقول تعالي: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الكهف: 82]، روي أنه دخل “مقاتل بن سليمان” رحمه الله ، على “المنصور” رحمه الله ، يوم بُويعَ بالخلافة، فقال له “المنصور” عِظني يا “مقاتل” ! فقال : أعظُك بما رأيت أم بما سمعت؟ قال : بل بما رأيت. قال : يا أمير المؤمنين ! إن عمر بن عبد العزيز أنجب أحد عشر ولدا وترك ثمانية عشر دينارا ، كُفّنَ بخمسة دنانير ، واشتُريَ له قبر بأربعة دنانير وَوزّع الباقي على أبنائه.وهشام بن عبد الملك أنجب أحد عشر ولدا ، وكان نصيب كلّ ولد من التركة الف الف دينار.(اي مليون) والله. يا أمير المؤمنين : لقد رأيت في يوم واحد أحد أبناء عمر بن عبد العزيز يتصدق بمائة فرس للجهاد في سبيل الله ،وأحد أبناء هشام يتسول في الأسواق.وقد سأل الناس عمر بن عبدالعزيز وهو على فراش الموت : ماذا تركت لأبنائك يا عمر ؟ قال : تركت لهم تقوى الله ، فإن كانوا صالحين فالله تعالى يتولى الصالحين ، وإن كانوا غير ذلك فلن أترك لهم ما يعينهم على معصية الله تعالى . فتأمل… كثير من الناس يسعى ويكد ويتعب ليؤمن مستقبل أولاده ظنا منه أن وجود المال في أيديهم بعد موته أمان لهم، وغفل عن الأمان العظيم الذي ذكره الله في كتابه: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا). – وهذا الصحابي الجليل ابن أم مكتوم، الذي كان ضريراً، ابتلاه الله بفقد البصر لما نزل قول الله تعالى:( لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ)سورة النساء:95

فجاء ابن أم مكتوم الأعمى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمليها على زيد بن ثابت وهو من كتبة الوحي، وسمع الآية، فقال: يا رسول الله فما تأمرني فإني رجل ضرير البصر، ولو أستطيع الجهاد لجاهدت، وفي رواية: إني أحب الجهاد في سبيل الله، لكن بي من الزمانة – أي: المرض المزمن والعاهة المستديمة – ما ترى، ذهب بصري، فنزلت كلمتان: (غير أولي الضرر) وأضيفت في الآية، فأصبحت:(لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ)سورة النساء:95.

– ولما اشتدت المحنة على كعب بن مالك، وقوطع خمسين يوماً، وتركته زوجته بأمر النبي صلى الله عليه وسلم حين تخلف عن الجهاد دون عذر، لكن الله مع المؤمنين، وهذا الرجل كان صادقاً، واعترف، وصارت العقوبة بهذه المقاطعة الشديدة الوقع على نفسه، لم يكن الله عز وجل ليتخلى عن هذا الرجل وصاحبيه:قال تعالى(وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أي: اعتقدواأَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)سورة التوبة:118، نزل الفرج،وقال النبي عليه الصلاة والسلام لكعب: ((أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمك)) . فعلينا أن نستشعر هذه المعية في كل وقت بصفة عامة و في وقت المحن بصفة خاصة وأن نرطب ألسنتنا بهذه الآية { إن الله معنا } معنا القاهر الذي لايقهر معنا الغالب الي لايغلب معنا الذي لايعلم جنوده إلا هو معنا الذي إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون فإذا استشعرنا ذلك ورسخ في قلوبنا وأيقنت به أنفسنا فحق علينا أن نكون كما أمرنا الله في قوله { فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم } [ محمد : 35 ]

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الآمنين، وأن تغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن تكون معنا لا علينا يا رب العالمين، انصرنا ولا تنصر علينا، وأعنا ولا تعن علينا، وكن معنا ولا تكن علينا. ونسأل الله القبول والسداد

Related posts

Leave a Comment