الكاتب حيدار يتحدث للجمهورية اليوم…التفاصيل

 

سها جادالله….

في حضرة الشعر والكتابة الأدبية المبدعة أخذتنا الكلمات ومتعة الحديث لنحاور اليوم ضيفنا الكاتب الجزائري ⁩محمدحيدار  في بحور الإبداع الأدبي ونبحر معه في اعماق الشعر والأدب المعبر عن واقع شعوب موجوعة بالجراح وتنزف آلاما ، لكن بريق الأمل لا ينطفئ

نرحب بك في جريدة الجمهورية اليوم. دوت كوم كاتبنا المبدع

حاورته : الإعلامية سها جادالله

بلغة أنيقة هادئة مفعمة بالإحساس الصادق ، وامل بغد أفضل ،وبفيض  زاخر من الكتابة والعطاء ، تحدث لنا الكاتب محمد حيدار…
_ممكن نتعرف على شخصكم الكريم؟
محمد حيدار كاتب جزائري من مواليد 15 فبراير1952 ببلدة تسمى” عسلة” ولاية النعامة. أي جنوب الجزائر نوعا ما، منطقة جبال القصور، وهو مقيم بمدينة سعيدة شمال الجزائر. متقاعد من قطاع الثقافة. له مستوى جامعي.

_ متى بدأت الكتابة؟ ومتى كان لقاؤك مع أول تجربة إبداعية نظمت بها حروف اللغة وانصهرت الكلمات لترسم بقلمك تجربة إبداعية رائعة؟
كان ذلك في ستينيات القرن الماضي، حين كنت في أواسط عقدي الثاني، وكان الشعر الشعبي هو التجربة الأولى، ثم المقال الاجتماعي والثقافي في بعض المجلات ( كان ينشر في ركن القراء غالبا بحكم حجمه ومستواه أيضا).قبل أن اهتدي إلى كتابة الخاطرة ثم القصة، ومع القصة دخلت عالم الأدب بشكل أوسع، والحقيقة أنني سايرت القصة إلى جانب كتابة المحاولات الشعرية، سواء في الشعر الشعبي أو في الشعر الرسمي(الفصيح)، أما الرواية فكنت آنذاك متحفظا من خوض غمارها، إلى درجة أنني أتلفت أول رواية كتبتها في نهاية السبعينيات ولا أذكر حتى عنوانها، وإن رسخت بذهني بقايا من مضمونها، لكن الأكيد أنني كنت ــ في تلك الفترة ــ كثير القراءة، أقرأ بنهم، وهو ما شجعني على الكتابة في الرواية أن فأصدرت أولى رواياتي ” الأنفاس الاخيرة”، التي أخذت ملامح كثيرة من تجربتي في الحياة حتى ذلك الحين.

_ما هي طقوسكم في الكتابة؟ وطريقتكم في جمع المصادر؟

ليست لي طقوس بمعنى الطقوس، ولو أن هناك أوضاعا تساعدني على الكتابة، فأنا أريد أن أكتب بشكل فوضوي، لا أكتب في سجل مثلا، أو بطاقية، بل في أوراق عادية ويا حبذا لو أنها تتبعثر، فأبحث عن هذه الفكرة أو تلك عبر الأوراق، يا لها من لذة، أيضا الورقة غير منظمة تجدها مكتوبة عموديا وأفقيا لأنني أنسى الفكرة وأضيف،ولعل تلك حالة أخذناها من محمود درويش في قوله” حريتي فوضاي”. ولي مدة منذ ودعت الكتابة بالقلم، فقد حلّ الإعلام الآلي محله، لنودع القلم والأوراق بكل خشخشتهما.
أنا أعايش الفكرة العامة للنص لمدة في ذهني، وقلما أخطط؛ وإذا خططت أخرج عن التصميم، أترك النص ينساب بحرية ولا أرغمه،لاسيما بعد تحصيل رصيد من التجربة لا بأس بها، وغالبا ما يأتي النص بخاتمة من تلقائيته وزخم تدفقه، وليس أنا، وحتى حين أحضّر خاتمة مسبقا أي منذ البداية، يرفضها النص لأنها تبدو مصطنعة بالقياس إلى تلك التي يأتي بها هو.
فالخاتمة التي تبرز من صميم فعل النص تلقائيا، وليست (مضافة له أو ملحقة به)، تعطي العمل الإبداعي قيمة مضافة، وهو نفس ما يقال عن العنوان الذي لا يسبق العمل عندي. ومن جهة أخرى فإن النص أثناء معالجته، وحدة مخاضه، غالبا ما يسدي خدمة للكاتب، فيفتح أجواء لم يستحضرها المبدع منذ البداية، أو يضمّنها مخططه الافتراضي.
وكلما حدث إشكال أو استعصت الفكرة، أضع القلم، أبحث عن مخرج غير المخرج الذي كنت أحاول النفاذ معه، بمعنى قد يأتيني الحل من خلال شخصية أخرى، بدل الشخصية التي كنت أراهن عليها، وخلاصة القول ان الوضع المنظم، المخطط له، لا يساعدني على الكتابة، لأنه يقتل التلقائية، وينال بشكل أو بأخر من حرية القلم، ثم إني أضع في حسباني دائما أن ما أخطه ليس نهائيا، وأنه سيعاد وينقح ربما لأكثر من مرة.

_كيف توفقون بين الحياة الأسرية والتأليف؟

زمان أيام الشغل كان هذا الأخير ربما يأخذ من وقتي الكثير، أما اليوم وأنا متقاعد فكل وقتي ملك يدي، لكن رغم ذلك ــ وهذا اعتراف ــ أنا لا أكتب كما في الماضي ربما لعامل تقدم السن، وأكيد لتكاليف الطبع، إذ ما جدوى أن تكتب ولا تطبع، وأنا كتبت مرة بأن الأدب كالعلم هو الأخر له سبقه الإبداعي، أقصد الفكرة، التي إذا لم تنشر أو تطبع، قد يهتدي إليها غيرك فتموت بين أوراقك.

_من الذي يشجعك على خوض هذا المجال؟
لا يوجد “من” أو “ما” يشجع، بل بالعكس، ولنترك الأمر مجملا بدون تفاصيل، فالكاتب زاويته الظل، إذا لم يكن كاتبا صحافيا أو كاتبا منتسبا مهنيا إلى الجامعة، فهناكظاهرة” الكاتب الصحفي” الذي تهتم به وسائل الإعلام لهذه الصفة أي أسرته المهنية، وظاهرة” الكاتب الجامعي” الذي يلقى عناية زملائه الاساتذة وطلبته وهم أسرته أيضا، أما خارج هذين الحقلين فلا يوجد حقل ثالث إلا في الظل، يعني ليس الإبداع وحده، هو من يفرضك على المحيط إلا نادرا، وهذه الحقيقة لا تقتصر على بلدنا، فبحكم قرب النموذجين المذكورين من دوائر الضوء( الإعلام) والإسناد( الجامعة) يحظيان بالاهتمام، لكن لا يجب أن تكون حدة العزلة على باقي النماذج بكل هذا الشكل المؤثر، وهي عزلة لم يقلل منها ــ في زمننا ــ إلا وجود الشبكة العنكبوتية، التي فتحت عديد الأجواء أمام المهمشين.
أما الدافع إلى الكتابة، فأثناء الصغر كان عامل المراهقة قد لعب دورا هاما في دفعنا إلى الكتابة، ولأن الكاتب (يعني الفنان بوجه عام) لا يشيخ فـــــربما تلك البقايا لاتزال تدفعنا حتى اللحظة، وإن كنا ابتعدنا عـــــــــــــن استيحاء حياتنا الشخصية، ووجدانياتنا الذاتية التي حلت محلها قضايا أكبر بكثير. لايوجد في الكتابة ما يشجع عليها يا استاذة، وكل ما في الأمر أن سر التشبث بها هــــــــو هذا الهوس الذي تصيبنا هي به، سيما حين نقضي معها عمرا كالذي قضيناه، فهي العالم السحري الذي نركن إليه كلما نقمنا على الحياة، أو نقمت هي علينا، ولعل كلمة ” أنا أفكر إذن أنا موجود” كانت تعني الوجود من خلال الكتابة بشكل أو بأخر، لآن الوجود في الحياة من غير الكتابة، يعني مجرد عبور خال من أي معنى، صحيح أنه عبور؛ ولكن بدون أوراق ثبوتية.
الفكرة المركزية عند الكاتب، أن كل المطلوب منه هو أن يكتب ويكتب، بصرف النظر عن أي مقابل، المقابل هو ذلك الشعور الذي يغمره حين يتصفح الأخرون كتاباته، ورقية كانت هذه الكتابات أم اليكترونية، بالرغم من شح المقروئية في زمننا التي يشتكي منها الجميع، فهذا التصفح آتإن عاجلا أو آجلا.

_ما الحالة النفسية التي تدفعك للكتابة؟ عندما تكون في حالة عزلة انكسارا ام لحظة صفاء وسعادة ام حالة تحدي وامل؟

قد تكون كلها مجتمعة أولا تكون، إذ يبدو أن هذا الزمن الذي قضيناها في الكتابة، جعل هذه الأخيرة ملازمة لنا،سواء توفرت حالة من حالات الدفع هذه أو بمعزل عن كل هذه الحالات،لكن إذا طلب منا أن نختار بعضها، فلا ينبغي أن نختارإلا حالات العزلة والانكسار والتحدي، فهي الأقرب إلى التحريض على الكتابة في نظري، أما الأمل إذا كان يعني تحقيق الرؤى التي يحملها الكاتب، فليس مجاله إلا المستحيلات، سواء كان ذاتيا أم عاما.
_هل كان لك محاولات نقدية لبعض النصوص الشعرية او الادبية ؟

نعم، كانت لي كتابات نقدية في الصحافة، ثم كمداخلات (دراسات) تناولت بوجه خاص، علاقة الرواية بالتاريخ، وقراءات لملامح تجربتي الروائية، وأفكر في جمعها ضمن مؤلف، أما في الوقت الحاضر، فقد ألفت كتيبين حول شاعرين في الشعر الشعبي بعنواني:” الشيخ بومدين معلوم في مواكب الشعر والطرب” و”عبق البادية وطقوس استحضار الطيف في أشعار الشيخ قدور ماوي”.
_وما هي مقومات القصيدة الناجحة التي تؤثر في القارئء وتستحوذ عليه؟
رغم التفاضل القائم بين الشعراء منذ عصور الشعر، ومعايير النقد المكرّسة، ظلت القصيدة ” النموذج” أمنية لاعجة في نفس كل شاعر، ولذلك فالقول بتفضيل هذه القصيدة عن تلك، يظل تفضيلا نسبيا، لأن هناك دور الذائقة المتلقية، ومن هنا يبرز الاختلاف، وعلى أية حال، فإن للقصيدة الرائعة سحرا قد لا يكون مبعثه عمق الكلمات وظلالها، ولا البحر، أو التحرر منه، ولا الموسيقا ولا المضمون، ولا طريقة التركيب، أو قد تكون كل هذه مجتمعة كمقومات.
وفي رأيي الخاص ــكقارئ للشعر ـــ القصيدة تتميز بمدى امتلاك الشاعر لعبقرية تكاد تكون استثنائية (أي مستمدة من عبق وادي عبقر)، في جمالية التشكيل، وابتكار الصور التي تبني أجزاء المعنى فلا يأتي نمطيا ممجوجا، مستهلكا،فمثلا لماذا نطرب حين نستمع أو نقرأ لصلاح عبد الصبور أو محمود درويش أو نزار قباني، أو السياب، أو سميح القاسم، أو البياتي أو مفدي زكرياء أو غيرهم من القامات سواء في جيلهم أو في الأجيال الجديدة اللاحقة، حيث نجد أسماء رائعة كتميم البرغوثي بوزيد حرز الله والقائمة تطول،أقول هذا وأنا بصراحة لم أجرّب نقد الشعر أو دراسته ــ عكس ما اتعاطاه أحيانا مع النصوص السردية ــ باستثناء الشعر الشعبي.
_ في رأيك ما هي أكثر فنون النثر قدرة على التعبير والتواصل مع القارىء..الرواية ام القصة القصيرة؟!
كتبت ذات مرة أتساءل، لماذا عصرنا الحاضر، الذي هو عصر السرعة في كل شيء، حتى في المشاعر، يرتّب القصة القصيرة في ذيل الأنواع الأدبية، أي خلف الرواية وحتى خلف الشعر والمسرحية، ولماذا لم تعد القصة القصيرة محل رسائل أكاديمية مثل الرواية، مع أنها هي الأنسب إلى هذا العصر، فهي القصة/ اللقطة، القصة/ اللفتة، القصة اللحظة.ولعل السؤال سيظل مطروحا على عصر لم يحدد أولوياته في كل شيء.

_وما هي أول قصة كتبتها وعن ماذا تحدثت وعن مناسبتها.

لعلها قصة” عقود الاسترعاء”،أكيد أنها أول قصة نشرتُها بمجلة كانت تسمى مجلة” الشباب” ولا أذكر إن كانت هي أول ما كتبت في مجال القصة، وهي تتعلق بحياة نموذج من شريحة اجتماعية هي رعاة الأغنام، وقد جاء اهتمامنا يومها بهذا الجانب كأبناء ريف طبعا، والقصة ضمن مجموعتي القصصية الأولى، الموسومة ب” خلف الأشعة”.

هل لك كاتبنا  محاولات ادبية ذات طابع سياسي في ظل الأوضاع التي يعيشها الوطن العربي؟
للتدليل على ذلك  يمكنني الإشارة إلى بعض النماذج فقط، مثل قصة لي ضمن المجموعة القصصية الثانية التي تحمل عنوان” هندسة الإغواء”، وهذه القصة وسمت ب ” المثول بين يدي النعمان السابع عشر”، وهي تتناول شخصية الشاعر لقيط الإيادي الذي أنذر قومه مغبة هجوم كسرى؛ فسفّهوا رأيه، وهناك رواية ” الرحيل إلى أروى” التي تدخل ضمن الأدب النقدي في كثير من طروحاتها، نقدا لا ينحصر في زمنها ورقعتها الجغرافية، بل اكتست ما يمكن أن نسميه بتوظيف التاريخ، بمعنى أنها تلفتنا إلى كثير من جوانب حاضرنا، ثم رواية ” دموع النغم” وموضوعها ثورة التحرير الجزائرية، ثم أخر قصة كتبتها بعنوان “الهجان وزحاف الشعر” وهي تتناول تشبث القادة العرب بالكرسي.
وبالتالي فكتاباتي تتناول السياسة فعلا لكن من باب ” الإطعام” دون أن تتوغل فيها، أو تنسيها الجانب الفني الجمالي، ولعل علاقتي بالسياسة تأتي من كوني أكتب الرواية التاريخية، بله إن التاريخ لا يفارقني حتى في كثير من قصصي وأشعاري.فنحن نستأنس بالتاريخ كما قال الروائي المعروف الاعرج واسيني، أي نكتب في ظله دون أن ننمحي فيه.

كم ديون لك مطبوع وكم رصيدك من الكتابات؟
يتمثل رصيدي من الإصدارات ــ لحد الأن ــ في أربع روايات هي ” الأنفاس الأخيرة”،” الرحيل إلى أروى”، ” دموع النغم”، و “ما وراء الخط الأخر” و مجموعتين قصصيتين هما ” خلف الأشعة” و ” هندسة الإغواء”، ثم كتاب في التاريخ موسوم” الإفريقي صانع ملحمة فزوز ورجال وجبال”، أما الشعر فلي منه ثلاثة دواوين غير مطبوعة لحد الآن، هي ” بكائيات عازلة للصوت” و” شواهد النحيب” و” أوشال الحنين” وهذا الأخير في الشعر الشعبي، وهو الأقدم بطبيعة الحال.

هل طرقت باب النشر الإلكتروني أم ما زلت تفضل النشر التقليدي؟ ماذا لو أتيحت لك الفرصة في توفير أعمالك على منصات النشر الإلكتروني؟ هل توافق؟ أصبح النشر الإلكتروني مجزياً وأسهل في الوصول للناس هذه الأيام؟

إلى جانب النشر التقليدي، توجد بعض مؤلفاتي ضمن مواقع اليكترونية، من أبرزها المواقع الأتية: موقع” تحميل كتب pdf”/ وموقع ” الانطولوجيا”/ وأخيرا موقع”عاشق الكتب”، ذلكفضلا عن مدونتي الخاصة التي توجد بها معظم كتاباتي، وهي محدودة بطبيعة الحال، وكل ما أنشره اليكترونيا يكون مطبوعا ورقيا، اما بخصوص النشر فأنا استخدم الوسيلتين معا، وسيلة النشر الورقي، ووسيلة النشر الرقمي معا، وكل فرصة تتاح لي أنا أرحب بها.

_ممكن تخبرنا عن احدث اخبارك ومخططاتك الجديده؟

مخططاتي قديمة/ جديدة، بمعنى أن الطبع هو الذي يتحكم في جدتها وليس تاريخ كتابتها، فمن غير المطبوع ــ بالإضافة إلى ما أشرت إليه ــ توجد روايتان ” تحت شلال تيفريت” و” في وداع شبلة” وكلتاهما تستندان إلى التاريخ بوجه أو بأخر،ثم رواية ثالثة لا تزال تحت القلم ـــ كما يُقال ــ حول الملكة النوميدية ــــ القرطاجية، “سوفونيسبا”، أيضا قصتان أو أكثر غير مطبوعتين، وثم المجموعات الشعرية التي ذكرتها، وأخيرا أقول إنه كان لي مشروع لكتابة الرواية التاريخية، يستلهم محطات تاريخ الجزائر، أنجزت منه حتى الآن روايات: الرحيل إلى أروى حول الفترة الرستمية بالجزائر، رواية دموع النغم حول ثورة التحرير، ورواية في وداع شبلة حول العهد الحمادي( لما تطبع بعد).

وفي الختام أتقدم بتحياتي الخالصة إليك الاستاذة  سها جادالله شاكرا لها اهتمامها وصبرها معي أثناء التحضير للمقابلة. ولكل طاقم جريدة الجمهورية اليوم دوت كوم. ولأهل غزة العزيزة على قلوبنا، وكل الشعب الفلسطيني المناضل، ونحن معه ظالما أو مظلوما كما قالها الراحل بومدين. وشكرا.

وصل قارب حوارنا  لنهايته , رحلة ممتعة مع كاتب مميز مبدع ، فشكرا لك كاتبنا الفاضل على سعة صدرك وطول صبرك وحسن تجاوبك ووضوح إجابتك، والي لقاء اخر 

Related posts

Leave a Comment