بقلم /الدكتور عبدالرحمن الوليلي …
الله عز وجل هو خالق الكون، وهو الذي أودعه القوانين والنواميس، وهو وحده القادر على إيقاف هذه القوانين وتعطيل هذه النواميس، فلما أراد الله أن يخلق من غير أبٍ ومن غير أمٍّ خلق آدم عليه السلام، ولما أراد أن يخلق من أبٍ دون أمٍّ خلق حواء عليها السلام، ولما أراد أن يخلق من أمٍّ دون أبٍ خلق عيسى عليه السلام، ولما أراد أن يخلق من أبٍ وأمٍّ خلق سائر الخلق، ليعلم كل الخلق أنَّ الخالق على كل شيءٍ قدير. ولذلك لمَّا رأى يوسف النجار ابن خال مريم عليها السلام بوادر الحمل قد ظهرت على مريم عليها السلام، وهو يعلم طُهرها وعفَّتها واصطفاءها، ذهب إليها وقال: يا مريم! إنِّي سائلك عن أمرٍ فلا تعجلي عليَّ فيه، فقالت مريم وكأنَّها فهمت ماذا سيقول يوسف: يا يوسف سلني عما شئت ولكن قل قولًا جميلًا. فقال لها يوسف مُعرِّضًا في الكلام، قال لها يا مريم! هل ينبت زرعٌ بغير بذر؟ وهل ينبت شجرٌ بغير غيث؟ وهل يكون ولدٌ بغير أب؟! فقالت مريم: نعم. قال لها: كيف؟! فقالت له: يا يوسف! ألم تعلم أنَّ الله أنبت الزرع يوم خلقه من غير بذر؟! ألم تعلم أنَّ الله أنبت الشجر يوم خلقه من غير غيثٍ ولا مطر؟! ألم تعلم أنَّ الله خلق آدم يوم خلقه من غير أبٍ ومن غير أمٍّ؟! فنظر إليها قائلًا: أعلم أنَّ الله على كل شيءٍ قدير!. وقصة الميلاد مشهورةٌ معروفة، وباللطائف والكرامات محفوفة، وفي الكتاب بأروع وأحكم البيان موصوفة. عادت مريم إلى قومها بوليدها، فاتهموها على ما كان من أمرها، فلما ضاق الحال، وانحسر المجال، وتوقَّف المقال، عظُم توكلها على ذي العظمة والجلال، فأشارت إلى رضيعها في الحال، فأنطقه الكبير المتعال، فقال ثم قال، مستخرجًا بطاقة الهويَّة كما يُقال، الاسم: إنِّي عَبْدُ اللَّه، المؤهل: آتانيَ الكِتَاب، الوظيفة: وجَعَلَنِي نبيًّا، الرفعة: وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أينَمَا كُنْت، التكاليف: وَأَوصَانِي بالصَّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا، الصفة: وَبَرًّا بِوَالِدَتِي، المنزلة: وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا، التكريم: وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَومَ وُلِدْتُ وَيَومَ أَمُوتُ وَيَومَ أُبْعَثُ حَيًّا، الختم والتصديق من رب العالمين: ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَولَ الحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مَا كَانَ للَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونَ، الوصية: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُم فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ. ليحصلَ بعد تسعة أشهرٍ حوليَّة، ثم الولادة الطبيعيَّة، وفي ساعةٍ غيبيَّة، أعجزُ ميلادٍ في تاريخ البشريَّة، لرسولٍ من أولي العزم المرضيَّة، ويُنسبَ لأمه العذراء البهيَّة، متكلِّمًا في مهده بالخصوصيَّة، مع معجزاته الظاهرة الجليَّة، ختامًا برفعه إلى الذات العليَّة، إنَّما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه وعبدٌ من عباد رب البريَّة.
د. عبدالرحمن الوليلي
كاتب وداعية إسلامي